تتجه الأنظار هذه الأيام، إلى وصول ممثلي الفصائل الفلسطينية تباعا إلى الجزائر، تمهيدا للمؤتمر الجامع المرتقب عقده في الأيام القليلة المقبلة بالجزائر لتحقيق المصالحة بين الفرقاء في فلسطين، أياما قبيل القمة العربية. وعلى الرغم من أن الجزائر ترى في الدخول على خط المصالحة الفلسطينية عبر مبادرة استضافة حوار فلسطيني – فلسطيني شامل لبحث إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، يندرج في سياق "مبادئها الثابتة إزاء القضية" إلا أن توقيت الإعلان عن الخطوة فتح الأبواب أمام قراءات عدة، وفي حين هناك توقعات بنجاح المبادرة بحظوظ كبيرة مع سابقاتها، بخاصة بين حركتي "فتح" و"حماس"، بعد زيارة رئيس السلطة الفلسطينية إلى الجزائر التي وصفت بالناجحة، تبقى بعض الشوائب التي من شأنها إفشال المؤتمر بسبب الإحباطات المتراكمة في هذا الملف الذي يزداد تعقيداً لعلاقته بأطراف خارجية لها تأثير. وكان الرئيس تبون قد وضع من أولوياته استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية قريباً، وأشار عقب استقباله نظيره الفلسطيني محمود عباس، إلى أن هذه الخطوة جاءت "بعد أخذ رأي الرئيس عباس". ويعتبر مراقبون للشأن الفلسطيني أن خطوة الجزائر التي تستهدف رأب الصدع جاءت في توقيت دقيق وحساس قبيل انعقاد القمة العربية، حيث تضع الجزائر القضية الفلسطينية على رأس أولويات القمة العربية المقبلة، باعتبارها قضية العرب المركزية، وهي تعمل على حلها عبر مصالحة حقيقية بين كافة الفصائل الفلسطينية بشكل يحقق توحيد الموقف الفلسطيني الذي تستغله السلطات الإسرائيلية لتعطيل المسار التفاوضي الفلسطيني – الإسرائيلي بحجة عدم وجود سلطة فلسطينية موحدة تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني بأكمله. ويؤكد مراقبون أن الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية هو موقف ثابت لا يتغير ولا يمكن المزايدة عليه، لكن هناك معوقات لإتمام المصالحة الفلسطينية، حيث أن مبادرة الجزائر ستكون فرصة مواتية لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، إذ تسعى لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وثانياً إضعاف هدف الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة التي تعمل على تقليص الصراع وليس حله، وأخيراً الرد على سياسة توقيع اتفاقات سلام مع إسرائيل، خاصة وأن التحرك الجزائري جاء لمنع تحول الانقسام السياسي الفلسطيني إلى انفصال كامل بين قطاع غزة والضفة الغربية، الذي من شأنه إدخال القضية في حالة من الغموض والسيناريوهات المتعددة. ولاقت المبادرة الجزائرية ترحيباً واسعاً من الفصائل الفلسطينية، وهي التي تستهدف تعزيز وحدة الجبهة الداخلية وإغلاق صفحة الانقسام الممتد منذ 2007، حيث قال عضو المكتب السياسي ل"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، تيسير خالد، إن المبادرة الجزائرية تشكل فرصة ثمينة أمام جميع القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية من أجل تعزيز الوحدة في مواجهة إسرائيل. كما قالت حركة "حماس" إنها "ترحب بدعوة الرئيس عبد المجيد تبون لعقد لقاء للفصائل الفلسطينية في الجزائر"، وأضافت في بيان أنها "ملتزمة موقفها وسياستها الثابتة بالترحيب بكل جهد عربي وإسلامي ووطني لتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام، وهي كلها جهود مقدرة ومشكورة". بدورها، اعتبرت حركة "فتح"، أن دعوة الرئيس تبون "مهمة وغالية على قلوب كل الفلسطينيين، حيث يرحب بها الكل"، وشددت على لسان القيادي، زيد الأيوبي، على "مكانة الجزائر التي يمكن أن تسهم في إنجاح هذا المؤتمر، بخاصة إذا حضرت حماس والفصائل المدعومة من إيران هذا المؤتمر بنوايا صافية وفق أجندة وطنية فلسطينية". وقال أستاذ العلوم السياسية رائد ناجي، ل"الجزائر الجديدة"، إن كل المؤشرات توحي بإمكانية نجاح المبادرة الجزائرية، في لملمة الشمل الفلسطيني، باعتبار أن الجزائر تضع كافة الفصائل الفلسطينية على مسافة واحدة، ما دفع بجل الفصائل إلى قبول المشاركة بقوة في مختلف اللقاءات التي باشرها مسؤولون جزائريون. وأضاف أن اللقاءات الثنائية هي عبارة عن لقاءات تمهيدية للمؤتمر الجامع، الذي سيعقد بالجزائر من أجل تحقيق مصالحة تاريخية بين الإخوة الفرقاء برعاية جزائرية، وجاءت هذه المبادرة في توقيت استراتيجي، على خلفية استباقه لاجتماع القمة العربية بالجزائر، والذي سيكون لا محالة على رأس جدول أعماله القضية الفلسطينية. ويؤكد المتحدث أن هذه اللقاءات تلت لقاءات أولية جمعت بين ممثلين عن مختلف الفصائل ومسؤولين جزائريين، حيث تم وضع نقاط التشابه والاختلاف، لتكون اللقاءات الثنائية فرصة مواتية لحلحلة مختلف نقاط الخلاف تمهيدا للاجتماع الرسمي والذي سيفضي إلى مصالحة فلسطينية – فلسطينية.