يرى عبد الحميد بوداود، رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين، أنه لا يوجد أي إحصاء دقيق للحظيرة العمرانية الموجودة في بلادنا، وحالتها، في مختلف البلديات، ويتحدث في هذا الحوار عن التأثيرات المحتملة لحدوث زلازل، أو كوارث طبيعية أخرى، إزاء البنايات الموجودة، ويؤكد أن الحديث عن مشاكل المدن عموما، وما يرتبط بذلك على صعيد العمران، لا ينبغي أن ينحصر في الحديث عن السكن فقط، مع وجود جوانب أخرى، ويتحدث أيضا عن آليات، يتعين العمل بها، لتبديد الازدخام المروري الذي يشكل هاجسا لدى الجزائريين. الزلازل تتكرر، لاسيما في العاصمة والمناطق المحيطة بها، كيف تنظرون إلى احتمال تضرر البنايات الموجودة بها، حتى لا نقول احتمال تعرضها للانهيار؟ أول نقطة هي ضرورة أن تكون لكل بلدية ما يعرف بالخارطة الزلزالية ولكن هذا الأمر غير موجود لدى البلديات. ماذا تقصدون بالخارطة الزلزالية؟ هي معرفة إن كانت البلدية موجودة في منطقة زلزالية أم لا، وهذا الأمر عادة ما يجهله السكان، ولو وجدت مثل هذه الخريطة في كل بلدية لكان الأمر مختلفا من هذه الناحية، وفضلا عن ذلك، الأمر لا يتعلق فقط بالزلازل ولكن هناك الفياضانات أيضا، وهناك جهل، على هذا الأساس، بمخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا ما يتطلب تنظيم الأبواب المفتوجة للتحسيس بالموضوع. هل هناك تقديرات عن العمارات المهددة بالانهيار؟ في سنة 1962، أي بعد الاستقلال، كان هناك مليون و900 ألف وحدة سكنية وقد مرت منذ ذلك الحين، 52 سنة، وهذا الرقم كان موزعا بواقع 600 ألف وحدة سكنية بجهة العاصمة، و450 ألف وحدة سكنية بجهة وهران، فضلا عن أكثر من 600 ألف وحدة سكنية أخرى جهة قسنطينة، و150 ألف وحدة في الجنوب. هناك أيضا السكنات التي تم بناؤها انطلاقا من سنة 1970 وإلى يومنا هذا.. وعمرها الآن حوالي 40 سنة. هذه السكنات كلها تعرضت للقدم رغم أنها يمكن أن تتأثر بشكل متفاوت، حسب قدمها. هناك 1451 بلدية عبر التراب الوطني وكل منها ينبغي أن تقوم بخبرة دقيقة، ومن ثم تصنيف العمارات وتحديد ما إذا كانت في حاجة إلى ترميم أو تجديد أو تهديم أو غير ذلك، ولكن لا شيء من ذلك موجود في الواقع، ولا أحد من رؤساء البلديات يعلم بدقة الحظيرة العقارية الموجودة في البلدية التي يشرف عليها، عكس ما هو وجود في البلدان المتقدمة. زيادة على ذلك نركز دائما في الحديث عن السكن، لكن هناك محاور أخرى تتعلق بالشبكات غير الصالحة للكهرباء والغاز وغيرها، ولهذا لا بد من إنجاز الخبرة بكل دقة وإنجاز الدفتر الصحي للعمارة أو الحي، وبالتالي دفتر الصيانة. ماذا بالنسبة معطيات تتحدث عن وجود 1400 عمارة مهددة بالانهيار في العاصمة وحدها؟ ما أستطيع قوله هو وجود سبع بلديات في العاصمة موغلة في القدم، ولا بد من إعادة بنائها، مثل سيدي محمد والمدنية وباب الوادي وحسين داي وعين البنيان.. أعلم أن الأمر ليس هينا بخصوص التعامل مع الناس في هكذا موضوع ولابد من الصرامة، ولكن بالمقابل لابد من وجود تحسيس لاسيما وأن هذه البلديات تحتاج إعادة بناء بالكامل، ومنذ حوالي ستة أشهر سقط حجر من شرفات إحدى البنايات، بساحة موريطانيا، وتسببت الحادثة في وفاة شخص. وبالنسبة للذين يقومون فرادى بالترميم، أتساءل هنا عن دور المسؤولين في هذا الإطار. ولكن الشائع أن البنايات القديمة هي الأكثر صمودا، قياسا إلى البنايات التي يتم إنجازها حديثا، هل هذا صحيح؟ إنه سؤال وجيه فعلا ولابد من طرح سؤال حول هذه المفارقة. في السابق كان لكل بلدية الخارطة الجيولوجية الخاصة بها، ولكن الأمر لا ينطبق على هذه البلديات في الوقت الحالي، وحتى إذا سلمنا بعدم وجود إحصاءات بخصوص الحظيرة العقارية في كل البلدية، فلابد على الأقل من وجود هذه الخريطة الجيولوجية. رأينا كيف أن إحدى العمارات بالمحمدية شرق العاصمة كان طولها أفقيا أكثر من مائتي متر وارتفاعها بمقدار ثلاثة عشر طابقا.. لم يؤثر عليها زلزال بومرداس في 2003، رغم قربها من البحر، والسبب يعود إلى طريقة بنائها التي اعتمدت على إبعاد واجهة العمارة عن شاطئ البحر ورطوبة هذا الأخير، ما جعلها تصمد بقوة رغم مرور السنوات الطوال على بنائها. هناك أيضا مشكل الازدحام المروري الكبير في المدن، هل تعتقدون أن هيكلة هذه الأخيرة يلعب دورا في إيجاد وتعميق هذا الازدحام، وما هو الحل إن كان هذا السبب صحيحا؟ أكرر مرة أخرى، لا وجود لثقافة في النقل، سواء لدى المسؤولين أو لدى المواطنين البسطاء، وكمثال على ذلك فإنه قبل عقود كاملة وطويلة كان هناك ما يعرف بالتذاكر طويلة الخطوط، والتي تسمح للمتنقل باستعمال خطوط نقل منفصلة، وفي اتجاه واحد، بتذكرة نقل واحدة، وهذا الأمر منعدم في وقتنا الحالي. نعطي هذا المثال من باب الإيجابيات الموجودة في آلية يمكن لها تشجيع استعمال وسائل النقل العامة، وبالتالي التقليل من الازدحام المروري، ومع إنجاز "الترامواي" و"الميترو" ومن دون إنجاز الدراسات الاجتماعية المرافقة فكأننا لم نفعل أي شيء. من جانب آخر، أيام الاستقبال في كل الإدارات، هي الأحد والثلاثاء من كل أسبوع، والأمر يمكن إخضاعه لتوزيع أيام استقبال مختلفة على الجهتين الشرقية والغربية للعاصمة، من أجل تحقيق التوازن. ومن جانب ثالث يمكن اعتماد تنقل السيارات باستعمال التناوب القائم على لوحات الترقيم الفردية والزوجية، كما هو موجود في دول متقدمة نجحت في تطبيق هذه الطريقة، ما مكنها من تخفيف الازدحام المروري في المدن الكبرى. وبالنسبة للذين يعتقدون أن هذه الطريقة الأخيرة يمكن لها المساس بحرية الأشخاص في استعمال مركباتهم، لابد من الإشارة إلى أهمية اعتماد إقناع الناس بذلك وإعطائهم الثقافة اللازمة للموضوع، مع ضرورة توفير النقل العمومي الكافي، وهناك أيضا مسألة النقص الموجود في آلية استعمال الأضواء لتنظيم حركة المرور بالعاصمة، وهذه الآلية مهمة جدا لتنظيم حركة المرور، وتخفيف الضغط المروري بتوزيع محكم لتنقل المركبات بمختلف الشوارع في المدن. وفضلا عن ذلك الطرق التي شيدت منذ عقود كانت تتماشى مع وضعية معينة وعدد المركبات، ولم تجسد وفقا للوضعية الحالية بوجود حوالي خمسة ملايين سيارة. وبخصوص هذا المحور من الحديث، أقول إن السيارات تلوث المدن، مع بالغاز الكربوني، لا ينبغي لها في الواقع الدخول إليها ومن الضروري ركنها في الضواحي، كما هو موجود في الدول المتقدمة، ولا بد أيضا من إيجاد مواقف للسيارات، وأن يتم إلزام مشيدي المنازل الفردية بتخصيص مرائب للسيارات في بيوتهم ومنعهم من استعمال المساحات، التي يفترض أن تكون مرائب للسيارات، كمحلات تجارية مثلما نرى ذلك كثيرا. هذه هي العناصر المرتبطة بوجود الازدحام المروري ولابد من الإشارة إلى أن شراء السيارات بالتقسيط أثر كثيرا في الوضعية ومن الحيوي هنا التوسع إلى الضواحي، غير أن هذه الضواحي مهيكلة بشكل سيئ.. ما علاقة هذا بأزمة السكن، ما دام العمران يشملهما؟ من الخطأ حصر الكلام في السكن فقط واللذين يتحدثون عن أزمة السكن وما يتطلبه ذلك من إنجاز السكنات، عليهم أولا الحديث عن السكنات المغلقة وهذا واقع، فضلا عن وجود حوالي مليون ومائتي ألف بناية غير مكتملة الإنجاز، ولا يمكن الحديث عن أزمة السكن في حين أن مسؤولي البلديات لا يعرفون حتى ما هو موجود في حظائرهم العقارية بالبلديات التي يشرفون على تسييرها، لابد إذن من جرد شامل في هذا الإطار، في كل البلديات، ليس فقط من حيث جرد البناءات ولكن أيضا جرد الأوعية العقارية الموجود مع إحصاء الحاجات والطلبات، ومن هنا يمكن معرفة حالة كل بلدية من جانب أزمة السكن، وهذه الأخيرة لا يتم تناولها من المنطلق الصحيح عندما يتم اللجوء إلى بناء سكنات جديدة في الوقت الذي يتم فيه إهمال ترميم البنايات القديمة. لماذا إذن لا تكون هناك إستراتيجية تعتمد على القيام بالترميم جنبا إلى جنب مع بناء السكنات الجديدة؟ بهذه الطريقة يتم تحقيق التوازن في هذا المجال كما أنه من الضروري توزيع السكنات التي يتم إنجازها تحسبا لثلاث فئات: أصحاب البيوت القصديرية، وأصحاب السكنات الهشة، إضافة إلى جزء يتم حفظه تحسبا لحدوث كوارث طبيعية، وعلى هذا الأساس لن يكون هناك خلل أو توتر يصاحب عملية توزيع السكنات مهما كانت الظروف المحيطة بالعملية. السلطات العمومية تمنح سكنات للمتضررين من الزلازل والكوارث الطبيعية بمنطق الطابع الاستعجالي.. أليس هذا منطقيا في رأيكم؟ بالضبط "الطابع الاستعجالي".. وهذا ما يؤثر سلبا على الموضوع برمته كما أن هذا ما يتماشى مع ما أكدته سابقا من أنه لا توجد إستراتيجية، ولو وجدت إستراتيجية محكمة فإن الطابع الاستعجالي لن يكون له تأثير، وحتى إن كان له تأثير سيكون ضعيفا، كما أن إيجاد هذه الإستراتيجية هو من صميم دور المسؤولين. هل ترون أن الوتيرة الحالية لإنجاز السكنات كافية لتحقيق الأهداف المعلنة؟ لقد تم إعلان إنجاز مليون ومائتي ألف وحدة سكنية، ومن جهة أخرى يتم الحديث عن عدم وجود الأيدي العاملة الكافية لإنجاز السكنات الموجودة في مختلف البرامج.. إذن فليواصل القائمون على هذا الملف القيام بالإنجاز وفق الأيدي العاملة التي استطاعت إنجاز المليون ومائتي وحدة سكنية المعلن عنها، ودائما في أثناء صيرورة الإنجاز يتم الحديث عن قلة مؤسسات الإنجاز ونقص الأيدي العاملة في بناء السكنات إذن فليواصلوا على وتيرة إنجاز المليون ومائتي ألف وحدة سكنية.. هذا الوضع يؤشر على عدم وجود إستراتيجية ولقد تعاقب 34 وزير، منذ سنة 1997، على هذا القطاع ولا أحد منهم جاء بإستراتيجية. وبالنسبة لنا نحن في المجمع الوطني للخبراء المهندسين نؤكد أن على وزير القطاع أن يعمل مع زميله في التكوين المهني والتمهين من أجل تكوين الأيدي العاملة الضرورية في قطاع السكن، علما أن هناك قرابة 1200 مركز تكوين مهني عبر الوطن. من جهة أخرى يمكن لوزارة السكن، صاحبة القرار في تصنيف وتأهيل مؤسسات الإنجاز، أن تشترط على هذه المؤسسات توظيف الأيدي العاملة من مراكز التكوين المهني والتمهين، فضلا عن ذلك ينبغي على هذه المؤسسات أن تساهم في التكوين بواقع واحد بالمائة من فيمه الصفقات سنويا، سواء كانت هذه المؤسسات عمومية أو خاصة، ويمكن لمراكز التكوين المهني الموجودة أن تخرج إلى سوق العمل في هذا المجال، ووفقا لتقديراتنا، ما يعادل حوالي 400 ألف عامل على الأقل مع انتهاء كل فترة تكوينية ومن الضروري الإشارة، في الأخير، إلى ضرورة الاستعانة بالخبرة التكنولوجية المتراكمة في البلاد، فيما يخص قطاع السكن، على غرار ما تم تحقيقه في بناء السكنات الجاهزة، مع اعتماد الشراكة أيضا مع المؤسسات الأجنبية، في مجال الإنجاز دائما، لكن من خلال أن تقوم هذه الأخيرة بتكوين الإطارات والأيدي العاملة الجزائرية عموما، على اعتبار أن هذا الأمر تحقق إلى حد الآن بشكل خجول.