ثمة مشكلة حقيقية عند عامة الناس وخاصة المسؤولين، لا سيما بعد حكاية «خاطيني» أنهم لايعرفون، وإن عرفوا فهم لايعلمون، أو لايريدون أن يظهروا بأنهم لا يعلمون… وهو ماهو حاصل مع النار والعار في أيام الحرّ هذه، بعد أن انتقلت من الشركات إلى الغابات ووصلت حتى أم الديار دار النقود والفاعل دائما مجهول!! حديث الطقس!! منذ أن جاءنا رمضان وصادف هذا العام فصل «الحمان»، أصبح موضوع الحرّ محل نقاش عام وخاص ودخل العائلات من الأبواب… حتى عاد معظمنا مثل الانجليز الذين «مرمدهم» الطقس الكئيب، فصار الواحد منهم يفر في آخر العمر «حرڤا» إلى الإسبان، بلاد الشمس الساطعة أكثر مما «يحرڤ» إليها «الحراڤة» عندنا بحثا عن رزق أو حسناء ذات قوام وعيون زرق لعل وراءها مقعد وطعام!
فهذا الموضوع، أي الطقس لايمكنه أن يشكل موضوع خلاف بين الأهل يحاولون تفاديه وعدم الخوض فيه، وليس فيه من الأسرار مايمكن التستر عليه بعد أن صارت كل عائلة عبارة عن صندوق أسرار حتى إن خططت لشراء كليو حلوى فهي تعمل وفق اقضوا حوائجكم في السر حتى إذا وصلتهم للمريخ أو القمر كما فعل الماريكان أو تسقطون في البئر! ومادام رمضان التقى مع «الحمان والحمان» مع النيران المشتعلة في كل مكان، فقد بات أمرا مقبولا ومعقولا أن يخوض الناس في نار جهنم في الأرض بعد أن عجزوا عن مواجهتها عجز المسماة سونلغاز، شركة الكهرباء العمومية بعد أن حلبت ما استطاعت، وليس بالإمكان، أكثر مما كان غير إطفاء النيران أو التخفيف من حدتها على الأقل، في انتظار الحلّ النهائي الذي هو مثل آخر الطب الكي بالنار أو الكي بالكيماوي! وهذا ما تفعله الجهات المكلفة بالحماية من الحرائق المسماة الحماية المدنية وليس الحماية العسكرية! وهو الجهاز الذي يرأسه عقيد مضى على حكمه فيها أكثر من عشرين عاما دون أن يسرح المكان ولو خرج من تحت كرسيه الدخان… وكما يقولون لا دخان دون نار! ولو كانت تحت التبن ومستترة كثعبان نعسان! والتساؤل البديهي الذي يجول ويصول في الأذهان من هو صاحب عملة الحرق بعد الحمان الطبيعية؟ حسب مدير الغابات (الوطنية) الذي نطق مؤخرا، وبين قوسين، هذا الرجل يكون قد جثم على عرين الغابة ثلاثين عاما، إن لم تخطئني الأرقام، عن 20 ألف من الغابات احترقت هذا العام، وهي مساحة تعادل مساحة لبنان التي بدأ لهيب سوريا المجاورة ينتقل إليها ضمن خصومه بين أنصار ملك الغابة الأسد وباقي الحيوان! أي الجرذان كما يراهم! لكن مدير الغابة يعتقد جازما بأن المساحة هينة وطبيعية ولايجب التهويل فيها، لأنها ككل شيء في بلاد «نورمال» ولو كان «الهبال» ستعود وتنبت من جديد بإذن الرحمان بعد عشرين عاما! وقد يكون الوحيد الذي أصابه جزع شديد هو المسمى سعيداني، رئيس البرلمان سابقا ومستواه الثقافي هو «السيزيام»، فقد شاعت أخبار غير مؤكدة أنه سيستحوذ على قطاع واسع من الغابات في جيجل وما جاورها، باعتبار أن الغابات وكذلك الجبال – وهذا في إنتظار البحر أصبحت مخوصصة دون علم الأنام، وحتى الحيوان ملاكها الأصليين، بمن فيهم الملاك الجدد من الإرهابيين ممن نسبهم أمثال الجنرال خالد نزار إلى فصيلة الحلوف! فالحلوف لاجزاء له إلا الصيد، فإن عجزت الشباك كان لابد من مطاردتهم بالنار لكي يخرج كل واحد فيهم فردا فردا من الغار، فهذه أيسر الطرق لكي يقضى عليهم أو يولون الأدبار جنوب الصحراء في مالي في إمارتهم