رغم أني لست من هواة حفلات أعياد الميلاد ولا من مشجعي الفريق الوطني أو متتبعي مسابقات أجمل جميلات عنابة أو سطيف، إلا أنني اضطررت لتلبية دعوة من شخصية تاريخية شارف عمرها على الأفول بحساب السنين والمناسبة عيد ميلاد سيادته والفرصة لم تكن للتاريخ ولا لتنشيط ذاكرة من قطع مسافة ثمانين حولا متنقلا بين السلطة والمعارضة بين الثورة والثروة، بين الشباب والشيب العابر لمراحل العمر، ولكنها ونعني المناسبة، كانت فرصة لكي أستمتع وأتذوق برائعة "عدت يا يوم مولدي.. عدت يا أيها الشقي" التي اختارها المحتفى به عزفا مميزا لكي يحيي بها مناسبة يوم مولده مستغنيا بذلك عن تقليد "سنة حلوة يا جميل".. الحفلة انتهت والجمع الذي رقص على لحن "عدت يا أيها الشقي" وأثارت إعجابه كعكعة الثمانين الشمعة المحترقة، غادر القاعة ولم يسأل صاحب الحفل عن سر اختياره لأغنية بهذا الشؤم وهذا الحزن وهذا الشقاء لتكون تغريدة الثمانين، فقط صفقوا ورقصوا وابتهجوا وأكلوا في نفاق موسيقي مفضوح لم يعد يميّزه عن غيره من علم "التنيفيق" سوى أن صاحب الكعكة يمكنه أن يعزف أي لحن، وكما يرقص "الشيّاتون" على "عدت أيها الشقي" فإنهم قد يذرفون أدمع الخشوع والتقوى والتأثر على أنغام "الدي الدي"، والمهم أن يكونوا أحياء كصاحب الكعكة ومنظم الحفل البهيج.. صاحبي المحتفي باحتراق ثمانين سنة من عمره الهارب منه، لاحظ مكري وتيهي وأنا أتابع الرقصة والراقصين بلا طبل ولا مزمار، فعلق ساخرا على حيرتي هذه هي البلد وهؤلاء هم الراقصون والآكلون في كل المؤائد، مجتمع "يشطح" على صوت عبدالباسط عبد الصمد ويخشع على صوت الشاب مامي ويذرف أدمع التقوى على هزة "عينيك يا عينيك"، لا يمكن أن يحترم أو يقدر. وبين عيد ميلاد صاحبي ولحن "عدت يا أيها الشقي" يطفو سؤال: هل بقى للنفاق سقف لم تصله سيقان الراقصين والمحتفين بعيد الشجرة وعيد الحب وعيد البقرة الحلوب وعيد "سنة حلوة با سيادة العقيد"؟..