يرى اللواء عبد العزيز مجاهد أن الجزائر تملك كل مقومات الدولة القوية والمتطورة، من أرض وشعب ونخبة، لكنها تحتاج اليوم إلى التنظيم، على حد قوله. وشدد المتحدث على أن يكون هذا «التنظيم» في مستوى فعالية «المنظمة الخاصة» التي فجّرت ثورة نوفمبر 1954، حيث يؤكد الرجل الذي ترعرع في صفوف المؤسسة العسكرية على ضرورة العودة للتاريخ والذاكرة، للاستلهام من تلك العقلية التي أسست «المنظمة الخاصة» وجمعت شمل الفرقاء، مع تجنيد وتنظيم كل الطاقات الملتزمة بالقضية الوطنية، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن الجزائر اليوم تزخر بكل الطاقات والقدرات والمؤهلات التي تسمح لها بذلك، شريطة أن يكون الوفاء للوطن نابعا من مبادئ «نجم شمال إفريقيا»، بدليل حسب كلامه ما اكتسبته الساحة السياسية في فترة وجيزة من ألوان وتشكيلات سياسية من مختلف التوجهات، في إشارة إلى تجدد وتولد النخب السياسية منذ الدخول في عهد التعددية الحزبية. وأوضح اللواء المتقاعد في ذات السياق، أن الجزائر إذا أرادت أن ترقى إلى مستوى الأمم المتقدمة، فعليها أن ترفع التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية خاصة، إذ يجب في هذا الصدد بالذات يقول خريج الجيش أن يعي المواطن حجم الخطر المحدق به، والسعي من أجل دعم الدفاع الذاتي والداخلي، من خلال التسلح بتاريخنا المجيد، والظهور دائما في نقطة القوة، لأن الضعف يولد الأطماع، وفق رؤيته. لكنه يشترط لإنجاز هذه الإقلاعة التنموية المنشودة، ضرورة تحقيق التوازن الجهوي، من خلال وضع «المخططات الخاصة»، من تيزي وزو إلى الأوراس إلى الساورة إلى الجنوب الكبير، حيث تتكرس عبر إستراتيجية حيوية محلية بمشاركة شعبية، مثلما قال اللواء مجاهد. التعليم كان أولوية الجزائر في عهدي بن بلة وبومدين قال اللواء عبد العزيز مجاهد في لقاء صحفي مع «البلاد»، أن الدولة شرعت مباشرة بعد الاستقلال في معركة «البناء والتشييد»، موضحا أنه خلال السنة الدراسية 1962/ 1963 تم تسجيل جميع أبناء الجزائر دون استثناء حتى الذين تجاوزهم سن التمدرس، وأضاف أن استراتيجية الرئيس أحمد بن بلة (رحمه الله)، كانت قائمة على الاهتمام بالتعليم، لمواجهة مخلفات المستعمر الذي تعمد جعل الجزائريين أميين، حيث لم تتجاوز نسبة أبناء الجزائريين المتمدرسين قبيل الاستقلال نسبة 15٪، مثلما أوضحه المتحدث، لكن الجزائر تمكنت من رفع التحدي، حيث «أبدعنا في طريقة التعليم عندما خلقنا شيء غير مسبوق وغير معمول به في العالم، وذلك من خلال استغلالنا لكل الطاقات وخلقنا منها الممر للتعليم، فجميع من يملك شيء من العلم فهو مجنّد ومعني بقضية التعليم، فتم تجنيد كل الطاقات حتى الأئمة الذين كانوا يؤدون التعليم الأصلي، ساهموا من أجل محو الأمية التي كانت مهمة وطنية، إيمانا من الجميع بمقولة شعب متعلم لا يُستعمر»، على حد تعبيره. وعليه فقد تم التركيز على الشباب وتنظيمهم، واستُرجعت كرامتهم، مثلما قال، وفي هذا الخصوص «أتذكر الراحل بن بلة عندما أمر بإدخال جميع الأطفال الذين يشتغلون في مختلف المهن المهينة التي كانت في عهد الاستعمار، إلى مراكز التعليم حتى يشعرون بالكرامة التي استرجعوها»، حسب تصريحه. واعتبر رجل المؤسسة العسكرية، أن إستراتيجية بن بلة وبومدين وهدفهما العام كان واحدا رغم اختلاف أسلوبهما في العمل، ف«كم من عدد المدارس والجامعات والمستشفيات التي تم تشييدها آنذاك، حتى الزائرين من الدول الغربية للجزائر انبهروا من سياسة الدولة اتجاه شعبها مجانية التعليم والمنح المقدمة للطلبة والعلاج