أسبوع من التفاعلات في الداخل والخارج سلال «عطار الحكومة»، المحليات، قانون المالية.. والإساءة ظهرت أحداث الأسبوع الماضي مزيجا من السياسة والمواقف والدين في الداخل والخارج. ففي الشق الأول لم تتوقف ردود الفعل السياسية والحزبية من طرف عدد من قادة التشكيلات التي تتأهب لخوض غمار المحليات القادمة رغم البرودة الشعبية التي طبعت التعاطي مع المناسبة الانتخابية في بلادنا. وزيادة على ذلك أثار قانون المالية الجديد في مشروعه الذي صادق عليه مجلس الوزراء في دورته يوم الثلاثاء الماضي، تساؤلات بشأن السر وراء خلو المشروع من أي زيادة في الضرائب أو استحداث ضريبة جديدة على النحو الذي ظلت الحكومة تتعامل به مع قوانين المالية السابقة خلال تولي أحمد أويحيى رئاسة الحكومات المتعاقبة، فهل هي الصدفة أم هي الحسابات والرسائل السياسية المبطّنة من هنا وهناك؟ اعتبر العديد من قادة الأحزاب السياسية أن حكومة سلال امتداد لحكومة أويحيى، وبخلاف الانطباع الإيجابي الذي ميّز ردود الفعل الحزبية على تشكيلة وزير الري السابق، فإن ما لمسه قادة الأحزاب من توجهات تتوافق وما كانت عليه سياسة الحكومة السابقة عقب اجتماع مجلس الوزراء دفع إلى بروز مواقف جديدة لا تسير في اتجاه أي تزكية للحكومة الجديدة القديمة. ورغم ذلك فإن أحداث الأسبوع وبالدعوة التي وجهها الرئيس للحكومة بالإصغاء لانشغالات المواطنين تركت انطباعا حسنا لدى المواطنين الذين يتوقون إلى سياسة جديدة للتواصل بعدما أحكمت البيروقراطية إغلاق كافة المنافذ، فهل سيكون عبد المالك سلال عطار الحكومة الذي يصلح ما أفسدته السلطة طيلة السنوات الماضية؟ زاوية أخرى شكّلت واحدة من أحداث الأسبوع الماضي تتعلق بالتحضيرات للمحليات القادمة، وسط برودة شعبية في التعاطي مع الموعد الانتخابي، بدت الأحزاب السياسية في عزف منفرد هذه المرة. وحتى إن لم يكن للمحليات الزخم الكبير إعلاميا خصوصا في الخارج، فإن برودة قد توجه رسالة واضحة للسلطة على خلفية نتائج الانتخابات التشريعية السابقة التي كانت صدمة حقيقية للرأي العام نظرا لغياب الوجه التمثيلي في نسبة 7 بالمائة التي يرى البعض أنها مخالفة للدستور من منطق أنها لا تعكس أي تمثيل حقيقي لاختيار المواطنين. وبين الوضع المتردي للقدرة الشرائية ومخلفات رحيل حكومة أويحيى وبروز عيوب الإصلاح المدرسي بمجرد رحيل أبوبكر بن بوزيد، يتبين أن الأحداث دائمة التجدد، حيث لايزال حديث العجز عن قدرة الاستيعاب في المدارس قائما، وتراخي الجماعات المحلية المشرفة على المدارس الابتدائية لاقتراب نهاية العهدة الانتخابية لرؤساء البلديات، كلها عوامل أدت إلى تصنيف الدخول المدرسي لهذا العام ضمن أسوأ دخول منذ الاستقلال. خارجيا جاءت ردة الفعل على الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم لتزيد من تعقيدات الوضع في العالمين العربي والإسلامي. وبعد حادثة مقتل السفير الأمريكي في بنغازي وحالة الطوارئ التي أعلنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بإرسال قوة من المارينز وحاملات الطائرات من المتوقع الإعلان عن ضربة قوية بحق الجماعات المسلحة في بنغازي وهذا ما رتبت له السلطة هناك عندما حشدت المواطنين لطرد جماعة التبليغ هناك. كما أن البعض أشار إلى أن مقتل السفير كان عملية ثأرية لمقتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو يحيى الليبي. وبعد الفيلم المسيء ظهرت مجلة «شارلي إبدو» الساخرة لتنشر رسوما مسيئة هزت العالمين الإسلامي والعربي من جديد ووضعت فرنسا في موقع لا تحسد عليه. لكن هل ردود فعل العالم الإسلامي كانت في المستوى المطلوب؟ عبد السلام بارودي وخير جليس في الأنام كتاب افتتح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فعاليات الصالون الدولي للكتاب نهاية الأسبوع الماضي، وبتدشين الطبعة السابعة عشرة للمعرض، يُطرح الإشكال المؤرق مجددا حول واقع المقروئية اليوم وأزمة القراءة في الجزائر، إذ يشير أحدث استطلاع للأمم المتحدة أن نسبة ما يقرأه الفرد العربي بما فيها الجزائر، هي «نصف صفحة»، في حين يصل معدل الفرد البريطاني على الأقل «كتابين» سنويا، لا تقل عدد صفحاتهما عن 600 صفحة. بينما أوضحت دراسة أخرى أن بلدا صغيرا بحجم سويسرا لا يتجاوز عدد سكانه ثلث سكان الجزائر، ينتج من الكتب ما تنتجه 5 أو 6 بلدان عربية مجتمعة! وعن الجزائر تحديدا، فقد كشف الخبير في علم المكتبات الدكتور كمال بطوش أن معدل القراءة في بلادنا لا يتعدى الآن نسبة 0,0003 %، وتشير الإحصائيات الميدانية كذلك إلى أن الجزائر لا تمتلك دور نشر كبيرة وعديدة، إذ لا تتجاوز المنتجة منها 10 %. أما الباقية فهي عبارة عن دور نشر خاصة بالمناسبات والتجارة التي لا علاقة لها بصناعة الكتاب والترويج له، وهي حسب المهتمين بالشأن الثقافي لا تلتفت إلى كتاب الفكر والثقافة ولا تنتج أكثر من 1500 كتاب في السنة، أي أقل من بلديات الجزائر! ولعله من اليسير على أي ملاحظ أن ينتبه إلى مستوى العلاقة المتدنية للفرد الجزائري مع الكتاب، عبر مراقبة الفضاء العام والخاص، من قبيل المحطات والمقاهي والنوادي والأحياء الجامعية والحافلات والقطارات والسيارات وحتى الطائرات، إذ يندُر أن تصادف شخصا، وهو يطالع كتابا مهما كان نوعه! وحتى لدى الطلبة أو الأساتذة، فإن «فعل القراءة» ضعُف جدا في الآونة الأخيرة، ولا يكاد يخرج إن وُجد أصلا، عن التحصيل العلمي الضيّق. أمّا القراءة من دون إلزام أكاديمي، أي كسلوك حضاري معرفي بهدف توسيع المدارك العلمية والأدبية والثقافية وتهذيب الذوق وتحسين المهارات، فهي تكاد تنعدم بيننا للأسف الشديد! لا شك أن المعضلة برأي الخبراء مركبة ومعقدة، وهي تثير بدورها عدة تساؤلات فرعية، منها: هل هي «أزمة كتاب»، «أزمة قارئ»، «أزمة نوعية»، «أزمة لغة»، «أزمة مناهج مدرسية وجامعية»، أو «أزمة أسعار»، وهل يكفي تبرير «الواقع القائم» ببروز ظاهرة الوسائط الإعلامية الحديثة وعلى رأسها (الأنترنت والفضائيات الهوائية)، وأثرها السلبي البالغ على تراجع مستوى المقروئية في العالم ككل، وهل يمكن في الحالة الجزائرية أن تفسر «الأميّة» المقدرة ب 8 ملايين جزائري تراجع المقروئية في بلادنا، حتى لو أضفنا لها مفهوم أمية الحاسوب الذي يعطي فرصا للمطالعة الإلكترونية، هذا فضلا عن تراجع القدرة الشرائية بسبب سلم الأولويات في الاستهلاك لدى الفرد الجزائري، حيث صار الكتاب للأسف يمثل فيها آخر الأولويات، بفعل تراكم الحاجيات المستجدة على المستهلك! عثماني عبد الحميد محمد شرفي.. هل ينتصر على «إخطبوط الفساد»؟ سلط خطاب وزير العدل حافظ الأختام محمد شرفي الضوء مجددا على استشراء الفساد بشكل غير مسبوق، وهي الآفة التي أضحت تنخر مؤسسات الدولة وتهدد نسيج المجتمع بالتفكك، حيث بلغت جرأة الوزير الجديد في ملامسة «الظاهرة المفزعة» إلى حد التنبيه إلى «أن محاربة الفساد لن يكون لها معنى إلا عندما تكون العدالة في منأى عن هذه الآفة ومحصنة منها»، على حد تعبيره. واعترف محمد شرفي في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح الدورة العادية للمجلس الأعلى للقضاء، بوجود ضغوط يعاني منها القضاة خلال تطبيق أحكامهم القضائية في ملفات الفساد، بغرض إضعافهم في مكافحة هذه الظاهرة، مشددا على أنه «إذا كان المطلب الشرعي لمختلف شرائح المجتمع التطبيق الصارم للقانون من طرف القاضي ضد المتسببين في الفساد ظاهرا وباطنا، فمن الأجدر لنا في الوقت نفسه حماية الإطارات النزيهة الملتزمة بمكافحة الفساد من الضغوطات المتعددة الأشكال والتي يمكن أن يكون هدفها إضعاف العزائم في هذه المعركة. وقبل إقرار وزير العدل الجديد بالتحديات التي تواجه مكافحة الفساد في الجزائر، كان التقرير السنوي 2011، الصادر عن اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان قد دعا إلى «محاربة فعالة ضد الفساد»، على أن تكون العقوبات «مثالية ورادعة»، بهدف عدم السماح للشخص الفاسد ب«التمتع بعائدات الفساد بعد قضاء عقوبته»، مشيرا إلى أن «الجريمة تزدهر إذا كانت العقوبة غير مناسبة، حيث يحتذى بها في أوساط الموظفين العموميين»، حسب التقرير المذكور، والذي طالب السلطات العمومية أيضا بضرورة «الترويج لممارسات فعالة لمنع الفساد وتعزيز مشاركة المجتمع المدني وتجسيد مبادئ دولة القانون»، موصيا وفق تقرير 2009 بتمكين العدالة من أن تمارس صلاحياتها القانونية كاملة في ظل الهدوء خاصة فيما يتعلق بالتحقيق ودون تدخل السلطات ولا النيابة العامة ولا الشرطة القضائية».. وتأتي هذه الملاحظات والتصريحات الرسمية، في وقت أنشأت فيه الجزائر لجنة وطنية لمحاربة الفساد، وأصدرت قانونا خاصا بتطويقه، وعملت على تجديد خلية معالجة الاستعلام المالي، مع تنشيط دور كل من مجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية، وبنك الجزائر في مجال محاربة الفساد، بعدما وقعت على عديد الاتفاقيات الدولية بهذا الصدد، ورغم ذلك، فقد صنف تقرير منظمة الشفافية العالمية الجزائر بين 2006 و2009، ضمن الدول التي تُعرف بأعلى نسبة رشوة. والسؤال المطروح اليوم، هل في مقدور قطاع العدالة منفردا أن يفلح في مواجهة إخطبوط الفساد الذي أصبح يملك أذرعا طويلة في كل مكان، وعبر مستويات مختلفة، إذ يربط خبراء في الاقتصاد تفشي سرطان الفساد بسياسة الانفتاح التي أعقبت تفكيك المؤسسات الاقتصادية الوطنية منذ عام 1982، وتفاقمت الظاهرة مع اقتصاد السوق الحرة، لتتوسع أكثر مع انطلاق المشاريع الكبرى للرئيس بوتفليقة، والتي تعدت 200 مليار دولار، وتتوزع حالات الفساد حسب المختصين بثلاث دوائر أساسية، هي التجارة الخارجية وبعض دوائر الجهاز الحكومي والبنوك، ما يعني أن الحديث عن مكافحة الفساد يتطلب إرادة سياسية حقيقية بالأساس، مسنودة بآليات دستورية وقانونية وتنظيمية ومجتمعية فعالة، في ظل الفصل التام بين السلطات لتكريس استقلالية القضاء، والأخذ بميكانيزمات الحوكمة.