وصف الله عزّ وجلّ سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله في الآية الكريمة'' ''لَقَدْ جَاءَكُم رَسولٌ مٍنَ أنْفُسِكُم عَزِيزٌ عَليهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَليكُم بِالْمؤمِنينَ رؤوفٌ رحيمٌ''. لهذا بذل حبيبنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم كلّ جهده في دعوة أمّتِه وإخراجها مَن الظلمات إلى النور، ولذلك أرجأ استجابة دعوته شفاعة لأمّته غداً يوم القيامة. من أعظم النِّعم الّتي أنعَم اللهُ بها علينا في الدنيا إنْ لم يكن أعظمها على الإطلاق هي أنّه أرسل إلينَا رسولاً يُخْرِجنا من الظلمات إلى النُّور، من طريق الضّلال إلى طريق الهداية، من طريق الجهل إلى طريق العلم، من طريق التّخلُّف إلى طريق التقدم والحضارة، من طريق سوء الخُلُق إلى طريق حسن الخُلُق، وقد أرسله الله رحمة لنا كما قال تعالى: ''وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ''. وقال تعالى: ''لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ''. فمِن دلائل حُبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّتِه أنّه خبَّأ دعوته إلى يوم القيامة ليشْفَع لنا بها عند ربّنا سبحانه وتعالى كما في حديث الشّفاعة المشهور عن أبي هريرة: ''فيقولون يا محمّد أنت رسول الله وخاتَم الأَنبياء وقد غُفِر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر اشْفَعْ لنا إلى ربِّك ألاَ ترى ما نحنُ فيه، فَأَنْطَلِقُ فآتِي تحت العرش فأَخِرُّ ساجِداً لربِّي ثمّ يفتحُ الله عليّ منْ محامِدِه وحُسْنِ الثّناء عليه شيئاً لم يفْتَحْه على أحد قَبْلِي، ثمّ يُقال: يا محمّد ارْفَعْ رأسك سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فأقول: يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي، فيقول: يا محمّد أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَبْوَابِ'' رواه الترمذي. وجاء في صحيح البخاري في حديث الشّفاعة العظمى عن أنس رضي الله عنه وفي الحديث قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''فيأتوني، فأستأذن على ربّي في داره فيؤذّن لي عليه، فإذا رأيتُه وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمّد، وقُل يُسمَع، واشفع تُشَفَّع، وسَلْ تُعْطَ، قال: فأرفعُ رأسي فأُثْنِي على ربِّي بثناء وتحميد يعلمنيه، فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنّة''. وتأمَّل محبّة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك، إنّه لمْ يَدْعُ لنفسه، ولكنّه يدعو لأمّته، ويظهر ذلك واضحاً في الحديث الّذي يرويه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ''. وكذلك ما جاء في الحديث الّذي يرويه مسلم عن عبد الله بن عمرِو بن العاص رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، فقال الله عزّ وجلّ يا جبرِيل اذْهَبْ إلى محمّد وربُّك أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ، فَأَتَاهُ جبريل عليه السّلام فسأَلهُ فأَخْبَرَهُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بِمَا قال وهُوَ أَعْلَمُ، فقال الله يا جبريل اذْهَبْ إلى محمّد فقُلْ إنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ''. انظُر إلى بكاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل أمِّته، وأنتَ لم تَبْكِ مِن أجْلِ نفسك، وغارق في ملذّاتك، وهو قد غفر الله له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر، ألاّ يستحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حُبَّك؟