حتى المرض، بعد الطقس الرديء الذي عكّر صفو عيشنا وجعل قارورة غاز (البوتان) قرة أعيننا، أكبر الظنّ يتأمر علينا! وإلا كيف نفسر هذا الخبر النذير الذي يحير حتى عقول الحمير إن كانت لها عقول تفكر بالمطالبة بتحسين شروط الخدمة و”الرفدة والقعدة” والسهرة، الخبر مفاده أن نحو 200 ألف شخص مهددون ببتر أرجلهم! فمن هو أولى بالمحاسبة الذي يحسب أنه وزيرا للصحّة أم الذي يحسب نفسه وزيرا للتغذية!
مؤامرة صحية!!
لابد أولا من البحث عن مكمن المؤامرة الصحية، لأن البحث عنها كالبحث عن أسباب الداء، أي نصف الدواء
والحمد للَّه أن البلاد متخصصة في تفكيك المؤامرات (الداخلية والخارجيّة)، وهذا منذ الأيام التي كانوا يقولون لنا فيها إن أعداء الثورة هم السبب دون أن يسموهم لنا إلى حد الآن، مع أن بعضهم كما ستسجل كتب التاريخ وسجل التخاريف مصنف ضمن من ركبوا تلك الثورة وغنموا وعاثوا فيها فسادا باسم الإرهاب قبل أن ينقلهم الرحمان إلى جواره لعلهم يتدفأون ويسخنون نكاية في مكر طقس استثنائي جاء هذا العام وقد لايتكرر بعد عشرين عاما! وحسب رئيس الفيدرالية الوطنية لجميعات مرض السكري، فإن نحو 200 ألف جزائري مهددون ببتر أرجلهم، بسبب مضاعفات هذا الداء الخطير وهو داء يفتح باب المرض مثلما يفتح باب الغرب علينا (ومعها سيبريا) الريح الذي يكوي القلب ويجمد جلد الكلب إبن الكلب! فهذا الحصاد الوفير وصل مرحلة نهائية مثلما يصل إليه آخر الطبّ (عند العرب) وهو الكيّ! وبالتالي لامفرّ لمن أراد أن يعيش من هؤلاء بساقين اثنين أو بساق واحدة إلا أن يقتنع بأن آخر حلّ معه هو البتر!
حتى وإن كان له ”مكبس” صحيح وخيط رفيع عند أولي الأمر في الواجهة وفي السرّ، لكي يطير إلى بلاد ساركوزي (الصغير) فحتما سيخلف هناك ساقا وينزل ممتطيا دراجة ناريّة ”سبيسيال”! أي خاصّة!
وتصورورا معي الآن مامعنى فقدان مدينة متوسطة السكان رقم مائتي ألف نسمة و (ريح) سيقانها، فهذا أمر فظيع ومحزن ومقلق على عدة مستويات· أما الجزارون المسمون مجازا جراحين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، عندهم السكين والمنشار والساطور ولاينقصهم من أدوات المجزرة (غير الشعبية) أي الحيوانية، إلا المعلاق الذي تعلق فيه كل شاة وشاة كما يقولون معلقة من رجلها ولها ماكسبت! فهم أي الجراحون كما تثبت المحاكم التي تعرض عدة قضايا في الأخطاء الطبية، يقدمون على بتر كل عضو أينع وطاب جنانه أو مازال دون تردّد، وإن كان ذلك غير مطلوب! وحكمتهم في ذلك على ما يبدو أن الفرطاس يتهنى من حك الراس، لكن هذا لايعفيه سياسيا بعد أن تذهب بعض الشكوك والهواجس الأمنية إلى ظن أن قملة يمكن أن توجد على رأسه، مع أن ذلك مستحيل عمليا مادام أنها تتزلق مثلما تتزلق السيارات على الجليد في هذه الأيام فتضاعف عداد الذين ابتلوا ببتر السيقان!
··· غير معلن!!
الأصل في الدعاء أن نقول ولاتجعل مصيبتا في أيدينا أو عقولنا، أما العقول فقد تم هجرها منذ زمان مع سريان مفعول قرار غير معلن وملزم يأمر بتغييب العقل! وهذا ما تعكسه العبارة الشعبية ”نورمال” التي يطلقها الخلق في كل اتجاه ولو كان غير منطقي ومقبول ومعقول، وهذه بالطبع أكبر مصيبة يمكن أن تضرب أمّة لاتشبهها، كما يقول السلفيون إلا ضرب المجتمع المسلم بواسطة التباكي على المرأة، وحقوقها المهضومة!
مع أن الرجل والمرأة سيان وفي نفس الأكفان، وصاحب الكفن لاعقل له ولا ميزان، إلا مايراه هو ولو كان بهتانا··· وبالتدرج وبعملية عكسية وانعكاسية ينتهي الأمر بنا جميعا إلى انقلاب في القيم يسعد فيها الرعيان ممن في رؤوسهم عصيان (جرثومية) ويشقي كل ماتبقى له ذرة من العقل وكيلو من الإيمان بأن ثمة قضية ما خارج الخبز و”الخبزيست” يمكن التخندق حولها والدفاع عنها كما تدافع إيران عن برنامجها النووي! أما اليد، فالخلق مطلوب بعد حمد الواحد الصمد أن يشكر القاضي الهمام لأنه لايأمر في أحكامه بقطع يد كل سارق وسارقة!
