يمكن اختزال اللعبة الديمقراطية في لبنان في لاعبين أساسيين، يحمل اللاعب الأول رقم 8 بينما يحمل اللاعب الثاني رقم 14، وتخضع اللعبة السياسية لقاعدة الثلث المعطل أو الثلث الضامن، وهو الرقم الذي ضبط اللعبة في اتفاق الدوحة بين اللاعبين الأساسيين بعد صراع بدت مؤشراته تلوح بصدام طائفي في قلب بيروت، ولا تزال اللعبة السياسية اللبنانية حبيسة هذا الثلث في فترة ما بعد الانتخابات النيابية الحالية التي أعطت قوى 14آذار الأغلبية النيابية ب17 مقعدا مقابل 57مقعدا لقوى 8 آذار. وبالتالي ستبقى الأرقام قاعدة للتنافس والصراع بين القوى السياسية في لبنان، ففريق 14الذي يتشكل من تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري المتحالف مع بعض القوى المسيحية التي يقودها سمير جعجع يضاف إليه ممثل الطائفة الدرزية وليد جنبلاط تلعب بورقة السيادة اللبنانية بعيدا عن الطموح الإيراني السوري الذي يستند إليه فريق 8 آذار الذي يتشكل من الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل المتحالفتين مع التيار الوطني الحر المسيحي الذي يقوده ميشال عون، والواقع أن ورقة السيادة اللبنانية التي توظفها جماعة 14وجدت شرعيتها بعد طرد القوات السورية من لبنان ومحاولة إلباس النظام السوري جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وهي الشرعية التي تشكل القوة الجاذبة لأبرز لاعب في فريق 14الذي يقوده الابن سعد الحرير ووالدته بهية الحريري، بينما الواقع يؤشر كذلك على أن هذا الفريق بدوره يربط سيادة لبنان بمصالح إقليمية ودولية محورها الرياض،القاهرة، واشنطن وباريس، أو ما يعرف في الأدبيات الأمريكية والغربية بالتيار المعتدل في مواجهة فريق رقم 8 الموصوف بقوى الممانعة ضمن محور حزب الله، طهران ودمشق. وهنا تبدو صعوبة اللعبة اللبنانية وخطورتها، إذ تعتمد أساسا على درجة التوافق والصراع الإقليمي والدولي، بمعنى كلما كان هناك تصادم إيراني أمريكي أو إيراني فرنسي أو إيراني سعودي سينعكس على اللعبة الداخلية في لبنان بين الرقمين 14و8، ويبدو أن البيئة الإقليمية والدولية تتجه نحو الانفراج بين القوى الإقليمية والدولية إذا استثنينا اللاعب الإسرائيلي، حيث اللقاءات الدبلوماسية الإيرانية مع باريس والخطابات التوددية والتصالحية بين إدارة أوباما والنظام في طهران، قد يلقي بالتطور الإيجابي في حسم معركة الثلث الضامن، وهنا وحتى إذا استبعدنا اللاعب الإسرائيلي، فإن لاعبين عربيين أساسيين لهما تأثيرهما في الداخل اللبناني، وهما الرياضوالقاهرة، حيث يبرز اللاعب المصري في الصدام الأمني والسياسي بين حزب الله والقاهرة فيما عرف بقضية خلية حزب الله في مصر، وقد تزامن هذا الصدام من حيث التوقيت مع حملة الانتخابات اللبنانية والهدف المصر يكمن في لعب ورقة المعتدلين أو بأكثر وضوحا تقديم الدعم الإعلامي والسياسي لقوى 14المعتدلة، مع توسيع دائرة الصدام بربط حزب الله وحماس بنظام طهران الذي استفاد دبلوماسيا وإعلاميا من العدوان الإسرائيلي على غزة وأحرج نظام مبارك طيلة أيام العدوان، وإلى جانب الدور المصري في اللعبة السياسية اللبنانية هناك دور مالي ووظيفي تقوك به الرياض لارتباطات عائلة الحريري المالية والاستثماراتية بدوائر في الرياض، ثم أن أي توسع