عشية انتهاء الآجال القانونية لإيداع الترشيحات لدى الداخلية الأخبار المتواترة والأحداث التي تنقلها يوميا وسائل الإعلام، كشفت أن معظم الأحزاب تشهد تصدعات كبيرة منذ الشروع في إعداد القوائم الانتخابية على المستوى المحلي. ومع بداية العد التنازلي لضبط المرشحين نهائيا، تفاقمت أزمة الأحزاب في مواجهة «تسونامي» الاستقالات الجماعية والاعتراض الواسع على قرارات الهيئات المركزية في تزكية المتنافسين، لأنها خيبت ظن من كانوا يعولون عليها في ترشيد الأمور وإنصاف المرشحين، على غرار ما يحصل لجبهة العدالة والتنمية، جبهة القوى الاشتراكية، حزب العمال، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي....إلخ. ويبدو أن قيادات الأحزاب كانت تتوقع ردود أفعال قوية من هذا القبيل، لذا بذلت كل ما في وسعها للتكتم على الأسماء المتداولة إلى آخر لحظة، وتسويقها في المقابل معايير النضال والكفاءة والشعبية لاختيار فرسانها في الاستحقاق المقبل، سعيا منها لتفويت الفرصة على المناوئين من الغاضبين والمعترضين والطامحين، ممن يجدون أنفسهم في نهاية المطاف خارج حسابات القيادة المركزية، لكن الاحتياطات الهشة لم تقها حدوث الأسوأ، بعدما لجأت الإطارات المحلية إلى الانشقاقات والاستقالات المتعاقبة منذ أيام، والنزوح الجماعي نحو أحزاب جديدة أو الاستنجاد بالقوائم الحرة لإعادة الاعتبار السياسي والمعنوي وفق تصريحات هؤلاء. اليوم تنتهي الآجال القانونية للترشح، لتبدأ مرحلة حاسمة من عمر التشريعيات، وهي الشروع في ترتيبات الحملة الانتخابية، لكن تلك الأحزاب المتصارعة داخليا تجد نفسها في وضع لا تحسد عليه، بفعل الظروف التنظيمية والنفسية لأعضائها، على خلفية ما يصفونه بالإقصاء والتهميش وتقديم أصحاب النفوذ والمال السياسي لتبوؤ المواقع النيابية. وقد تزيد مقصلة مصالح وزارة الداخلية الوضع تعقيدا كما شهدنا في المواعيد السابقة. المراقبون للشأن الحزبي في الجزائر، يرجحون أن الاضطرابات القاعدية التي تواجهها هذه الأحزاب غير مسبوقة في حجمها وتداعياتها، بدليل أنها تمس معظم التشكيلات السياسية وتكاد تشمل كل الولايات عبر الوطن، مما يعرض مصداقية الاستحقاق البرلماني برمته إلى الاهتزاز السياسي والشعبي. المتابعون لتطورات المشهد الانتخابي، يفسرون تشاؤهم من وضعية الأحزاب المتطاحنة، بمدى الانعكاسات العميقة التي ستؤثر حتما على مسرح المنافسة الانتخابية، لكن الأخطر هو نتائجها الكارثية على تشكيلة المجلس الشعبي المرتقب حسب تقديرهم، إذ يتكهن هؤلاء بتراجع الوعاء الانتخابي لهذه الأحزاب التي ستفترق قواعدها شيعا بين الزعامات المحلية التي يجتهد كل منها في استمالة المناضلين إلى معسكرها، كما أنها ستعتمد الضرب تحت الحزام لاستبعاد خصومها بكل الطرق، مما يؤدي إلى تنفير الرأي العام من الإدلاء بصوته، ومن ثمة فإن البرلمان القادم سيتشكل من فسيفساء من الأحزاب والشخصيات التي تتوزع على فصائل واتجاهات لا تحصى ولا تعد، مما يعقد من مهمة الأداء البرلماني .