تفاقمت أزمة تدهور أسعار النفط و تراجع قيمة الدينار لأدنى مستوياتها أمام الدولار بشكل سريع للغاية ، دفع الحكومة إلى تسطير عدة مخططات استعجالية تتعلق بتقليص نفقات التسيير والتجهيز على مستوى الجهاز التنفيذي ، من بينها تجميد عمليات الترقية في الوظيف العمومي مستقبلا خصوصا تلك التي تترتب عنها أعباء مالية ضخمة ، و تجميد كافة عمليات اقتناء التجهيزات لدى الإدارة العمومية ، وكذا المشاريع التي لم تصد بشأنها أي تراخيص لبدء الأشغال. و أدى انهيار أسعار النفط إلى مادون 50 دولارا إلى إقدام الحكومة على تسريع خطواتها المالية والاقتصادية لمواجهة شبح الأزمة التي قد تدوم لسنوات يسترجع فيها الكثير من الجزائريين الحالة العامة التي ظهرت بها البلاد في نهاية الثمانينيات ، ومطلع التسعينيات ، ثم ما ترتب عنها من قرارات غير شعبية مست جوهر الاقتصاد الوطني و أدت إلى حل المئات من المؤسسات العمومية وتسريح العمال والاقتطاع من الأجور . شبح الأزمة المالية والاقتصادية قائم إذن على مستويات عدة ، وينبئ بتطورات من شأنها أن تمتد إلى الشق السياسي الذي سيكون حاضرا بقوة من خلال المعارضة الحزبية و التكتلات التي تنتقد الآداء الاقتصادي للسلطة خلال العشرية الماضية ، وهو آداء تعتبره الكثير من التحاليل ظل بحاجة إلى ترشيد يجنب البلاد الوقوع في مخالب أزمة انهيار أسعار النفط التي تربك الجميع. لقد ظلت الحكومة تنظر بعين الريبة إلى أسعار النفط حتى في عز الأيام التي عرفت فيها الأسعار صعودا كبيرا ، عندما ظلت الحكومة تتعاطى مع الميزانية السنوية من منظور أقل من نصف السعر الحقيقي للنفط ، وهو ما أثار حفيظة المعارضة والعديد من الخبراء الذين طالبوها بالواقعية المالية مادامت أسعار النفط تتجاوز 120 دولار وقتها ، فلما لا تعد الحكومة الميزانية من منطلق هذا الرقم ؟ وقد بدا جليا أن تلك السياسية وفرت ما يناهز 200 مليار دولار ، لكن قوة وشدة الانهيار الحاصل في سوق النفط أفقد الزائر الكثير من الاحتياطات المالية التي لن تصمد طويلا أمام السقوط الحر للأسعار مقابل السقوط الحر لقيمة الدينار أيضا ، وهو ما يعتبر وجهان لأزمة واحدة ، بدأت تقلق الشارع في بلادنا و تدفع بالحكومة نحو المزيد من الترتيبات الاقتصادية والمالية لتدارك الوضع قبل الآوان ، كما أن الكثير من الأصوات تطالب بشفافية أكثر في التسيير و تفعيل أنظمة مكافحة الفساد ، وإطلاق مخططات تقشفية حقيقية تجنب الخزينة العمومية العجز و هي كلها إجراءات يمكن أن تكون لها انعكاسات إيجابية على الوضع العام في الجزائر ، شريطة أن تتم العملية وفق العدالة الاجتماعية والشفافية ، وإلا سيكون لها مفعول عكسي خطير على السلم الاجتماعي بصفة عامة.