المجاني»، مثلما قال المتحدث. علينا أن ندرس تاريخنا بموضوعية لنتعلم من الأخطاء شدد اللواء عبد العزيز مجاهد في لقاء مع «البلاد» على أهمية الذاكرة بالنسبة للإنسان أو الشعوب، معتبرا أن أي شعب من دون ذاكرة سيكون من دون مستقبل، لأن المستقبل مبني على أساس استخلاص الدروس من الماضي، على حد قوله. وأضاف في هذا السياق، أنه بعد 50 سنة من الاستقلال، يجب أن ننظر للأمور بواقعية، وأن نتحلى بالصدق والموضوعية في تقييم تاريخنا، معربا عن موقفه من طروحات بعض الشباب الذي يرى أن شرعية «السلطة الثورية» قد انتهى في صيف 1962، قائلا: «أنا أتفق معهم على ذلك، ولا أقول أن الجزائر جنة أيضا، لكن لا ننسى أنها استطاعت أن تطرد أكبر قوة استعمارية عرفتها الشعوب»، على حد وصفه. وبالتالي فإن هذه القضايا والانشغالات، يجب أن نستذكرها ونحللها وندرسها ونحدد الإيجابيات والسلبيات، على حد قوله. وعاد ضيف لقاء «البلاد» إلى الغنيمة المسمومة التي خلفها المستعمر، الذي قال عنه بأنه حاول طمس الهوية الوطنية بشتى الوسائل، وقد نجحت في تقديره بعض محاولاته، لا سيما على مستوى تفكير الجزائريين، حيث ما يزالون إلى حدّ الآن يتحدثون بأسلوب المستعمر والمصطلحات التي يستعملها، مثلما صرح به المتحدث، «فهل يُعقل أن نبقى إلى يومنا هذا نستعمل على سبيل المثال مصطلح المعمّر الفرنسي، وهي الكلمة التي كان يخاطب بها الجزائريين، مدعيا أنه جاء لتعمير بلادهم، لكنه دمّر كل شيء»، يتساءل الرجل. وقال اللواء مجاهد بهذا الصدد «أتذكر الكاتب الجزائري مولود قاسم نايت بلقاسم الذي ثار غضبا عندما تحدث إليه أحدهم واستعمل هذه الكلمة، فردّ عليه بغضب: ماذا عمّر الاستعمار، لقد دمّر كل شيء»، وبالتالي – يقول الرجل- لا يجب أن ننظر للأمور بنظرة الآخر بل بنظرتنا نحن، على حد تعبيره. فقدان روح المسؤولية أوقعنا في العشرية السوداء انتقد اللواء عبد العزيز مجاهد بشدة مرحلة الرئيس الشاذلي بن جديد وما تلاها إلى غاية نهاية التسعينيات، معترفا أن الجزائر عاشت «النكسات والنكبات» في بعض مراحلها التاريخية، على حد وصفه، وخص بالذكر المرحلة التي أعقبت عهد الراحل هواري بومدين، قبل أن يستدرك كلامه، ويضيف «أقولها بكل مسؤولية أن بن بلة وبومدين لم يكونا شخصان كاملين، لكنهما لم يكذبا علينا»، غير أن الوضع اختلف لاحقا بالنسبة إليه، إذ يقول «لكن بعد ذلك رأينا وضعا آخر، وأقصد مخلفات مرحلة الرئيس الشاذلي بن جديد الذي لم يكن للأسف في نفس مستوى بن بلة وبومدين ولم يكن في مستوى زعيم دولة»، حسب رأيه. وقال في هذا الصدد، «أن البلاد أصابها ما أصابها عندما فقدت روح الشعور بالمسؤولية خلال سنوات 1991 إلى غاية 1997»، واسترسل تعقيبا على تلك العشرية السوداء قائلا: «عندما كنا جديين وثوريين صنعنا المعجزات، ولما تخلينا عن مبادئنا ونجح البعض في محاولات مسح الذاكرة، وجد حينها بعض الأشخاص الضعفاء الذين يمتازون بالطمع والهيمنة وحب السيطرة على الآخر»، على تعبيره، هذا الوضع أدى بنا إلى حقبة التسعينات، تلك المرحلة التي يجب أن نحللها ونعطي كل ذي حق حقه، يضيف الرجل. ويعلل ذلك بخطورة تداعيات الفترة التي عشناها آنذاك والتي دفعت ببعض الشباب إلى رفع شعار خطير في الشارع يقول «التاريخ في المزبلة»، هذا أمر خطير ولم يأت من العدم، يجب أن نحلله ولا يمكن أن نتجاوزه بتاتا، على حد قوله. وختم اللواء المتقاعد كلامه محذرا «إذا لم نقم بواجباتنا سوف نتعرض إلى استعمار أكثر من الاستعمار الفرنسي، وهو استعمار فيما بيننا»، على حد قوله. عبد الحميد. ع / فاطمة الزهراء. أ