حسين آيت أحمد، شخصية أتقنت التوازن بين الفكر والعمل والتنظيم، نبذ القرارات الارتجالية، وعمق التفكير السياسي والتجارب التي مر بها في مختلف مراحل حياته. رجل أكسبته حياة المنفى والسجون، صرامة وانضباطا في اتخاذ القرارات السياسية، لعب دورا أساسيا مع إخوانه في إشعال فتيل الثورة على المستويين المغاربي والعربي والإسلامي، حضر مؤتمر باندونغ لإيصال صوت الثورة الجزائرية إلى الرأي العام العالمي، كما شارك في سابقة تتعلق بالقانون الدولي، عندما تمكن الوفد الجزائري بمساعدة بعثات عربية وإسلامية، من إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1956، في وجه قوة استعمارية كبيرة. مسيرة الرجل تعكس بعده الإنساني وإحساسه بآلام الآخرين، علاوة على أنه إنسان مثقف يتقن قراءة وكتابة ست لغات ولم يتوقف يوما عن التعلم، مع حفاظه على الثقافة الشعبية، ما جعله يجمع بين الأصالة والحداثة، وبين المحلي والعالمي بطريقة متوازنة، وما ميز سي الحسين عن بقية أبناء جيله من الذين ساهموا في الثورة التحريرية، أنه بقي ثابتا في نضاله من أجل بناء الديمقراطية، وإقرار كرامة الجزائري، وهذا ما جعل منه رجل كل المراحل، و كان جديرا بوسام زعيم الجزائر. التحاقه بالثانوية وبداية نضاله السياسي ينتمي حسين آيت أحمد إلى عائلة دينية، حيث كان جده الشيخ محند الحسين مرابطا ينتمي إلى الطريقة الرحمانية، أما هو فعندما بلغ الرابعة من عمره دخل الكتاب لحفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه ، وعندما بلغ السادسة تحول إلى المدرسة الفرنسية دون أن ينقطع عن حفظ القرآن الكريم، ثم بثانوية تيزي وزو، و بعد نجاحه في مسابقة الدخول إلى ثانوية الجزائر بحصوله على علامة 39 في شهادة الدراسة، اضطر للالتحاق بثانوية فرومونتان ، أين انخرط في حزب الشعب الجزائري، متأثرا آنذاك بمصالي الحاج الذي أثار إعجابه. وبداية من سنة 1944 عاد آيت أحمد مع رفاق آخرين للدراسة في ثانوية بن عكنون، وهي الفترة التي اعتبرها من أجمل المراحل ،لأنه في تلك الفترة تشكل الاتحاد بين فرحات عباس وحزب الشعب لمصالي الحاج وجمعية العلماء المسلمين، وكان يمثل جبهة وطنية انصهرت فيها كل الفئات الاجتماعية ، وفي تلك الفترة كان الوعي السياسي لدى الطلبة الجزائريين منتشرا بقوة ، فكان مع رفقائه الطلبة ينشرون جريدة الطالب الوطني التي كانت تستنسخ في غرفة المراقب العام آنذاك عمار بن تومي، الذي أصبح أول وزير عدل في الجزائر المستقلة، وقام الطلبة في الثانوية بتوسيع علاقاتهم مع طلبة الجامعة وكونوا جمعية لطلاب الثانوية يرأسها عبد الرحمن كيوان، وكانوا يزورون شخصيات بنادي الترقي للعلماء وبجريدة أحباب البيان. وفي يوم 16 ماي 1945 التحق آيت أحمد بالجبل، بعد أن قصد في يوم 15 ماي المدعو "واعلي " فرع بن عكنون بحثا عن متطوعين للالتحاق بالجبل، وتحدث حسين في مذكراته عن اللحظة التي قرر فيها مصيره النضالي بالجبل وكتب " شخصيا ، تريثت وأعطيت لنفسي مهلة للتفكير، لم يكن من السهل ترك الدراسة في خضم الاستعدادات الحثيثة للجزء الأول من شهادة البكالوريا ، التي كان يفصلني عنها أقل من شهر، وهناك عائلتي التي كنت سأقضي على أمالها، إضافة إلى جملة من التساؤلات السياسية ، ولم أتمكن من اتخاذ القرار إلا بعد يوم من التفكير ولا أذكر أن القطيعة كانت مؤلمة بالنسبة لي"، و بقي "سي الحسين" على مستوى المنظمة السياسية في الجزائر العاصمة إلى غاية نوفمبر 1947 حيث كلف برئاسة المنظمة الخاصة التي كانت مهمتها التحضير للثورة. هندس رفقة بن بلة للاعتداء على بريد وهران لتمويل الثورة قرر حسين آيت أحمد خلال اجتماع مع عناصره إيجاد مصادر مالية لتمويل أنشطة المنظمة وشراء السلاح من آجل التحضير لمعركة التحرير، ووقع الاختيار على مركز بريد وهران على أساس المعلومات التي استقاها أحمد