موجة الغضب الحارق الذي اجتاح ربوع الوطن بعدما طلع الغاز'' و''الزيت'' و''السكر'' للناس ففجر إيمانهم بأرقام أويحيى وبخزعبلات وزير تجارته، كشف أي الغضب كم بائسة ومسكينة تلك الحكومة التي لم تكلف نفسها عناء توضيح أو حتى توبيخ'' الغاضبين· فباستثناء البيان الرسمي التي تفضل به وزير السُعار'' التجاري بن بادة'' عبر وكالة و''آكلة'' الأنباء، فإن النار لم تحرك ساكنا لا في أويحيى ولا في غيره من أحزاب التعالف'' و''التناسف'' الحكومي، والأمر في عرف الحاكمين بجوعنا، لعب ذراري'' و''بز'' تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والثامنة عشرة، وذلك مثلما تناولته نشرة اليتيمة التي مارست مرة أخرى دورها القديم في إطفاء الحريق بالريق وفي تغطية الدخان بالغربال··في أحداث تيزي وزو التي أدخلت الجزائر في أزمة عروش و''نعوش''، أدى تصريح خاطئ لوزير الداخلية السابق نور الدين زرهوني بشأن هوية الضحية ماسيننسا'' إلى تأزيم الوضع وإخراجه من السيطرة بعدما تم تغليط الوزير على أن الشاب ماسينيسا'' مجرد صعلوك، ليؤجج الحكم المسبق على الضحية منطقة القبائل وتدفع الجزائر تكلفة أن يزل'' لسان وزير الداخلية في أمر حساس، لم تستطع كل اعتذرات زرهوني أن ترممه، وذلك حينما ظهر أن القتيل كان طالبا مجتهدا وأن وزير الداخلية هو الوزير غير المجتهد الذي نال الصفر كاملا في تعامله مع أزمة القبائل، ليفجر الوضع ويفتحه على مجهول· حاله من حال الوضع الآن فبدلا من مسارعة الحكومة لتدارك عجزها وقراءة رسالة النار من زاوية أن هناك أزمة وهناك اختناق واحتقان وهناك غاز'' و''أزبل'' طلع للغاشي من سياسة نعامة الأرقام'' والإنجازات الرسمية التي أريد لها أن تخفي تلاعب العاصمة ببطن النعامة وذيلها، فإنها أي الحكومة أخفت رأسها في الرمال واحتجبت وراء تلفزة جات أتكحلها عماتها''، حينما اختزلت جهنم التي أحرقت العاصمة وبجاية ووهران والجلفة والمسيلة وبرج بوعريريج والشلف في مناوشات ذراري'' في سب'' وصب من تلفزة مراهقة، للزيت والسكر و''الغاز'' على نيران الغضب الشعبي المتأجج··الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع الأحداث، هي عين العجز بذاته ولذاته، واختزال الدخان والنيران في قرار من وزير التجارة، قفز مجنون ومعتوه على حقيقة ما يجري من احتقان وتملل وغضب لم يكن وليد الضغط السكري والزيتي، وإنما وليد تراكمات وجدت التربة الخصبة فنمت فيها على نار هادئة وهانئة، فمن أزمة انعدام السيولة النقدية إلى أزمة الحليب والبطاطا مرورا بغرامات المرور وفاتورة التنفس وأزمات السكن والفساد العام في كافة مجالات الحياة، لتكون الخاتمة زيتا وسكرا'' رفعا نسبة الغاز'' في رؤوس الغاشي، فكانت النار رسالة للآخر الغائب عن الشارع حتى وهو يصنع مشاهد الخراب والدمار، ليكون أقصى و''أخصى'' رد فعل من الحكومة ومن أويحياها أن رمت كرة النار باتجاه المستوردين والمضاربين لتستقر على رأي أن فصيلة ''ربراب'' السكر والزيت والقهوة هم العلة، لذلك فإن وزير التجارة بن بادة'' وجه رسالته إلى رجال الأعمال وليس إلى الغاضبين والثائرين، ليدخل مع أصحاب الشأن التجاري في خوار'' تم بموجبه إلغاء الإجراءات التي أغضبت قوم ربراب'' فألهبت الأسعار فالتهب الشارع· والاستفهام العقيم والسقيم، إذا كان هؤلاء الكبار'' يمتلكون القدرة على إحراق الحكومة في رمشة عين'' كما يمتلكون الشارع بتلك الفعالية الحارقة فإن الأولى للحكومة أن تختفي وأن تحل نفسها، لأنها أضعف من أن تدعي أنها حكومة، تسير وتقنن وتتحكم في الأرقام والإنجازات وفي بطون وأمعاء الناس··قبل أيام من ثورة الرغيف والزيت، كان سي أويحيى قد وقف شامخا أمام أعضاء مجلس الأمة ليدق ناقوس خطر كان جيل الثمانينيات قد سمعه من الرئيس السابق الشاذلي بن جديد، قبيل اندلاع أحداث أكتوبر والاختلاف الوحيد بين ناقوس أويحيى وناقوس الشاذلي، أن الشاذلي لم يكن خطيبا جيدا، حيث اكتفى بالإشارة إلى أن ضرع البقرة قد جف، أما أويحيى فإنه تكلم بفصاحة عن الربعة صوردي'' التي انتهى مفعول سحرها و''رنينها''، ونقاط التقاطع بين الناقوسين'' وبين التصريحين أن كليهما نتج عنه غضب شعبي سبقته إشاعات منظمة وملثمون يجوبون الدخان ويوزعون إشعاعات الانفجار لينتهي المطاف بنيران التهمت الأخضر واليابس، فهل تراها الصدفة التي تصنع النيران'' في هذا البلد، وهل تراه حقا سُعار'' الأسعار الذي لم يكن وليد أمس، الذي جنّد الشاب على قلب رغيف'' واحد لنحر أطروحات الحكومة الرقمية وطرحها أرضا··؟نهاية المطاف أن قطرة الزيت التي أفاضت كأس الحكومة قد كشفت أن أويحيى الذي كنا نظنه قويا وفعالا وحاجة أكبيرة'' مجرد مواطن عادي مثله مثلنا· والدليل أن حزب رجل الحكومة الأول لم يجد ما يبرر به النار إلا اتهام لوبيات المضاربة، وهو ما يفهم منه أن حكومتنا'' مغلوبة على أمرها وأحسن حل وحال لها وللمواطن أن تترك مكانها لمن يمتلك القدرة على اتخاذ القرار وليس على تبرير الفرار'' وتفسيره وفق نظريات اللوبيات و''اللوبيا'' والعدس وغيرها من المشتقات الغذائية·· والسياسية··