مما لا شك فيه أن الاضطرابات التي تنشأ جراء أسلوب الحياة اليومي تترك آثارها السلبية على الجسم· في الطريق إلى العمل، الطرقات مليئة بالسيارات وحركة السير بطيئة والوقت يداهمك ووقت الدوام يقترب مع كل دقيقة، وعند انتهاء الدوام فإن أتلالا من الواجبات التي لم تنجز بعد تنتظرك في المنزل والأطفال لم ينتهوا من إتمام الواجبات المدرسية، عندها، يبدأ الجسم بإطلاق إشارة بعد الأخرى كلها حمراء اللون، أي إجهاد ثم إجهاد ثم إجهاد· هكذا هو نمط الحياة حاليا لدى الرجال والكثير من النساء، والمشكلة الأخرى أن البعض منهم يضحي بكل شيء من أجل الوصول إلى الشهرة والنجاح بسرعة بغض النظر عما يسبب ذلك من اضطرابات وحالة قلق دائم، فينعكس ذلك على الحياة الشخصية والعائلية التي تصبح العصبية والنرفزة سببا من الأسباب الجوهرية لوقوع الخلافات الخطيرة· وتبقى القلة التي تدرك مخاطر كل ذلك، لذا تظهر حالات مرضية لا تفسير لها، ما دفع الكثير من علماء النفس والبيولوجيا إلى وضع هذه الأمور تحت المجهر لأنها أصبحت مشكلة اجتماعية كبيرة لا تعطى أهمية كافية إلا بعد أن يكون الوقت قد تأخر في الكثير من الأحيان· وفي هذا الصدد، تقول الطبيبة البيولوجية مونيكا ارهارد بورنشتاين من مستشفى الجامعة بمدينة درسدن، إن الاضطرابات والقلق والإجهاد في العمل والحياة الخاصة له انعكاسات سلبية على إفراز الهورمونات، وبالتحديد تلك التي تفرزها الغدة الكظرية· بالطبع لا تلحق هذه الحالات الضرر المباشر بالصحة لكن على المدى المتوسط والبعيد فإن انعكاساتها غير صحية وتحدث أضرارا لا يحمد عقباها· فالغدة الكظرية، ومكانها فوق الكلتين، هي المسؤولة عن التعامل مع الاضطرابات التي تقع في الحياة اليومية، فهي بمثابة جهاز نهاية محور الإجهاد· ففي الحالات العادية والوضع العادي تفرز هذه الغدة مواد من أجل تنظيم انعكاسات الإجهاد وزيادة التنفس لتزويد الدم بالكمية الكافية من الأوكسجين وبالتالي تزويد العضلات بهذا العنصر المهم جدا· إلا أن الإجهاد الكثير والمتواصل يؤدي إلى إلحاق تلف في عملية الاستقلاب وهذا يسبب بدوره أمراضا مزمنة· ولقد أثبتت عدة تجارب أن الإجهاد أحد أهم عوامل الإصابة بالانهيار العصبي وأمراض القلب والدورة الدموية والسكري، إضافة إلى الأمراض العصبية والمناعة وهي أمراض تزداد في العالم سنة بعد سنة· وتضيف الطبيبة أن الإجهاد لا يلحق الضرر مباشرة بالغدة الكظرية، لكنه يحفزها لإنتاج الأدرينالين والكورتيزول، وهذا أمر طبيعي· فكما هو معروف ينتج لب الغدة الكظرية الأدرينالين، أي أنه عمليا يفرز دفعات الأدرينالين ويزيد معدل ضربات القلب وتدفق الدم من أجل توفير احتياطات الطاقة للمخ والعضلات وتوريد الدم، إلا أن تواصل الإجهاد والاضطراب يؤدي إلى زيادة إنتاج الأدرينالين، أي أن كميته تزيد عن المعدل الطبيعي، فيكون ذلك على حساب أعضاء أخرى يلحق بها الضرر· ونظرا لزيادة مستوى هرمون الكورتيزول، يتم قمع نظام المناعة بشكل متواصل، ما يجعل الاشخاص الذين يعيشون حالة إجهاد واضطراب متواصلين عرضة للإصابة بأمراض اكثر من الذين يعيشون حياة هادئة· وفي هذه الحال، فان عدم انتظام عمل هرمون الكورتيزول الذي يعتبر أيضا المغذي للخلايا الدهنية في الجسم سوف يؤدي من دون شك إلى زيادة الوزن، وهذه أول إشارة تنبيه تتبعها بلا شك حالات مرضية أخرى، منها الأرق إلى درجة تصبح حبوب المنوم الملجأ الوحيد ومع الوقت يحدث الإدمان على هذه العقاقير· لكن الطبيبة الألمانية تحذر من كل ذلك وتشدد على أخذ قسط من الراحة ليس فقط عندما تتاح الفرصة بل يجب تنظيم أوقات الراحة، وإلا سوف يلحق الأذى بالغدة الكظرية أيضا التي تتحول الى ماكينة تعمل بأقصى سرعتها ما ينتج عن ذلك على المدى المتوسط حالات عصبية دائمة وقلة النوم وانخفاض في الوزن وقلة الرغبة الجنسية·