أيام قليلة تفصلنا عن أول شوال معلنا عن رحيل سيد الشهور وأفضلها، شهر رمضان الكريم، وخلاله تتسارع خطى الأسر الجزائرية ومعها تكثر الحركة في الأسواق والمراكز التجارية لشراء ملابس العيد وجميع مستلزمات المناسبة الدينية، فيما تنهمك ربات البيوت في تحضير مختلف أنواع الحلويات لعرضها على مائدة العيد وتقديمها للضيوف والأقارب. زارت "البلاد" بعض أسواق العاصمة والبيوت العاصمية لترصد الأجواء التي تسبق أيام عيد الفطر المبارك. روبورتاج: إيمان خيار الأسواق المراكز والمحلات التجارية قبلة العاصميين بعد الإفطار كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلا عندما دخلنا المركز التجاري بالشراقة، هذا المركز الذي لم نصل إليه إلا بعد معاناة كبيرة نظرا للاختناق المروري الذي تشهده الطرقات المؤدية إليه، حركة غير عادية وحشود من المواطنين داخل المركز، إذ يخيل إليك أنك بمكة المكرمة لا داخل مركز تجاري. عائلات فضلت فترة ما بعد الإفطار لاقتناء مستلزماتها نظرا للحرارة الشديدة التي تكون في عز النهار، محلات مكتظة عن آخرها وأروقة المركز هي الأخرى تعج بأعداد من المواطنين تهافتوا منذ الساعات الأولى بعد الإفطار لشراء مستلزماتهم من ملابس العيد وأغطية الموائد وصحون لعرض الحلويات. اقتربنا من "نصيرة" التي كانت بصدد شراء ملابس العيد فقالت: "اشتري ملابس العيد قبل حلول شهر رمضان ولكن هذه المرة لم يسعفني الحظ فبقيت حتى الأيام الأخيرة، وقد تفاجأت بالعدد الهائل من المتوافدين على المركز، كنت أظن أنني أنا فقط من تأخرت في شرائها ولم أفهم شيئا فأينما ذهبت تجد أعداد كبيرة من المواطنين". "سارة" أخبرتنا أنها انتهت من شراء ملابس العيد ولم تبق سوى حقيبة اليد التي كانت بصدد البحث عنها وبالخصوص اللون الملائم لملابسها وحذائها. وأضافت أنها تعبت كثيرا في البحث خاصة أمام الكم الهائل من المتوافدين على المركز لا يمكنك أن تضع رجلك من كثرة الزحمة. سوق ميصونيي بالعاصمة هو الآخر يعرف حركة غير عادية بعد الإفطار، فالمتجول بالسوق يخيل إليه أنه في عز النهار بسبب الحشود الكبيرة للمواطنين أغلبيتهم نسوة. والمنظر السائد في السوق هو ارتداء العديد من الباعة الفوضويين الفساتين والهتاف بسعرها لجلب أكبر الزبائن. هنا التقينا السيدة حسينة أم لأربعة أطفال، جاءت رفقة ابنتها لشراء حذاء، قالت إنها اعتادت مع ابنتها التي تقوم دائما بالتسوق معها لاقتناء ما تحتاجه، وأنها ستتزوج بعد العيد قالت: "ستتركني قفة بلا يدين". وخلال جولتنا الاستطلاعية توجهنا الى سوق باش جراح الذي يشهد هو الآخر هذه الأيام إقبالا كبيرا واختناقا غير مسبوق. فقد أجمع بعض المواطنين الذين تحدثنا إليهم على أن سوق باش جراح أصبح المكان المفضل لديهم لاقتناء مستلزماتهم خاصة الألبسة والأواني والمواد الغذائية، فالسوق أصبح قبلة للمتسوقين من الولايات المجاورة. يقول جمال وهو تاجر بالسوق إن هناك إقبالا كبيرا من طرف الزبائن على محلات بيع الأحذية والألبسة، والتجار يضطرون إلى إجراء تخفيضات في الأسعار لجلب أكبر عدد من الزبائن لتصريف البضاعة وأسعار الملابس في متناول الجميع وكل واحد يشتري حسب ميزانيته، السلع متنوعة بسبب المنافسة إضافة إلى دخول السلع الصينية بقوة إلى الأسواق الجزائرية. ربات بيوت يستقبلن العيد بتنظيف المنازل وإعداد الحلويات تنهمك النسوة خلال هذه الأيام القلية التي تفصلنا عن عيد الفطر المبارك في تنظيف البيوت وتزيينها وإعادة ترتيب أثاث البيت مثلما تفعل مليكة التي قالت إن العيد فرصة لإعادة ترتيب أثاث البيت وتزيينه بكل ما يمكن أن يعطي للبيت صورة أنقى تزامنا مع هذه المناسبة السعيدة التي تكون فرصة لتبادل الزيارات وصلة الرحم، خاصة تلك التي تتعلق بالمناسبات الدينية المميزة. ومليكة نموذج للمرأة العاصمية التي لا تزال تحافظ على عاداتها وتقاليدها حيث قامت بإعادة طلاء منزلها وترتيب منزلها وإخراج جميع النباتات التي غرستها وتصفيفها في الرواق على شكل ديكور جميل لتعطي سحرا على المنزل، الأمر الذي غاب عن العديد من العائلات التي أصبحت تزين منازلها بأثاث عصري ونباتات اصطناعية. وتعرف معظم الأسواق والمحلات المتخصصة ببيع لوازم صناعة الحلويات