إسمه مسعود بن الصغير إبن بلدية حاسي الدلاعة جنوبالأغواط، عمره 22 عاما، عاش السنوات الأخيرة من حياته الممزوجة بين سن الطفولة والمراهقة لغاية ريعان الشباب على وقع طلاق الوالدين وتكفل جده البسيط بتربيته آنذاك لغاية تمكنه وبإرادة كبيرة من حفظ كتاب الله في مدة قصيرة رغم حرمانه من نعمة البصر التي كانت بداية لتفتح بصيرته، ومع الوقت استطاع أن يذيع صيته النابغ بين شيوخ الدين والزوايا والمقربين منه بالخصوص خلال الوعدات الخيرية التي تنظم سنويا باسم الولي الصالح سيدي أحمد بن حرزالله حتى أصبحت لديه مكانة مرموقة في عيون محبيه ومكنته بكل جدارة من إمامة المصلين وبكل اقتدار خلال أداء صلاة التراويح بصوت شجي أقل ما يقال عنه إنه أغلى هدية وهبها له رب العالمين يضيف شقيقه علي أن مسعود نشأ منذ الصغر على طاعة ربه وحين كان يزاول دراسته في السنة التاسعة أساسي تعرض إلى مرض على مستوى العيون ولم تفلح ساعتها كل محاولات الأطباء بالجزائر ووولايات أخرى من علاجه الذي كان شبه مستحيل، لاسيما أمام التكاليف الباهضة لإجراء عملية جراحية من هذا النوع بالخارج لغاية فقدانه بصره بالكامل، ومع الوقت ادرك إبن عرش الحرازلية الذي كان حلمه منذ الصغر حفظ كتاب الله أنه حان الأوان للتغلب على الصعاب التي كانت بمثابة ضرب من الخيال في أوساط أهله والمقربين منه، وهكذا دخل عالمه الروحاني بالإكثار من الاستماع إلى الأشرطة عن طريق التلقين والترديد والحفظ لكل صورة وأية والحرص على أداء صلواته وراء الإمام لغاية ما التقى بالحاج البشير رميلات شيخ الزاوية الطيبية بحاسي الدلاعة، فأعجب بصوته وحرصه على تحقيق الحلم كما أنه لم يتمالك نفسه من نشوة الفرح والسرور وهو يلتمس فيه روح الإصرار والمثابرة التي افتقدها في الكثيرين الذين تتلمذوا على يده، وماكان منه إلا ان اقترح عليه مرافقته في طريقه المليء بالأشواك بعدما أهداه جهاز تسجيل «امبي 3»، راجيا منه المواصلة لغاية النهاية، وكم كان لتلك الهدية من أثر قوي ومحفز في نفس مسعود، يضيف شقيقه، حيث زادته عزما وحماسة فوق حماسته وبدأ يتفرغ من حينها على امتداد ساعات النهار والليل لحفظ كتاب الله عزوجل دون يأس أو كلل، شاقا طريقه في الظلام بين جدران الزاوية الطيبية التي تخرج منها العشرات من حفظة كتاب الله عزوجل، ليأتي اليوم الموعود واللحظة المبهرة بعد قرابة ثمانية أشهر من الكد والسهر والاجتهاد حتى يفاجأ الجميع بحفظه التام ودون أية أخطاء للقرآن الكريم، وفوق كل هذا يواصل مسيرته اليوم بتعلم التجويد وأحكام الفقه والشريعة ومناهل العقيدة الإسلامية، وكان أول ظهور رسمي للنابغة الأغواطي خلال السنة الماضية حينما شارك في مسابقة ولائية لحفظ القرأن الكريم بمناسبة ليلة القدر المباركة وساعفه الحظ أمام ذهول الجميع من نيل المرتبة الأولى بكل استحقاق، ليشاء القدر أن تمنح له عمرة ذرفت فيها عيون مسعود أمام أسمى مقام بالحرم الشريف ومسجد خير خلق الله، ولعل الشطر المؤثر في حياة هذا الشاب الكفيف الذي لقي من أهله ومحبيه وحتى اقرانه من أحفاد وأحباب الولي الصالح سيدي احمد بن حرزالله كل التشجيع والاقتدار، فهو يتقاضى منحة لا تفوق ثلاثة آلاف دج من وزارة التضامن، وفوق كل هذا يعيش حياة متدنية في كنف جده الأصيل الذي ضحى بالكثير من اجل إيصاله إلى هذه المرتبة المشرفة رفقة معلمه الحاج رميلات البشير، الرجل الصحراوي المقتدر الذي وهب حياته لنشر الفضيلة وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف داخل وخارج المعمورة، ومن بين أحلام مسعود التي تراوده التكفل به من قبل الدولة لمواصلة طلب العلم وتمكنه مرة أخرى من زيارة قبر سيد المرسلين، وأكيد هي صرخة معاق وموهبة فذة قلما نصادفها، فمن يسمع نداءها ويصقلها ونحن نعيش على مقربة من الاحتفال بأعظم ليلة في الكون، في كنف بلاد العزة و الكرامة.