كانت سنة 2015 سنة حاسمة من حيث التراجع المفاجئ في أسعار النفط وضع حدا لرخاء نسبي، واثر بشكل خطير على المالية العمومية وادى الى تبني سياسة مالية أكثر صرامة. وحسب المحللين، تراجع الأسعار العالمية للنفط سيستمر على المدى القصير والمتوسط حيث تسبب في خسارة الجزائر لنصف عائداتها الخارجية خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2015 وأعلن نهاية فترة طويلة من التوازنات الاقتصادية الكلية بما في ذلك الديون الخارجية التي كانت تكاد تنعدم. وأدى تراجع عائدات بيع المحروقات الى عجز مس الميزان التجاري وميزان المدفوعات والخزينة وزيادة في معدل التضخم في سياق التراجع الكبير للعملة الوطنية. كما تقلصت احتياطات الصرف ب30 مليار دولار في سنة واحدة لتستقر عند حوالي 150 مليار دولار نهاية 2015 حسب توقعات رسمية. وعرف صندوق ضبط الإيرادات نفس المصير وهذا بارتفاع كبير للسحب في 2015 من دون تسجيل أي دفع في عشرة أشهر. وقال الوزير الأول عبد المالك سلال "للجزائر كل الفرص للحصول على قروض" بفضل قدراتها وإمكانياتها المتاحة لوضع حد لمظاهر الشك والخوف. وأضحى اللجوء الى الاستدانة من الخارج -الذي تم التخلي عنه خلال سنوات البحبوحة المالية- يفرض نفسه في 2015 كإحدى خيارات التمويل شرط الحصول على هذه القروض المحتملة بشكل حصري من المؤسسات وليست الدولة، حسبما ينص عليه قانون المالية 2016. وبعد سنوات من القوانين المالية التي تقدم للمؤسسات تخفيضات وإعفاءات جبائية من خلال ميزانية الدولة قررت الحكومة إشراك هذه المؤسسات في تمويل مشاريعها. كما قررت الحكومة وضع وسيلة تعديل تتمثل في "آلية الحفاظ على توازن الميزانية" التي تسمح تجميد او الغاء قروض في حالة اضطراب التوازنات العامة. ونظرا للتراجع الكبير في مداخيل العملة الصعبة و ضرورة إيجاد موارد أخرى إضطرت الحكومة لوضع قانون مالية 2016 بإجراءات جبائية من شأنها الرفع من أسعار بعض المواد الاستهلاكية خصوصا المواد الطاقوية التي ظلت منذ مدة طويلة محددة بأسعار لا تعكس سعرها الحقيقي وهي إجراءات اعتبرتها المعارضة السياسية "غير اجتماعية". ويرتقب القانون فتح كلي أو جزئي لرأس مال المؤسسات العمومية لجلب موارد مالية جديدة وتخفيف الضغط على الخزينة العمومية في حين يرفع بنسبة 5ر7 بالمائة من التحويلات الاجتماعية بالرغم من تراجع مصاريف وعائدات ميزانية الدولة ل2016 مقارنة ب2015. وبالتالي تميزت الأشهر الأخيرة من هذه السنة بانقسام الرأي العام والطبقة السياسية وخبراء الاقتصاد حول التخوفات من أثار الأزمة المالية على الجبهة الاقتصادية والاجتماعية على المدى المتوسط من جهة وحكومة مؤمنة بعدالة إجراءاتها من جهة أخرى. وتتمحور هذه الإجراءات حول عقلنة النفقات وتفعيل الموارد المالية في ظل المحافظة على معظم المكاسب الاجتماعية والتي يخصص لها 20 بالمائة من ميزانية الدولة. ومن هذا المنطلق تم خلال الصائفة إطلاق عملية "الامتثال الجبائي الطوعي" التي أسالت الكثير من الحبر حيث تهدف لاستقطاب رؤوس الأموال الناشطة في السوق الموازية نحو البنوك وإجراء ضرورة استعمال الصكوك في العمليات التجارية التي تفوق 500.000 دج المقرر في نفس الفترة.