سلط خطاب وزير العدل حافظ الأختام محمد شرفي الضوء مجددا على استشراء الفساد بشكل غير مسبوق، وهي الآفة التي أضحت تنخر مؤسسات الدولة وتهدد نسيج المجتمع بالتفكك، حيث بلغت جرأة الوزير الجديد في ملامسة «الظاهرة المفزعة» إلى حد التنبيه إلى «أن محاربة الفساد لن يكون لها معنى إلا عندما تكون العدالة في منأى عن هذه الآفة ومحصنة منها»، على حد تعبيره. واعترف محمد شرفي في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح الدورة العادية للمجلس الأعلى للقضاء، بوجود ضغوط يعاني منها القضاة خلال تطبيق أحكامهم القضائية في ملفات الفساد، بغرض إضعافهم في مكافحة هذه الظاهرة، مشددا على أنه «إذا كان المطلب الشرعي لمختلف شرائح المجتمع التطبيق الصارم للقانون من طرف القاضي ضد المتسببين في الفساد ظاهرا وباطنا، فمن الأجدر لنا في الوقت نفسه حماية الإطارات النزيهة الملتزمة بمكافحة الفساد من الضغوطات المتعددة الأشكال والتي يمكن أن يكون هدفها إضعاف العزائم في هذه المعركة. وقبل إقرار وزير العدل الجديد بالتحديات التي تواجه مكافحة الفساد في الجزائر، كان التقرير السنوي 2011، الصادر عن اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان قد دعا إلى «محاربة فعالة ضد الفساد»، على أن تكون العقوبات «مثالية ورادعة»، بهدف عدم السماح للشخص الفاسد ب«التمتع بعائدات الفساد بعد قضاء عقوبته»، مشيرا إلى أن «الجريمة تزدهر إذا كانت العقوبة غير مناسبة، حيث يحتذى بها في أوساط الموظفين العموميين»، حسب التقرير المذكور، والذي طالب السلطات العمومية أيضا بضرورة «الترويج لممارسات فعالة لمنع الفساد وتعزيز مشاركة المجتمع المدني وتجسيد مبادئ دولة القانون»، موصيا وفق تقرير 2009 بتمكين العدالة من أن تمارس صلاحياتها القانونية كاملة في ظل الهدوء خاصة فيما يتعلق بالتحقيق ودون تدخل السلطات ولا النيابة العامة ولا الشرطة القضائية».. وتأتي هذه الملاحظات والتصريحات الرسمية، في وقت أنشأت فيه الجزائر لجنة وطنية لمحاربة الفساد، وأصدرت قانونا خاصا بتطويقه، وعملت على تجديد خلية معالجة الاستعلام المالي، مع تنشيط دور كل من مجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية، وبنك الجزائر في مجال محاربة الفساد، بعدما وقعت على عديد الاتفاقيات الدولية بهذا الصدد، ورغم ذلك، فقد صنف تقرير منظمة الشفافية العالمية الجزائر بين 2006 و2009، ضمن الدول التي تُعرف بأعلى نسبة رشوة. والسؤال المطروح اليوم، هل في مقدور قطاع العدالة منفردا أن يفلح في مواجهة إخطبوط الفساد الذي أصبح يملك أذرعا طويلة في كل مكان، وعبر مستويات مختلفة، إذ يربط خبراء في الاقتصاد تفشي سرطان الفساد بسياسة الانفتاح التي أعقبت تفكيك المؤسسات الاقتصادية الوطنية منذ عام 1982، وتفاقمت الظاهرة مع اقتصاد السوق الحرة، لتتوسع أكثر مع انطلاق المشاريع الكبرى للرئيس بوتفليقة، والتي تعدت 200 مليار دولار، وتتوزع حالات الفساد حسب المختصين بثلاث دوائر أساسية، هي التجارة الخارجية وبعض دوائر الجهاز الحكومي والبنوك، ما يعني أن الحديث عن مكافحة الفساد يتطلب إرادة سياسية حقيقية بالأساس، مسنودة بآليات دستورية وقانونية وتنظيمية ومجتمعية فعالة، في ظل الفصل التام بين السلطات لتكريس استقلالية القضاء، والأخذ بميكانيزمات الحوكمة.