رغم سعي السلطات العليا للقضاء بشكل نهائي على البيوت الفوضوية والسكنات الهشة، ورغم إنعاش قطاع السكن في السنوات الأخيرة والميزانية الضخمة الموجهة للمشاريع السكنية، فإن مشكلة السكن لا تزال العديد من العائلات تتجرع مآسي الغبن والبؤس وتكابد حياة جد مزرية تحت أسقف هشة مبنية من الزنك والترنيت. وبغرض تسليط الضوء أكثر على هذه الفئة المهمشة انتقلنا لزيارة للعائلات القاطنة بالبيوت القصديرية بعين الكحلة ببلدية هراوة شرق العاصمة والبالغ عددها ما يقارب 400 عائلة نزحت أغلبها خلال العشرية السوداء من أرياف مختلف المناطق الداخلية بحثا عن الأمان والراحة، ومقابل ذلك وجدت نفسها تقطن في بيوت تفتقر لأدنى شروط الحياة الكريمة مبنية بطريقة عشوائية بعيدة عن مقاييس البناء المعمول بها، والتي أصبحت مهددة بالانهيار في أية لحظة فوق رؤوس السكان خاصة عند هبوب رياح قوية وتهاطل الأمطار، مما يزرع الرعب وسط العائلات وخاصة الأطفال منهم. والزائر للمكان يلاحظ حجم المعاناة التي يتجرعها القاطنون، والتي بمجرد دخولنا المكان والتعريف بهوايتنا بدأت إحدى القاطنات تسرد معاناتها هي وأفراد عائلتها قائلة "رانا عايشن ميزرية كحلة موتنا خير من حياتنا، هذه كانت أولى العبارات التي بدأت بها كلامها مضيفة أنه ما يقارب 18 سنة، ونحن تعيش حياة لا تصلح للجنس البشري، ثم قامت هذه الأخيرة بإدخالنا لبيتها الذي هو عبارة عن غرفة واحدة ومطبخ مبنية بالزنك والترنيت لا تقي من قر الشتاء وحر الصيف، ناهيك عن الخطر المحدق بهم نتيجة إيصال الخيوط الكهربائية بطريقة عشوائية داخل البيت، والتي كثيرا ما انجر عنها حدوث شرارات تهدد حياتهم وحياة أبنائهم الصغار، والوضع يتأزم يوما بعد يوم، خاصة أن معظم العائلات لها أبناء كبار في سن الزواج، والذين بدورهم عزفوا عن هذا المشروع الذي أصبح مستحيلا في ظل انعدام السكن، وفي ذات السياق صرّح لنا أحد الشباب يبلغ من العمر 28 سنة أنه لا يفكر إطلاقا في الزواج وأن هذا الأمر بعيد عن تفكيره، قائلا ما ملقيتش وين نغطي راسي كيفاش نتزوج وندير مرا ودراري، وين نسكنهم تحت الزنك، وبهذه العبارات تركنا المكان واتجهنا إلى باق أنحاء الحي لنتقصى أكثر الوضع.