المتهم زور شهادة إثبات الرصيد بعدما استولى على إيرادات التأشيرة والترجمة طيلة 5 سنوات
استعرضت محكمة الجنح الابتدائية لبئر مراد رايس بالعاصمة يوم الثلاثاء قضية من العيار الثقيلة استهدفت أموال وإيرادات الدبلوماسية البلجيكية بالجزائر، بعدما استولى مساعد محاسب سفارتها على مبلغ 35 مليون دج أي 3 ملايير و500 مليون سنتيم من إيرادات ومداخيل التأشيرة وخدمة الترجمة من عام 2006 إلى 2010، ليقدم وثيقة إثبات رصيد مزورة لمراقبة مالية موفدة المملكة البلجيكية من الرباط المغربية بعد تدقيقها في الحسابات. ولجأت الهيئة الدبلوماسية البلجيكية للقضاء الجزائري بعدما استنفدت السبل الودية لاسترداد أموالها، لتتقدم بشكوى أمام عميد قضاة التحقيق لدى محكمة الحال بتاريخ 10 أفريل 2014، بعد اكتشافها عملية اختلاس مبلغ 35 مليون دج من إيرادات التأشيرة وخدمة الترجمة وهي المبالغ التي أوكل للمتهم (د.ع) بصفته مساعد محاسب السفارة نقلها للبنك الموطن به حساب هذه الهيئة الدبلوماسية بالبنك الخارجي الجزائري بوكالة محمد الخامس بقلب العاصمة المخصصة للاعتمادات مع القنصليات والهيئات الدبلوماسية، كان يفترض نقل الأموال بموجب أوامر بالدفع تسلم له من السفير والقنصل البلجيكيين ليتوجه بها لإيداعها بالبنك، غير أن المراقبة المالية البلجيكية التي قدمت من مدينة الرباط المغربية إلى الجزائر لإجراء عملية تدقيق في الحسابات الموكلة لها لتخص جميع الهيئات الدبلوماسية التابعة للمملكة البلجيكية، اكتشاف وجود ثغرة مالية معتبرة وفي إطار مهامها تبين لها أن المسؤول عن نقلها هو مساعد المحاسب المتهم في قضية الحال والبالغ عقده السابع، وباستفسار عن مآل تلك الأموال إن كانت في الحساب المصرفي للسفارة بالبنك أم بالخزنة حاول المتهم إقناعها بأنها في إطار عملية التحويل، وهو ما لم يقنعها لتجبره على تسليمها وثيقة رسمية يثبت بها صحة أقواله، ولضيق الوقت لكون مهمتها قاربت على نهايتها، قدم لها المتهم وثيقة إثبات رصيد على أساس أنها صادرة عن بنك الجزائر الخارجي لوكالة محمد الخامس، ليتضح أن الوثيقة مزورة.
كشوفات ورسائل إيداع بتوقيع مزور للسفير والقنصل
من خلال فتح تحقيق داخلي تبين أن المتهم كان يقدم كشوف إيداعات للأموال بتواريخ متباعدة، حيث لم يدفع إيرادات السفارة في أوانها، لدى اكتشافها رسائل إيداع مزورة موقعة باسم السفير والقنصل البلجيكيين، بينها رسائل مزورة بتوقيع القنصل مع أنه كان خلال متواجد بجنوب إفريقيا، فضلا عن توقيعات للمساعد المحاسب المتهم مع أنه كان في عطلة، ليتم عقد اجتماع طارئ بتاريخ 8 مارس 2014 حضره السفير البلجيكي المعتمد آنذاك بمعية القنصل ورئيس أمن السفارة والمتهم الذي أقر خلاله، حسب ما ورد بالجلسة، باختلاسه الإيرادات اليومية للسفارة المكلف بنقلها لإيداعها بالبنك حيث أبدى آنذاك التزامه بإرجاعها تدريجيا، غير أنه وخلال محاكمته التي مثل لأجلها وفقا لإجراءات الاستدعاء المباشر، تراجع عن سابق اعترافاته قائلا إنه "انصاع لأوامر السفير والقنصل البلجيكيين"، وأنه كان يودع الأموال وفقا للزمان الذي تسلم له الأوامر بالدفع، وأنه كان يستدعى لمباشرة مهامه حتى خلال عطلته.
السفير البلجيكي يتنازل عن حصانته لإنصاف مملكته
بالمقابل، فنّد السفير البلجيكي الذي تم تعيينه شهر سبتمبر 2016 خلال إصراره على حضور جلسة المحاكمة وتنازله عن حصانته الدبلوماسية لأجلها، ما جاء على لسان المتهم محملا إياه مسؤولية اختفاء 37 مليون دج من أموال السفارة البلجيكية بصفته المسؤول الوحيد عن نقلها إلى البنك. وفي سياق ذي صلة تم سماع رئيسة مصلحة بالبنك سابقة ومستخلفتها اللتين أكدتا أن تعاملات البنك مع الهيئة الدبلوماسية البلجيكية تتم فقط عن طريق المتهم دون غيره، واستنكرت الأولى تعمده تزوير توقيعها مع أنها كانت قد غادرت منصبها قبل 6 سنوات على تحريره شهادة إثبات الرصيد المزورة الذي تضمن مبلغ 33 مليون دج. فيما أكد دفاع السفارة أن هذه الأخيرة سعت لتسوية الأمر وديا ملتزمة بالأعراف والاتفاقيات الدبلوماسية القائمة بين البلدين بلجيكاوالجزائر، غير أن المتهم فضل المراوغة بادعائه أنه رضح لأوامر السفير والقنصل البلجيكيين، رغم اعترافه في وقت سابق بأنه اقترف جريمته خلال الفترة بين 2006 و2010، كما أكد وجود فوارق في تواريخ الإيداع مقارنة مع أوامر الدفع. وفيما ما قدرت بنحو سنة كاملة، مؤكدا بذلك أن أركان تهمة خيانة الأمانة والتزوير واستعمال المزور واختلاس ممتلكات في القطاع الخاص قائمة في حق المتهم مطالبا إياه بإرجاع قيمة المبلغ المختلس المقدر ب 35 مليون دج للسفارة البلجيكية بصفتها طرفا مدنيا، وإلى جانبها تأسس بنك الجزائر الخارجي طرفا وطالب دفاعه بإلزام المتهم بتعويض قدرهُ 5 مليون دج جبرا للضرر المعنوي اللاحق به.
النيابة تلتمس 5 سنوات حبسا للمتهم ودفاعه يطالب بالبراءة
التمس ممثل الحق العام عقاب المتهم ب 5 سنوات حبسا نافذا و100 ألف دج غرامة نافذة، غير أن دفاعه طالب ببطلان إجراءات المتابعة لتقادم الدعوى لكون الوقائع تعود لعام 2006، كما طالب بإفادته بالبراءة بعدما أثار وجود تناقض في تصريحات المدعين من حيث قيمة المبلغ المختلس الذي ذكر تارة ب 33 مليون دج وتارة 35 مليون وحتى 37 مليون دج، متسائلا في ذات الوقت عن المصدر الرئيسي للوثيقة المزورة وغياب خبرة فنية لإثبات الطرق التي تم بها التزوير الذي قال أنه لم يمكن الحديث عنه في قضية الحال إنصافا لكافة أطراف القضية، مطالبا بذلك إفادته بالبراءة، فيما تبقى القضية بالمداولة إلى جلسة 25 أكتوبر الجاري.