الخاصة بعيد الفطر خلال هذه الايام حركة غير عادية من أجل اقتناء ما يلزم لتحضير أشهى الحلويات، حيث تجد كل العائلات تتهافت على مختلف المحلات. وككل عام تقوم النسوة قبيل العيد بتحضير أشهى وأطيب الحلويات الجزائرية توجهنا إلى بعض محلات بيع مستلزمات الحلويات التي كانت تعج بالمشترين. والملاحظ أن نسبة النساء كانت هي الغالبة. تحدثنا رابح صاحب صاحب محل فسألناه عن مدى إقبال الناس على الشراء فأجابنا بأنه من عادات الأسر الجزائرية تحضير أجمل أنواع الحلويات في عيد الفطر المبارك ولهذا الغرض يكثر الإقبال على شراء المواد التي تدخل في تحضير الحلويات كالجلجلان واللوز والكاوكاو والبيض والفرينة والشكولاطه وغيرها. ويشكل المواطنون البسطاء نسبة كبيرة من الزبائن باعتبارهم الشريحة الأكبر من المجتمع غالبيتهم من النساء. العاملات يفضلن شراء الحلويات على تحضيرها من جهة أخرى تفضل النساء العاملات شراء الحلويات بدل تحضيرها وخاصة بعد الجهد المبذول في شهر رمضان وقلة الوقت بسبب الانشغال بين البيت والعمل، فأصبحت النساء العاملات يلجأن إلى الحلويات الجاهزة بما أن المحلات أصبحت تعرض كل أنواع الحلويات. التقينا فتيحة ربة بيت وأم لثلاثة أطفال ومتقاعدة حديثا، قالت إنها كانت في كل مرة تقوم بتحضير الحلويات في آخر لحظة أو شرائها في غالب الأحيان، ولكنها بعد التقاعد ارتاحت كثيرا فقررت أن تبدأ في تحضير الحلويات على مدار الأسبوع الأخير من شهر رمضان حتى لا يكون عليها أي ضغط، فقامت باقتناء لوازم الحلوى قبل شهر رمضان لأنها تخشى الخروج خلال الشهر الفضيل. وأضافت فتيحة أن أهم الحلويات التي تحضرها في العيد هي البقلاوة والمقروط المعسل والعرايش وتشاراك والقريوش، مشيرة إلى أن أسعار لوازم الحلويات تعرف ارتفاعا خلال الأيام الأخيرة من رمضان، ولهذا السبب قامت بشرائها قبل شهر الصيام، خاصة أن هذه المستلزمات ضرورية لصناعة الحلويات من أجل تبادل الزيارات واستقبال الضيوف في عيد الفطر المبارك. محلات بيع الحلويات تعرف انتعاشا قبيل عيد الفطر قمنا بجولة استطلاعية داخل محلات بيع الحلويات التقليدية والعصرية من لمعرفة أسعارها والأسباب التي جعلت ربات البيوت يشترين الحلويات الجاهزة عوض إعدادها في المنزل، فوقفنا على العديد من الأجوبة بين من لا تعرف إعداد بعض الحلويات العصرية وأخرى تفضل عدم إجهاد نفسها فوق التعب الذي تعانيه على مدار الشهر من طبخ وتسوق بالإضافة إلى الأشغال المنزلية، ناهيك عن تربية الأطفال التي تتعب العديد منهن، وأخريات أكدن أن الوقت ليس في صالحهن في الأيام الأخيرة نظرا للأشغال التي تترتب عليهن من ترتيب المنزل واقتناء ملابس الأطفال، حسب ما أكدته لنا السيدة فاطمة من أن ربة البيت التي ليس لديها من يعينها على تربية أبنائها والقيام بأعمال المنزل والطبخ وغيرها من الأعمال المنزلية لا يمكنها صنع الحلويات التي تتطلب وقتا، مضيفة أن هذا لا يمنعها من إعداد بعض الحلويات التي لا تلزمها الكثير من الوقت. كل سنة تقتني بعض الأنواع على غرار مقروط اللوز والمحنشة والمخبز. وتقوم بصنع بعض الحلويات ك لمقروط المعسل والتشاراك. الحنة عادة متوارثة عبر الأجيال في ليلة العيد تبقى الحنة العادة التي لاتزال العائلات الجزائرية تحافظ عليها في كل المناسبات الدينية والأفراح. وفي هذا الشان تقول السيدة سعيدة إنها تحافظ على تزيين أيادي أبنائها وأحفادها بها. "الحنة إرث عريق ورثناه عن الأجداد. فبعد أن كانت توضع بطريقة عادية على الأيدي والأرجل أصبحت اليوم توضع وتزين على شكل نقوش متنوعة والتي أضحت الفتيات يعتمدن عليها". وأضافت سعيدة أنه لا يمر أي عيد او أية مناسبة دون أن تكون قد هيأت "طاسة الحنة"، فهي من متممات الاستعداد لاستقبال العيد كتهيئة الملابس الجديدة وإعداد الحلوى وغيرهما، هي حنة العيد حيث كانت أم زوجها تقوم بتحضيرها ولما توفيت ورثت عنها العادة واصبحت هي من يقوم بطلائها لأبنائها وأحفادها فهم يأتون خصيصا لكي تطلي لهم الحناء ليلة العيد، كما تقوم بطلائها ايضا لأبناء أخ زوجها فهي تقوم بعجن الكمية الكافية من الحناء مع ماء الزهر وتهيئ قطعا كافية من الملابس القديمة لتغطي بها أيادي أولادها وأحفادها بعد وضع الحنة.