التقى ظهيرة أمس، الكاتب الواعد العربي رمضاني، جمهوره لأول مرة بسيلا ال24، ليذرف دمَه قطرة قطرة نشيدا عاليا ومختلفا وحقيقيا. ولأن الملح ذاهبٌ فينا كأبدية، كان العنوان “أناشيد الملح” الصادر عن منشورات المتوسط في إيطاليا. وهو سيرة شخصية لهجرة غير شرعية كان فيها الكاتب قريبا من الموت بشكل متكرّر، لكنه عاد ناجيا وآملا. زينة.ب وفي تصريح لجريدة “الجزائر الجديد” يقول العربي رمضاني، “أناشيد الملح سيرة ذاتية واقعية حدثت معي وسردت تفاصيلها كاملة في هذا العمل الأول لي في عالم الكتابة، حيث تنقّلت بين تركيا واليونان بطريقة غير شرعية للوصول إلى أوروبا، ومررت فيها بمختلف المصاعب وفي مرات كثيرة كنت قريبا جدا من خسارة حياتي.. هذه السيرة هي تقرير مفصل عن دروب الموت وجحافل الفارين من الحروب والطغيان وما يتخللها من فظائع تصادف المهاجر سواء ما تعلق بقبح المهربين وهمجية البحر أو تواطؤ وانتهاكات الحكومات”. الرحلة إذن جزء من دم الكاتب، هكذا جاء العربي رمضاني يعرض تفاصيل دمه، من خلال أناشيده المالحة، كيف لا والألم مالح كما الحلم، كما أنه (الملح) هو من يجمعنا ببعضنا فنتقاسمه خبزا وشعورا.. هذا الكاتب الذي اقترب منه وتقاسمه وسبح فيه، هذا الملح الذي سخر منه وحضنه أيضا. ومنه كتب عن الناجين من البحر والعائدين إليه، هؤلاء الذين يختارون في كل مرة هذا الحل المتطرف الذي يتم فيه العبور بسلام أو الموت، والحالات التي تعود سالمة قليلة.. وفي الكتاب يسرد تفاصيل يومياته بشكل دقيق، بداية من اليوم الذي ودّع فيه والدته التي بكت بحرقة وهي ترى ابنها يرحل إلى وجهة غير معلومة، غير آبه بما قد يعترض طريقه، إلى غاية وصوله إلى تركيا التي تعتبر وجهة المهاجرين غير الشرعيين الأولى، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى سيطلع عليها القارئ لدى اقتناء الكتاب. ففي الأحداث يتعرف العربي إلى مهاجرين من مختلف البلدان البائسة التي لا يلتفت إليها أصحاب القرار مما يجعل زهرة الشباب تذبل سريعا أو تفكر قبل ذلك في هذه الرحلة الخطرة، حيث يتم الذهاب نحو قوارب الموت طواعية ودون التفكير في العواقب على الشخص ذاته وعلى عائلته. الكاتب سعيد خطيبي في تقديمه للكتاب الذي عنونه ب”سيرة جثة تطفو في البحر”، كتب “العربي رمضاني سافر في البحر وعاد، وأتم الرحلة بأن كتب هذه الشهادة التي تفتح أسئلة، أكثر مما تعرض إجابات، وتوسع من الاستفهامات التي تطفو على مخيلتنا، وتنبهنا أن البحر قد ازداد ضراوة في قبض الأرواح، وطراوة في قذف الحكايات. لقد سافر في البدء ميتا، فعاد حيا. بحث عن الحرية، فعثر على التسامح. لم يكن سفره ممتعا، مثلما كان سفر عوليس، فقد نجا أكثر من مرة من الشرطة ومن حرَس الحدود، لكنه عاد -في النهاية- ليذكّرنا بقصص الناجين، وما بقي من سير الجثث التي شاهدها، ويكتب عن مأساة العيش بين ضفتين، وعن حلم الوصول للضفة الأخرى”. وجاء في غلاف الكتاب “بعد التحرّرّ من الوثيقة التي تربطني بالوطن، أخذتُ نَفَساً عميقاً وتأمّلتُ سطح الجزيرة. تخيّلتُ ‘ساموس' شقراء هيلينة ناعمة مستلقيةً على جنبها الأيمن، وتتهيّأ للنوم، ونحن نتسلّقُها ونمشي على جغرافيا جسدها حتّى نبلغ لون عينَيْها اللامعَتَيْن، منحدراتٌ جبلية قاسية بأعشابٍ شوكيةٍ وأشجار قصيرة وأرضية بصخور صلبة مغطّاة بفطرياتٍ وحشائش مبتلّة ولزجة. لم نَخَفْ، ولم نشعر بالرَّهْبَة، تقدّمَ مرافقي واستعان بإنارة الهاتف ولم يُنصِت لنصائح حازم المصري الذي رضخ في النهاية وتبعنا، كانت المسالك ضيِّقةً جدّاً والمنحدرات تتضاعف ويزداد طولها، لا مَعْلَم واضح يلوحُ في الأفق، ارتفاع ثمّ انخفاض، البحر يظهر لنا على اليمين، كنّا نمشي وعلى الأرض صادفتْنا بقايا ملابس، سراويل، أقمصة، لعبة أطفال من القماش، حذاء امرأة، قارورات مياه… بعدها وجدْنا مسلكاً به شارات من القماش الأبيض مُثَبّتةٌ على الأغصان، وضعها مَنْ مرّوا قبلنا، لتسهيل عبور مَنْ يأتي بعدهم، جحافلٌ بشريةٌ رهيبةٌ مرّتْ من هنا أزعجتْ سباتَ هذا الجبل الذي تحدّى أعماق بحر إيجة، واختار البقاء شامخاً ومعانِقاً دفء الشمس وتدوين أنين الإنسانية المعذّبة”. تطرّق العربي رمضاني، إلى مختلف التجاوزات التي يتعرض لها المهاجر في مراكز اللاجئين ومراكز الشرطة، لم يُخفِ الحقائق وذكرها. بالإضافة إلى لقائه بمختلف الأجناس العربية والإفريقية، كما يهيم بجزيرة ساموس وأرض اليونان، ويتوسل بحر إيجه للعبور لاكتمال الحلم”. لم يكتب العربي رمضاني إهداءً في الكتاب الذي بدأ بمقولة تعود للشاعر السوري نوري الجراح من مؤلَفه “قصيدة قارب إلى ليسبوس” وتقول “موتوا في المجاز، ولا تموتوا في الحقيقة”. كما يذكر الكاتب في نهاية العمل قائمة -مهمة بالنسبة له- لرفاق الرحلة والسجن والألم، كتذكير أو ذكرى. بالنهاية أقول له “نحن الحراڤة في الأرض أيضا يا العربي، نحن الذين فقدنا كلمة السر إلى البحر كما للأرض”. العربي رمضاني، من مواليد المدية، خريج الصحافة سنة 2008، يكتب مقالات في السياسة والثقافة، حالم ومغامر، هاهو اليوم يصدر أول أعماله بكامل الصدق والضرر الذي عايشه. بكل التفاصيل التي من شأنها أن تبني تجربة ثرية بالإنسان.