فلو فعل هذا وفق ضوابط الشرع، وهي صارمة جدا لتنفيذ هذا الحد، لكان عدد الجزائريين الذين قطعت أيديهم بسبب السرقة الموصوفة وتلك المغطاة بالقطن والصوف وهي ترى (وتشوف)، ويفوق عدد الموعودين بقطع الأرجل جراء داء السكري، ولكان هؤلاء أكبر ثاني حزب سري يحكم البلاد بعد الحزب السري الأول الذي يحكمها، كما يقول أحمد غزالي رئيس الحكومة السابق! ومع ذلك فإن قطع الأرجل أمر لايستهان به على عدة مستويات، بما فيها الجلدة المنفوخة، فلعل فيهم نشىء جديد يمكنه أن يغني مدرب الخضر والزرق حليليوزيت – وسكر وملح وقهوة وصابون وماعون مهمه البحث عن لاعبين جدد سينسبهم لهذا البلد بواسطة منحهم حق الجنسيّة، ولعل هذا يغنينا عن منحه راتبا شهريا قوامه 900 مليون عدا ونقدا يدفع منه 60 مليون إلى جانب ال 40 مليون الأخرى التي تدفعها ”الفاف” لكراء شقة مفروشة تعد أغلى شقة ولم ير لها مثيل في البلاد! أما خارج تلك الجلدة المغشوشة فالحسابات قد تختلط مع حرص السلطة على جلب أكبر عدد من رؤوس الانتخابات و”الانتخاب” لكي تثبت مصداقية إصلاحاتها ”وإسلاخاتها” وحرصها أيضا – وهذا كنوع من الإجراءات الاحتياطية على تحميل الأحزاب مسوؤلية جر الأولاد والشيوخ إلى صناديق الانتخاب – إن حزن هؤلاء أو استندوا إلى أعذار ومبررات غير مقنعة سلطويا، وهي التي ترى أن المواطن المسؤول مطلوب منه ألا يغيب عن الصندوق (ولابأس أن يغيب عن العمل أو يتكاسل أو ينشل أو يثمل) باعتبار أن ذلك حق وواجب كحقه في السكن، لكي يمد رجليه (وكرعيه) إن لم يكن اسمه مطروحا على قائمة الجزائريين في المستشفيات العامة والعيادات الخاصّة أو إن أمكن ”يبزنس” فيها فيغني الدولة طول العمر المطالبة بحق الآخر في العمل! ولاتنسوا أن السلطة بقيادة وزيرنا الأول والأخير صاحب المهمات النظيفة (بالماء والصابون وجافيل براف)، أصدر مرسوما تنفيذيا يقول فيه إن أصحاب الوكالات ممن تثبت نيتهم في التوجه الى الصناديق ولم يستطيعوا مطالبون بتبرير عدم قدرتهم على التصويت! فهذا الأمر مهم وينبغي أن يكون الواحد منهم مدعما بأي عنصر يثبت الأسباب التي تمنعه من ممارسة حقه في التصويت ”صخشيا”!
ماذا الآن لو أن المدعودين بنكبة أرجلهم بعد منكوبي العقول، قرروا هذه المرة تنفيذ المرسوم التنفيذي القاضي بتقديم تبرير الغياب ماديا، يمكن لهؤلاء أن يوجهوا نوعين من الحجج للهئيات الانتخابية وهي بالمناسبة تتم تحت إشراف السلطة مباشرة، وهي لهذا ”متنهية” بأنها قد وزعت لكل واحد نصيبه من قبل أن يبدأ موسم الجمع والحصاد!
النوع الأول من الحجج: صور طبق الأصل (عند المصور) حتى لاتزور لرجل صاحب الصوت وهي مبتورة حديثا أو في طريقها للبتر والزبر! النوع الثاني: وهو أكثر فظاعة أن يرسل مع صاحب الوكالة رجله بلحمها وعظمها، وهذا بعد أن يكون الطبيب الجراح الجزار قد سلمها له من باب فعل الخير، لكن يأخذها معه حين تأتيه المنيّة فيذهب الى الرمس تحت التراب ومعه كل الأعضاء، بما فيها تلك التي تصلح كقطع غيار ويطمع فيها (بالمجان) بعض الأشرار بدعوى أنها صدقة جارية! والآن إذا حسبنا عدد المرضى وطنيا – ومعهم عدد الذين يتمارضون ويكابرون في ذلك حتى يقتنع الواحد منها على طريقة الكذاب على نفسه ماذا سيحصل؟
بالأرقام ثمة نحو تسعة ملايين عندهم ضغط دم (عالي وهابط وبين بين كالفساتين التي تغطي الركبتين) وهناك مالايقل عن 40 حالة سرطان تسجل سنويا إلى قائمة المصابين بهذا الداء، ضف إليهم أعداد مرض القلب والفيروس الكبدي ومعطوبي حرب الطرقات وجموع المجانين، فإذا جمعنا كل هؤلاء المرضى كم يبقى من شخص سليم في هذه البلاد يمكنه أن يذهب للاقتراع وهو في كامل قواه البدنية والعقلية من طينة العقل السليم في الجسم السليم· سيكون العدد قليلا، وهذا هو المتوقع وكل هؤلاء قد ينطلقون من مقولة واحدة، وهي أن سياستهم ”هردتنا” فردا فردا بيتا بيتا دارا دارا زنفة زنفة دوارا دوارا قرية قرية، مدينة مدينة، وعلى رأسها أم المدن التي يفترض أنها عاصمة البلاد! فهل يجب عندئذ إحالة أمر الغياب الى وزير الصحة الذي يمثل آخر الحلقة، أم وزير التغذية الذي تبشرنا سياسته الحكيمة بأيام عسيرة مع ابتلاع كل الأراضي الزراعية شبرا شبرا ومترا مترا، ومع تحويل المال في شكل دعم لفلاحين ”مترفكين”، ومع التعويل على أن يوم نفاذ البترول لن يزول مثلما ستزول سيقان الرجال والنسوان والولدان·