يعيش الشارع الجزائري منذ اندلاع الاحتجاجات الأخيرة التي طالت عددا كبيرا من المؤسسات العمومية والخاصة على مدار ثلاثة أيام، على وقع موجة من الشائعات ازدادت حدتها خلال 48 ساعة الأخيرة، وذلك بعد الهدوء الذي عرفته مختلف مناطق الوطن التي شهدت احتجاجات عنيفة منذ الأربعاء الماضي، وهو ما سبب ارتباكا في أوساط العائلات الجزائرية التي فضل بعضها التزام المنازل بل إن بعضها منعت أبناءها من التوجه إلى المدارس خشية انفجار الوضع مجددا · وتحدثت هذه الإشاعات عن اندلاع أعمال عنف في منطقة أو أخرى، مما أحدث ارتباكا في الحياة العادية للمواطن، في الوقت الذي لاتزال فيه قوات الأمن في حالة تأهب واستنفار لمواجهة أي طارئ·''البلاد'' وقفت في خرجة ميدانية قامت بها عبر مختلف مناطق العاصمة التي عرفت أحداث شغب وعنف طالت المؤسسات العمومية والخاصة، على عودة الحياة الطبيعية تدريجيا، كما يلاحظ الجهد الكبير المبذول من قبل عمال النظافة التابعين للبلديات والأشغال العمومية لمحو آثار التخريب والدمار التي خلفتها احتجاجات الشباب المنفلت، بالإضافة إلى الانتشار الواسع للشرطة في المدن والأحياء الشعبية، والدرك الوطني على مشارف العاصمة وطرقاتها·ولدى حديثنا إلى بعض المواطنين ممن كانوا في المقاهي يراقبون تحركات عناصر الشرطة، كان جل حديثهم يدور حول الأحداث الأخيرة، إلا أن الأمر غير الطبيعي هو ترديدهم شائعات وكأنهم عاشوا الحدث بتفاصيله، كأحد المواطنين الذي تحدث لمجموعة من أصدقائه عن نشوب اشتباكات عنيفة ليلة أول أمس بين مصالح الأمن المكلفة بحفظ النظام وعشرات الشباب في إحدى مناطق ولاية وهران، ويتحدث عن تفاصيل تم إخباره بها عبر الهاتف حسب ادعائه وكأنه عايش الحدث، وهو الأمر نفسه عند بعض الشباب الذين تحدثوا عن تخريب ونهب في عدد من مناطق العاصمة ليلة أول أمس· ولما تحرت ''البلاد'' في الأماكن التي زعم هؤلاء حدوث فيها احتجاجات وأعمال عنف، اكتشفنا أن كل ما يقال في المقاهي مجرد إشاعات أو يمكن أن نصطلح عليها الأخبار العاجلة ل''راديو طروطوار''، كون أن هذه المناطق المزعومة تعيش حياة طبيعية ولم تشهد أي حادث يذكر· كما جعل بعض المواطنين من المناوشات التي وقعت أول أمس بين تجار فوضويين وعناصر مكافحة الشغب والتي لم تشهد مصادمات عنيفة، قصصا تتردد بينهم ما يجعل المستمع يتخيل أن باش جراح دمرت بالسلاح النووي· والأمر الخطير الذي وقفت عليه ''البلاد'' في برج الكيفان هو حديث أطفال المدارس عن قصص خيالية لأحداث وقعت في بعض المناطق، كأنهم يتحدثون عن رسوم الكرتون ل''منقذي الأرض'' أو ''الرجل الخارق''، كما تحدثوا عن استعداد شباب أحيائهم للاحتجاج في الليل· ولما سألناهم عن مصدر الأخبار والقصص التي يتكلمون عنها، أخبرونا بأنهم التقطوها من الكبار، الأمر الذي يفسر الفجوة الكبيرة التي تفصل بين المواطن والسلطة نتيجة غياب المعلومة الصحيحة· ورغم أن غالبية الجزائريين تابعوا الأحداث عبر الصحف الوطنية التي غطت غالبية الأحداث، غير أن مروجي الإشاعات استطاعوا أن يغرسوا المئات من الأكاذيب وسط المجتمع الجزائري الذي انقسم بين مصدق ومكذب لها، مما عكّر الحياة الطبيعية للمواطن وجعل الكثيرين يتخوفون من تكرار أحداث 05 أكتوبر 1988 التي غذتها الإشاعات آنذاك، ليبقى الجزائري يتخبط بين الشائعات والحقائق نتيجة لغياب قناة رسمية تفند أو تؤكد ما يقال هنا وهناك·من جانب آخر تواصل مصالح الأمن من شرطة ودرك وطني رفع حالة التأهب إلى الدرجة الثانية، حيث تم تعزيز المناطق التي عرفت الاحتجاجات بقوات إضافية· كما كثف عناصر الدرك الوطني من دورياتهم في الطرق، خاصة بالطرق السريعة لحماية مستعمليها من عمليات النهب والاعتداءات التي طالت العديد من أصحاب السيارات· كما تم تعزيز مقرات البريد والبنوك بعناصر الأمن بعد أن كانت هدفا سهلا للمحتجين·