بن بلة مسؤول المنظمة السرية بناحية وهران من أحد موظفي البريد "جلول نميش" وهي المعلومات التي تفيد باستقبال بريد وهران كل أول يوم اثنين من كل شهر مبالغ مالية كبيرة يتم توزيعها على مكاتب البريد الأخرى، وعلى ضوء هذه المعلومات أبلغ آيت أحمد الأمين العام لحزب الشعب الجزائري" حركة انتصار الحريات الديمقراطية" "حسين لحول" بالمشروع، و قد تحصل بفضل الدعم الكبير الذي تلقاه من حسين لحول على الضوء الأخضر من قبل القادة القلائل الذين علموا بالعملية شريطة أن يتخذ منفذو العملية الاحتياطات اللازمة من أجل عدم تعريض سرية المنظمة للخطر، و عدم توريط الهيكل القانوني لحزب الشعب الجزائري"حركة انتصار الحريات الديمقراطية"، و بعد تحديد يوم الفاتح من مارس للقيام بالعملية لم تنجز في هذا التاريخ بسبب حالة السيارة التي خصصت للعملية التي لم يتمكن من استخدامها، فتم تحديد تاريخ آخر و هو أول اثنين من الشهر الذي يلي والذي وافق 5 أفريل، ومثلما حدث في الشهر الذي سبقه تنقل آيت أحمد إلى وهران مرفوقا ب"عمر حداد" وبوسط المدينة رصد آيت أحمد سيارة "سيتروان" سوداء مع ملصقة تعلم بأن صاحبها طبيب فقامت المجموعة بسرقتها بعد تحديد هوية صاحبها واختطافه ووضعه في مكان آمن حتى لا يقوم بالإبلاغ عن سرقة سيارته وتنبيه القوات الفرنسية، و في اليوم الموالي وفي حدود 7 و 45 دقيقة صباحا كان الكومندوس بعين المكان وتمكن أحد عناصره من الوصول إلى شباك التلغراف وسمح لرفاقه بالوصول إلى القاعة التي تحفظ فيها الأموال و فوجئت المجموعة بعاملين كانا داخل الغرفة يقومان بعد المال فقامت بتصفيتهما، وعلى عجل قام أعضاء المجموعة بجمع أكبر قدر من الأموال و الهروب بالسيارة وسط دهشة المارة وزبائن المقهيين المحاذيين "ليغلون" و "فالوريس"، و قد كللت العملية بالنجاح على الرغم من أن المبلغ الذي تم جمعه لم يكن كبيرا ثلاثة ملايين فرنك، (3.178.000 فرنك) ، و سيذكر التاريخ دائما أسماء آيت أحمد و أحمد بن بلة وحمو بوتليليس والأخوين لوناس وعمر خطاب و بلحاج بوشعيب المدعو سي أحمد و محمد خيدر إضافة إلى جلول نيمش المدعو سي بختي كونهم المهندسين المباشرين أو غير المباشرين لهذه العملية البطولية. فتح جبهة دبلوماسية لتقرير المصير آيت أحمد،هو آخر القادة التسع، الذين بدؤوا حرب الاستقلال ضد فرنسا، ويعتبر وريث حزب نجم شمال أفريقيا، الذي أسس عندما انهارت أحلام القوميين بشأن احتمالية نجاح النضال السياسي السلمي ضد فرنسا، ولا زال مؤرخون يكتشفون جوانب خفية من كفاح حسين آيت أحمد من أجل الوطن من بينها جولته الآسيوية التي استهلها في 1953 بغرض إنشاء لجان دعم لتقرير مصير الجزائر لا سيما في سياق مشاركته في أول ندوة للأحزاب الاشتراكية الآسيوية برانغون "بورما"، وقاد الفقيد الذي كان عضوا في مجموعة ال9 التي فجرت ثورة التحرير الوطني عندما كان في القاهرة رفقة محمد خيدر وأحمد بن بلة، وفد جبهة التحرير الوطني خلال ندوة باندونغ سنة 1955، وكان له الفضل في إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال هذه الندوة التاريخية بعد أن نجح في الحصول على موافقة الرئيس سوكارنو عقب أسابيع طويلة من النشاط المكثف قبل افتتاح أشغال هذا الحدث المتميز لحركة عدم الانحياز، معلنا بالتالي عن فتح الجبهة الدبلوماسية لتقرير مصير الجزائر، كما كان أول ممثل لجبهة التحرير الوطني لدى منظمة الأممالمتحدة، وضاعف هذا المناضل من أجل القضية الوطنية جهوده رفقة أمحمد يزيد لمحاولة إقناع المجتمع الدولي بشرعية كفاح الشعب الجزائري من أجل الاستقلال، وساهم هذا المناضل الباسل من السجن الذي اعتقل فيه رفقة بن بلة وخيذر وبوضياف ولشرف في قيادة الثورة لما اقترح فكرة تأسيس حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية بتاريخ 19 سبتمبر 1958 حسبما أكده رضا مالك.