للنفوذ الإيراني في المنطقة يشكل وفق الإدراك السعودي تهديدا مباشرا للإيديولوجية الوهابية في العالم العربي مع الهلع الشيعي الذي توظفه الرياض لإبعاد الشبح الإيراني. إلى جانب دور القوى الإقليمية والدولية في تحديد اللعبة بين الرقمين 14و8، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ستكرس المزيد من الطائفية، وهو ما قد يدفع لتسويق اللعبة على أساس تهديدات السيادة اللبنانية، وهنا نجد أن جماعة كل فريق يحمل الآخر المسؤولية عن الأوضاع، فبالنسبة لفريق 14يمثل حزب الله وسلاحه التهديد الذي يبقي الحرب مفتوحة مع إسرائيل، ثم أن المقامرة والمخاطرة على حد تعبير حسني مبارك في حرب تموز 2006التي قادها حزب الله دمرت كل البنى الاجتماعية والاقتصادية اللبنانية،بينما يرد فريق 8 على هذا الادعاء وبيده مجموعة من المؤشرات مفادها أن حكومة الحريري ولمدة 17عاما لم تنتج إلا الديون المتراكمة في الوقت الذي استفادت فيه زمرة الحريري وبطانته المالية من المال العام والدعم السعودي على وجه الخصوص، وبعيدا عن تحميل أي فريق المسؤولية عن الأوضاع والمتسبب فيها، فإن الحكومة اللبنانية القادمة مهما كان لونها السياسي سواء بأغلبية فريق 14و أقلية فريق 8 ستجد نفسها مع مجموعة من التحديات يصعب إدارتها خارج إطار التوافق الداخلي وبحسم مسألة الثلث الضامن، لأن توفير الدعم المالي الخارجي من الدول المانحة بباريس وواشنطن يبقى مرهونا بتجانس الحكومة في الاتجاه الذي يخدم تيار الاعتدال، وحتما سيجد الفريقان نفسهما أمام أرقام سوداوية لا تبشر بتفاؤل في عز الأزمة المالية العالمية، وأبرزها أن الديون الخارجية تصل 50مليار دولار بما توازي 163بالمائة من إجمالي الناتج المحلي حسب الإحصائيات الرسمية اللبنانية، كما ستحرم الأزمة المالية العالمية الحكومة اللبنانية من أهم مورد خارجي يتمثل في تحويلات المهاجرين اللبنانيين في الخارج الذي يشكلون 21مليون مهاجر مقارنة بأقل من أربعة ملايين في الداخل، وهو مما سيزيد من فقدان التماسك الاجتماعي في مجتمع يعيش أكثر من نصفه تحت خط الفقر أي بأقل من دولار في اليوم. قد تشكل الأوضاع السوداوية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي دافع آخر للصدام اللبناني الداخلي بتحويل اللعبة بين الفريقين 14و8 إلى أخطر ورقة سياسية وأمنية لا يمكن حسمها بسهولة في المستقبل القريب أو المنظور، وهي ورقة سلاح حزب الله وهو الجدال الذي يتصاعد بين الفريقين ينظر إليه حزب الله على أنه من مقدسات المقاومة وخط أحمر لا يمكن التفاوض أو المساومة أو التنازل عليه مهما حتم من ضغوطات، في الوقت الذي تناور فيه إسرائيل وتعيد ترتيب قدراتها العسكرية وفق تقرير فينوغراد الذي حمل القوات الإسرائيلية الضعف في إدارة حرب صيف 2006، وربما سيبقى التهديد قائما في لبنان ونحن نسمع الصوت الإسرائيلي يحذر الحكومة اللبنانية القادمة من أي اعتداء قد يرتكبه حزب الله، وهي لعبة لا يمكن حسمها بعد معركة الجواسيس التي فتحها حزب الله مع القوات اللبنانية لإبعاد أي تهديد إسرائيلي..فلبنان في الأخير ستبقى حبيسة الأرقام لاعبيها رقم 8 و14 وقاعدتها الثلث وخيارتها الإستراتيجية التوافقية تجاوز أرقام الاقتصاد المخيفة التي قد تهدد الاستقرار الأمني من جديد..