مع إعادة فتح ملف مغني الراب الأمريكي جاي زي واتهامه بسرقة لحن أغنية "خسارة خسارة" للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ وألحان الموسيقار بليغ حمدي، يتجدد الجدل حول الكثير من الألحان العربية الشهيرة التي تم وضعها على كلمات وأغنيات أجنبية. الأمر السابق يعيد طرح التساؤل، كيف يمكن حماية حقوق المؤلف والملحن العربي، خاصة أن البعض يحاول تمييع القضية والحديث عنها بأنها مجرد "توارد خواطر"، أو التحجج بعدم العلم بحقوق المؤلف. وهي نفس المبررات التي ساقها تيمبالاند - المنتج الأمريكي لأغنية " Big Pimpin" لمغني الراب جاي زي تم تسجليها 1999 بينما لحن بليغ حمدي تم تسجيله 1957- حيث زعم تيمبالاند إن الأغنية محل المشكلة مع ورثة حمدي لم تكن سوى مجرد جملة لحنية أعجبته واستمع إليها في إسطوانة مجهولة المصدر، وأنه كان يعتقد أن هذه الموسيقى ملكية عامة ولا حقوق مؤلف خاصة بها. فإذا كان هذا هو الحال مع منتج أمريكي من المفترض أن يكون أكثر الناس حرصا على حماية حقوق المؤلفين وعدم السرقة، لأنه ربما في يوم من الأيام يكون هو الضحية. ورغم أن القضية الخاصة بأغنية "خسارة خسارة" سيتم النظر فيها أمام إحدى محاكم لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا غرب الولاياتالمتحدة، اعتبارا من 13 أكتوبر/تشرين الأول 2015، بحسب وثائق قضائية، فإنه من المنتظر أن تمثل هذه المحاكمة الحلقة الأولى من سلسلة طويلة من المداولات في شأن هذا المقطع الموسيقي خاصة، ومقاطع موسيقية عربية أخرى تم سرقتها تحت أعين وبصر الجميع. فهل يمكننا أن نسمع عن قضايا شبيهة يتم رفعها على عدد من الأسماء العالمية لحماية حقوق مطربين وملحنين عرب كبار تم سرقة ألحانهم تحت ضوء النهار، خاصة أن القائمة تضم عشرات الضحايا. ومن بين أشهر الألحان العربية التي تم سرقتها، لحن أغنية "حبيتك بالصيف"، للسيدة فيروز ومن ألحان الأخوين رحباني، إذ قام Jean Francois Michael بمطابقة اللحن العربي على أغنيته الفرنسية الشهيرة " Coupable". كما نجحت المطربة اللبنانية فيروز في إيقاف تداول أغنية " Erotica" للمطربة مادونا، وذلك بعد نجاح فيروز في إثبات أن المطربة الشهيرة اقتبست مقطعا من لحن ترتيلة " اليوم عُلّق على خشبة"، مما دفع بالقضاء إلى اتخاذ قرار وقف تداول الأغنية في نسختها الأجنبية. ولم تسلم السيدة وردة من السرقة أيضا، والغريب أن تيمبالاند منتج أغنية Big Pimpin، تورط أيضا في سرقة لحن "بتونس بيك" للمطربة الشهيرة وردة وألحان صلاح الشرنوبي، ووضعه على لحن أغنية " Don't Know What to Tell Ya". حتى نجوم الجيل الجديد وعلى رأسهم الفنان عمر دياب، لم يسلموا أيضا من السرقات، فقد أصدرت فرقة Outlandish الدانماركية عام 2005 أغنية " Callin U" بلحن مقتبس من أغنية "تملي معاك" التي لحنها شريف تاج، قبل 5 سنوات كاملة من صدور الأغنية في نسختها الدانماركية. وانضمت الفنانة إليسا إلى قائمة المطربين الذين تعرضوا للسرقة، فهذا بويا بابايي - مطرب إيراني - يكشف عن أغنية باسم "نكران توام" ويقول عنها إنها أحدث أغنياته وأعماله لعام 2015، ولاقت الأغنية رواجا كبيرا على اليوتيوب، قبل أن يتبين أن الأغنية هي طبق الأصل من لحن أغنية "حب كل حياتي" للفنانة إليسا، وهو ما دفع بأحمد عبدالسلام - الموزع الموسيقي لأغنية إليسا- إلى إعلانه اتخاذه كافة الإجراءات القانونية ضد المطرب الإيراني لحماية حقوقه الأدبية. "إسرائيل".. اللص