مجرد مصادفة أو لقاء متعمد أو ضربة حظ ستكشف المكشوف القادم، هذا الذي حصل ما بين مقدم مدير قناة ”الحقيقة” لتدشين دار للأعشاب في الجزائر وما بين موافقة البرلمان على قانون تنظيم الجمعيات والأحزاب وقانون الإعلام! ساعة الحقيقة! مع أن مدير ”لحقيقة” العماني نسبة إلى سلطنة عمان وليس إلى سلطان عمان في الأردن يدرك أن ثمة أمرا بالقبض عليه في كل من الجزائر والسعودية بتهمة الاحتيال وممارسة الشعوذة إلا أن دكتورنا المزيف صاحبها أو كما يشبه دكتورنا المزيف ولد عباس وزير الصحة، أقدم على المجيء متحديا ”القانون الدولي” والإنتربول وحتى الشرطة الجزائرية والقضاة، وهو ما يوحي بأن مضيفه الذي ربما يفكر في إنشاء قناة حقيقة أخرى للأعشاب والدروشة قد أقنعه بأنه فوق القانون وأنه على نصره لقدير· وهو ما لم يحدث بالطبع، فقد اقتيد الدكتور إلى دار الشرطة بناء على شكاوى ضحايا بعدد ضحايا بنك الخليفة المنهار ممن قدم له الطبيب وصفات عشبية أهلكت بعضهم من حيث لا يعلمون، وبالمناسبة الشكاوي تلك لم تصدر إلا من سعوديين أو جزائريين وهو ما يعني أن هؤلاء مولعون بالعشب والدروشة بأن العشبة الطبية مثلا خير من القرص الكميائي، وهي أصل الطب الحديث والقديم معا، وهذه القناعة قد تكون جاءت مما يسمى بالطب النبوي، نسبة إلى النبي الكريم الذي دفعها لتقفز بقوة، خاصة أن السعودي كالجزائري من نوع المهم صل (أدي الفرض واثقب الأرض) وإلا كيف تفسرون مثلا أن ترى سكرانا فوق رأسه ثلاثة أصفار سوداء مدورة وهو يمسك كيس نبيد من الإسبان وفي يده سبحة يسبح بها للرحمان! أما القول بأن اختبار صاحبنا للجزائر كموقع لبناء دار للأعشاب فهو غير صواب· لأنه بالكاد لا يمكننا أن نعثر على أكثر من مائة عشبة طبية في بلاد المغرب العربي بالكامل فلسنا لا في الهند ولا في البرازيل ولاحتى في الغابون التي حكمها المغبون الحاج عمر بانفو ويشاع عنه أنه مولع بأكل لحم البشر، وإن كانوا أي الحكام العرب والأفارقة كلهم تقريبا من أكلة هذا النوع من اللحوم، مع خلاف في الأطباق وكيفية الأكل! وحتى كل المحاولات الرامية لزرع النباتات الطبية من أبسطها كالنعناع قد فشلت مثلما حدث في محيط ورفلة بعد أن تقرر مع مجموعة صيدال الدوائية التابعة للحكومة أن تزرع نحو 10 هكتارات منه لاستخلاص الفليور منه وهو مستخدم في صناعة معجون الأسنان، مع أن زرعه يحتاج للتربة والماء والشمس، وكلها متوفرة هناك، فلماذا لم ينبت إذن؟! بل إن العشب الطبيعي نفسه في الملاعب فشل كما يثبت ذلك واقع ملعب 05 جويلية مع دخول الأجانب خط الزرع· ولو ترك الأمر للطبيعة وتم استقدام قطيع من الماعز يرعى فيه في كل مرة ومن دون مقابل، لكان وضعه أحسن الآن، وكان بالإمكان التمتع باللعب فيه باعتباره أكبر ملعب (مهجور) في الجزائر فما الذي بقي لكي يصبح مقصدا لإقامة دار للعشب إذا كان ثمة في كل حارة ومكان ما يسمى ببيت العشب يرفع شعارات رب نبتة ضارة مفيدة أو بيوت تشبهها تمارس مهنة الحجامة (في رؤوس المرضى والمغفلين) والمداواة بالعسل (والبصل) والرقية غير الشرعية!! ·· بالعسل والبصل!! أخطر شيء في مسألة الأعشاب أو الحشيش·· بالمناسبة، ليس كل أخضر حشيشا بما فيه فريق الخضر، كما ليس كل ما يلمع ذهبا بعد أن كثر التقليد الدقيق أن تتحول تلك الأعشاب إلى ما يشبه العقلية لعامة الناس وخاصتهم فيصبح شعارهم الأول والأخير: ”حشيشة طالبة معيشة··!” وبالنظر إلى أن الطلب على الحشيش (والفرط) في تزايد مستمر يسبب الجفاف الطبيعي أو جفاف العقول في علاقتها مع مسألة الماء والخضرة والوجه الحسن، فإن المسألة تقفز إلى مستوى الخبز نفسه من حيث الاهتمامات والتكالب عليها! ناهيك بالطبع عن هؤلاء ”الحشاشين” القدامى الذين ذكرهم المرحوم نحناح زعيم حماس أيام كانت بعصاها قبل أن تكسر وتصبح حمس بموجب قانون ”وفرمان” جديد ممن تابوا في الجبال وحتى المدن والحشاشين الجدد ممن يزرعونه جهارا نهارا أو يستوردونه من جارنا العزيز الذي سيحكمه إسلاميون معتدلون! أما الخبز في حد ذاته وبالأرقام الرسمية، فإن الجزائري يعد الأول في أكل الخبز، ولهذا اعتبر من قبل الغير أنه ”خبزيست”، وربما انعكس هذا على مواقفه فأصبح همه بطنه مهما كلفه أشبه بالحكاية المعكوسة: تجوع الحرة ولا تأكل من ثديها! وإذا نجح مسعاه الحشيشي وأفرج عن صاحب قناة الحقيقة بكفالة، وتقرر في نهاية المطاف أن أخطاءه إن حدثت وأثبتتها الخبرة الطبية فإن ما ينطبق على الأخطاء الطبية نفسها ينطبق عليه، وقال القاضي (الذين لا يتلفن له أحد كما يقول وزير العمل) الكلمة الفصل، فإن كل ذلك سيفتح الباب أمام تكوين مزيد من الدور والديار وكثير من القنوات التي تستنسخ من الحقيقة ومن غيرها باعتبار أنه من ضمن 600 قناة عربية فإن النصف تعمل في مجال السمسرة والدروشة وتشتيت العقول وإفراغها من محتواها الحقيقي! فهل يمكن الجزم بأن هذا المسعى مخطط له مسبقا على اعتبار أن تنويم الناس بعد تهديدهم بالعصا غاية قابلة للإدراك على الأقل مع الشعوب الحشيشية والخبزية وهي تشكل غالبية العرب؟ وهل يمكن الجرم أيضا بأن ذلك المسعى مرشح للارتفاع مادام أن كل الأنظمة العربية التي لم تشهد ثورات شعبية تستخدم حتى الأموات من المفكرين بعد أن نسيتهم أو تناستهم كمالك بن نبي ولا نبي معه في الجزائر حتى الآن فيما يفيد قناعاتها بالحرص على تسوية تلك الثورات أو التنبيه إلى أنها شكل من أشكال التدخل الأجنبي تحت نظرية القابلية للاستعمار مثلا! وليس ذلك أبدا من باب الحرص على إحياء تراث فكري وفلسفي يشكل مرجعية إسلامية هامة! نوايا حسنة!! في مصادفة غير مسبوقة تقترن الموافقة على قانون الإعلام الجديد وهو يخلف القديم الذي لم يطبق أصلا وقانون الجمعيات، مع القبض على مسؤول القناة العشبية! مع أن الرجل على ما يبدو صاحب نية حسنة ويريد الخير للبلاد والعباد وأولى بالحكومة أن تكرمه وتفرش له الورود وتعده بأن يكون المرحب به دائما على البساط الأحمر، باعتباره عاملا من عمالها الأوفياء ممن يعول عليهم في التنويم مثلما عولت الحكومة (وقبلها فرنسا الاستعمارية) على رجال ونسوان الزوايا لكي يكونوا من دعاة الاستكانة! أما إذا كتب له أن يدشن دارا للعشب في العاصمة لا يقصدها الحمير لأنها لم تسمع بها بعد، فقد تتوسع على شاكلة البنوك لكي تصبح في كل ولاية دار صغيرة عليها طبيب أعشاب لا يلبس إلا الجلباب مثلما هم الأطباء الخواص وهؤلاء المحقون بمافيا القطاع العام في مستشفيات ولد عباس يلبسون المناديل ويحشون فيها أوراق المال، ويمكن أن تتوسع العملية لتبدأ في التخصص بمقتضى قانون الجمعيات الجديد فتكون هنا دار للعسل والليمون ودار للحبة السوداء ودار أخرى للسمان وتقابلها دار للنحيفين ممن لم يصلوا رغم انتهازيتهم لكي يكونوا ضمن المستفيدين مع الخبزيست والحشاشين! ومن يدري، لعل التجار وهم أحرار في هذه البلاد ولا يخشون أحدا بمن فيهم الصغار ينسحبون على ذلك انطلاقا من فكرة العقل السليم في الجسم السليم، وليس في السمين لأنه عادة وعلى شاكلة المسؤولين والنواب قليلي الفطنة! فيكتبون مثلا على حبات البرتقال وهي تباع أغلى من حبات البنان ”فيتامين س” واللحم فيتامين ”د”! والشيفلور مضاد للسرطان! فهذه البيئة الخصبة لنمو كل أنواع وفنون الدروشة ستجد نفسها في وضع مريح مع قانون حرية الإعلام الذي وصفته لويزة حنون العمالية المزعومة بأنه يسمح فقط بالحديث عن قانون المرور وحوادث الطرقات من كثرة الخطوط الحمراء والممهلات (والدودانات) تحت دعاوى عدم المساس بالأمن العام والنظام والشخصيات والاقتصاد أي اقتصاد الرعيان بعد أن خوصصوه لصالحهم بامتياز· ولهذا يمكننا وبطريقة أسوأها مما هو واقع في الصحافة (والسخافة) المكتوبة سنرى ربما قريبا قنوات حقيقية أخرى أو أشد سوءا واحدة لممارسة الرقية الشرعية وقراءة الكف، وأخرى لفنون الطبخ وغسل الأواني وأخرى للرأي التالف والتعارف والجمال واستعراض القدرات الجسدية أو الزواج أو حتى قناة للجريمة! ومبرر ذلك بسيط وهو أن المجتمع لا ينتج إلا هذا وقلما ينتج فكرا أو كتابا أو معرفة جادة ويمكن الالتفات إليها· أليس الدليل واضحا وهو أنه كلما نكتب عن التفاهات والجرائم الشخصية يزداد الإقبال الجماهيري على القراءة! لأنه وكما يقول المصريون ”الجمهور عايز كده” ونحن هنا في خدمته!