الجديدة طالبين حسن الجوار! وعودة لأسد الغابة أو مديرها العام وحارسها الأمين، فقد كان أول من أطلق النار على مضرمي النار، متسائلا هل جاؤوا يطلبون العافية، أي النار أم يشعلون البيت نارا. فالرجل يتهم صراحة الموّالين والباحثين عن العسل في الجبل بأنهم يقفون وراء حرق الغابات من دون تقديم دليل ملموس. والمضحك في تقديرات هذا المسؤول الذي توقف عقله منذ ثلاثين عاما، أنه يتحدث إلينا وكأننا في الأيام التي كانت تلفزة اليتيمة تفرض علينا كالسلطان منطقها وبرامجها، في زمن لم يكن معروفا ماهو «البارابول» وكيف تسقط الصور من فوق ولاراد لها أحد.. في ذلك الوقت كانت اليتيمة تبث ومضات إشهارية تظهر فيها الرعيان من مختلف الأنواع من رعاة البقر والأغنام والماعز وهم يشعلون النار في محاولة لجني محصول العسل الجبلي «باطل» قبل أن يتركوها وحالها لتلتهم كل أخضر ويابس! ولو أن للرعيان قناة فضائية اليوم في ذلك الوقت لدافعوا عن أنفسهم وقدموا بالدليل والبرهان الفاعلين الحقيقيين، وهذا في ظل صمت جرائد الكتاب العموميين الذين يكتفون بالمشاهدة ونقل بطولات النيران، دون أن يسأل أحد من الذي يحرق الدار، ولعل جزءا من الجواب قد نعرفه العام القادم بعد أن يعود المتهمون من الرعيان ومربي النحل ككل عام إلى ساحة حرية الصحافة (والنحافة) المزعومة سيسألون، فإن ثبت أن مدير الغابات كاذب وهم صادقون، علقنا حضرته بجبل من مسد في أعلى نخلة بالعاصمة زرعها والينا الكبير بعد أن نام في الولاية أعواما! وإن ثبت أن المدير صادق وعارضو العسل كذابون، أخذناهم أخذ عزيز مقتدر وربطناهم إلى جذع الأشجار وطالبناهم بالعسل ثم ربطنا وثاقهم ونادينا العسل لكل يحولوهم إلى شهادات عقابا لهم على إهانة الشجرة… مع أنها عند الغرب على الأقل بقيمة إنسان!
دخان بابوي!!
مع أن درجة الحرارة في هذا الصيف ليست بعيدة عن المعدل المألوف في مثل هذا الفصل، إلا أن معدل ما احترق من الغابات يعد قياسيا، لم ير مثله منذ رحيل عمنا ديغول وبقى أولاده الأوفياء وعموما ثبت بأننا نحرق مانغرس، أي كأننا موجودون في حالة توقف دائم، وبالتالي في حالة تأخر لأن الذي يتوقف أو لا يتقدم يتأخر بالطبع لكون الطبيعة لاتقبل السكون. وعندما ينتقل فعل الحرق المتعمد وغير المتعمد من النفس البشرية المتشائمة إلى الغابة والجبل لتصل إلى دار النقود، وهي رمز من رموز السيادة المسودة، تكون الحكومة المسؤولة الأولى عن كل ذلك وهذا منذ أن ولّت الأمور للرعيان والرعيان جاؤوا بأولاد الحرام وهؤلاء مستعدون لحرق كل مايقع تحت أيديهم إن أحسوا بأنهم سيكونون متابعين، تماما كما فعلوا مع الشاذلي بن جديد في منتصف الثمانيات حين فتح باب الحساب، وطلع الدخان من كل مصلحة وشركة إيذانا بأن ها هنا بابا علي أو علي بابا و 40 من أولاد حرام يسرقون المال العام، ومادام أن كل هؤلاء أولادها الشرعيين أو بالتبني، فهي تتعامل معهم على طريقة جحا الذي نبهوه إلى كون النار في الدوار فأبى أن يتحرك حتى وصلت الدار، ففاق ووجد نفسه راقد في الزقاق فالمهم سلامة رؤوسهم. أما البلاد بغاباتها ومؤسساتها وبنوكها فلتحترق ولتذهب إلى الجحيم، بعد أن وصل راعي رحيم من رعاياها إلى حرقها دون أن يقبص عليه أحد من اليد التي تحمل عود الثقاب! ليدخل ضمن العائلة الثورية (والحركية) الكبيرة غير المغنية بأن عقاب أو حساب، فالرعيان في دولتهم؟