هل انتهى ملف الحديث عن التوريث في الجزائر؟ وكيف لمصطلح دخيل على الحكم في بلادنا، وعلى الجزائريين بصفة عامة أن يلقى كل هذا التداول بين المواطنين؟ سؤال يُطرح بعدما توالت التصريحات النافية لهذا التوجه الذي رسمته الكثير من القراءات السياسية والإعلامية والخطابات المتفقة من المعارضين للسلطة الذين أجزموا في أكثر من مناسبة على أن الرئيس بوتفليقة يحضّر توريث الحكم لشقيقه الأصغر، وقد بدأ مسلسل النفي من التصريح الذي أطلقه الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى في أول خرجة إعلامية وسياسية له بعد عودته لقيادة الأرندي، وبعد ساعات من خرجة أحمد أويحيى خاض الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني هو الآخر في الموضوع بطريقته الخاصة، نافيا وجود تداول للموضوع الذي نفاه للمرة الثالثة أحد المقربين من الرئيس ومن محيطه في الرئاسة الوزير عمار غول، الذي سار على خطى أويحيى وعمار سعداني. لقد تضافرت عدة عوامل في تنامي الحديث عن التوريث، فقد اعتمدت السلطة سياسة التجاهل في التعاطي مع الملف الذي وصل إلى مستويات لم يعد من الحكمة الصمت تجاهها، لأن التزام الصمت معناه تأكيد ما يدور في الساحة السياسية وهو ما كان من شأنه إثارة توتر سياسي في البلاد، و من الواضح جدا أن أويحيى حصل على الضوء الأخضر لكنس القضية من الساحة السياسية ووقف الجدل والتعاليق الدائرة على مستويات عدة، التي شكلت صداعا آخر في رأس السلطة الباحثة في مثل هذه الظروف عن الهدوء لإعادة ترتيب أوراقها وتسيير مراحلها بعيدا عن أي تداخل في الأولويات. تصريح عمار غول، بحكم أنه آخر نفي صادر عن محيط السلطة ورجالها، يعتبر قناعة قوية من السلطة ذاتها بتفادي الاستثمار في هذا الموضوع غير المحبب لدى الشارع السياسي والذي قد يجلب لها مخاطر هي في غنى عنها، مثلما قد يقوّي جبهة معارضيها، ويكسب هذه الجبهة تعاطفا، وقد لمست ذلك من خلال "بارومتر" التداول العريض للقضية والرفض والانتقادات الحادة التي قوبلت بها، وليس من الحكمة أن تُقدم السلطة على أمر مثل هذا في وقت تصدعت أنظمة قوية في العالم العربي بفعل هذه التوجهات التي لا تلقى التأييد الشعبي، بل الرفض والاستنكار، لكن المشكلة في هذا التداول ليس التوريث بقدر ما تتمثل بالنسبة للسلطة في قدرة خصومها على تلبيس شقيق الرئيس هذا الرداء الذي ينفي مقربوه نفيا قاطعا وجوده أو تداوله سواء على نطاق واسع أو ضيق. بالنسبة للسلطة لا توريث إذن، ومن الواضح أن ترتيباتها تركّز على ضمان السير الحسن للعهدة الرابعة للرئيس الذي لا ينوي اختزالها في أي مرحلة من مراحلها مثلما لا ينوي حل أي مؤسسة منتخبة إلى غاية الانتهاء القانوني للعهدة الانتخابية حسب القوانين التي تنص على ذلك، وإلا فإنه سيفتح بابا للمعارضين من أجل اختزال العهدات القانونية لباقي المؤسسات المنتخبة الأخرى.