الأكبر وإذا ما انتقلنا إلى جانب آخر من السرقات، نجد أن "إسرائيل" تعد هي الأكبر في عدد سرقات الألحان العربية ووضع الجمل والكلمات العبرية عليها، بشكل يعد تحديا كبيرا للثقافة العربية، فيبدو أن "إسرائيل" لن تتوقف أبدا عن سرقة الأرض والتاريخ والثقافة. وكان الملحن المصري عمرو مصطفى وراء فضح أمر السرقات الإسرائيلية، خاصة بعدما كشف مصطفى عن "سي دي" يضم 99 لحنا من ألحانه تم ترجمتها عالميا والسطو على كثير منها، وأنه استطاع أن يعد كليبا يجمع بين ألحانه الأصلية سواء تلك التي غناها بنفسه أو التي غناها آخرون، وبين ما قدمه مطربون إسرائيليون من أغان على ألحانه، ليظهر حقيقة سرقة تلك الألحان جهرا. وشدد الملحن المصري على أن "سي دي" الذي قام بإعداده، يتضمن مقاطع صوتية مصرية تليها مقاطع بأصوات إسرائيلية على نفس اللحن؛ لتكون دليلا دامغا على عملية السطو؛ لكن المؤسف أنه رفض الحديث عن نيته في مقاضاة هؤلاء المطربين الإسرائيليين. ولكنه مع ذلك دق ناقوس الخطر، إذ أكد أن ما يتعرض له ليس الأول والأخير في مجال سرقة الألحان العربية عامة والمصرية خاصة، محذرا من أن العقود المقبلة ربما تشهد اختفاء التراث المصري الموسيقي، في ظل عقود الإنتاج المجحفة التي تعطي المنتج الحق في بيع حقوق اللحن وإعادة إصداره بمطربين آخرين. وكانت صحيفة "روز اليوسف" المصرية قد كشفت في مارس/آذار 2015 عن قيام المطربين الإسرائيليين بترجمة أغنيات العندليب الأسمر إلى اللغة العبرية، ومن بين هذه الألحان والأغنيات "توبة" و"سواح" و"جانا الهوى". وكان المغني شلومي سارانجا صاحب المعدلات الكبرى في سرقة ألحان وأغنيات العندليب الأسمر، بل إنه نسب بعض أغنيات العندليب إلى نفسه، ولم تتمكن أسرة عبدالحليم من حفظ حقوقه الأدبية، بسبب تلاعب هذا المطرب الإسرائيلي بحروف الأغنية، كما هو الحال مع أغنية "جولوا له" بدلا من أغنية "قولوا له". والشئ المؤسف حقا، أن أغلب أغاني العندليب موجودة على قناة إسرائيلية على موقع "اليوتيوب" مخصصة لترجمة أغاني عبدالحليم، الفيديوهات التي حصلت على ملايين المشاهدات وآلاف الإعجابات، خاصة بعد أن قرأ الإسرائيليون الترجمة الخاصة لكل أغنية، وترجموا أغلب حفلات عبدالحليم الشهيرة. وانضم مطربون عرب شباب إلى قائمة الضحايا الإسرائيليين، فهذا المطرب اللبناني الشهير وائل كفوري، يتعرض للسرقة العلنية من جانب المطرب الإسرائيلي إيان جولان، إذ أعاد طرح أغنية كفوري "صفحة وطويتها" تحت عنوان "ظلال صورتها" وزعم أنها من ألحان أوفير كوهين. والأمر نفسه تعرض له المطرب وليد توفيق، إذا قام المطرب الإسرائيلي دورون ميران بسرقة لحن أغنية "انزل يا جميل في الساحة"، ووصل الإمعان في السرقة إلى أن قام هذا المطرب الإسرائيلي بوضع اسمه على اللحن. أما المطرب اللبناني الشهير راغب علامة، فقد تعرض لسرقة جماعية من جانب فرقة نسائية إسرائيلية مكونة من 3 فتيات، إذ قاموا بالسطو على لحن أغنيته "سهروني الليل" وترجموا كلمات الأغنية إلى العبرية. في واقع الأمر مشكلة سرقة الألحان العربية لا يجب النظر إليها على أنها مجرد جمل موسيقية وفقط، ولكن يجب التعامل معها على أن قيم وعادات ثقافية عربية، لا ينبغي أبدا التعامل معها باستهتار وينبغي أن يكون هناك جهدا عربيا منظما لحماية هذه الحقوق، قبل أن نصحوا ونكتشف أن الأرض وما تتضمنه من قيم وتاريخ وثقافة ضاعت كأشياء كثيرة ضاعت سابقا ولم نعد قادرين على استعادتها.