عُرف الزعيم الراحل حسين أيت أحمد بثبات مواقفه وكفاحاته المتعددة من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث يشهد له التاريخ كونه أبا للمعارضة السياسية في الجزائر، بتأسيسه أول حزب سياسي معارض بعد الاستقلال ونضاله ضد الأحادية الحزبية، وكذا دفاعه عن الوحدة الوطنية وعن الحريات الأساسية.. ينتمي حسين آيت احمد إلى عائلة دينية، حيث كان جده الشيخ محند الحسين مرابطا ينتمي إلى الطريقة الرحمانية، وتربى هو على تعاليم الدين الإسلامي التي استمدها من مواظبته على قراءة وحفظ القرآن في صباه، ولم ينقطع عن ذلك رغم دخوله المدرسة الفرنسية بمسقط رأسه، قبل أن يلتحق بالثانوية ببن عكنون، حيث برزت لديه قدرات خارقة للقيادة السياسية إلى جانب مناضلين وطنيين آخرين، صنعوا الكفاح من أجل استقلال الجزائر، أمثال عمر أوصديق وبناي واعلي وعمار ولد حمودة وسعيد شيبان وإيدير آيت عمران. مدافع شرس عن الحرية والاستقلال وعُرف هذا المناضل الشهم الذي لم يتخلف عن النضال السياسي من أجل الاستقلال بعد التحاقه بحزب الشعب الجزائري، بدفاعه الشرس عن القضية الوطنية منذ ريعان شبابه، حيث قدّم سنة 1948 تقريرا حاسما حول أشكال واستراتيجية الكفاح المسلح من أجل الاستقلال. كما لعب دورا بارزا في المنظمة الخاصة شبه العسكرية التي ترأّسها خلفا لمحمد بلوزداد، وكان قائدا منقطع النظير؛ إذ قام بإعداد مطويات حول التكوين العسكري، تم توزيعها على كافة مناضلي هذه المنظمة. وبرز آيت أحمد سريعا خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب الشعب الجزائري في 1948 بمنطقة "زدين" بالقرب من الشلف. ولم تثبط الأحداث التي شهدها حزب الانتصار للحريات والديمقراطية، من إرادة هذا السبع المنحدر من أعالي منطقة القبائل، بل صقلت الصعاب مزاجه، وتلقّن الحس الوطني لدى الوجوه البارزة للكفاح من أجل استقلال الوطن، فقاد جولة آسياوية في 1953 بغرض إنشاء لجان دعم لتقرير مصير الجزائر، لا سيما في سياق مشاركته في أول ندوة للأحزاب الاشتراكية الآسياوية برانغون ببورما، كما سجل حضوره بقوة ضمن مجموعة ال9 التي فجّرت ثورة التحرير الوطني. كما قاد الفقيد عندما كان في القاهرة رفقة محمد خيدر وأحمد بن بلة، وفد جبهة التحرير الوطني خلال ندوة باندونغ في 1955، وكان له الفضل في إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال هذه الندوة التاريخية بعد أن نجح في الحصول على موافقة الرئيس سوكارنو، عقب أسابيع طويلة من النشاط المكثف قبل افتتاح أشغال هذا الحدث المتميز لحركة عدم الانحياز، معلنا، بالتالي، عن فتح الجبهة الدبلوماسية لتقرير مصير الجزائر. وكان أول ممثل لجبهة التحرير الوطني لدى منظمة الأممالمتحدة، وضاعف هذا المناضل من أجل القضية الوطنية، جهوده رفقة امحمد يزيد؛ لمحاولة إقناع المجتمع الدولي بشرعية كفاح الشعب الجزائري من أجل الاستقلال. ورغم اعتقاله في سنة 1956 رفقة أحمد بن بلة ومصطفى لشرف ومحمد بوضياف ومحمد خيدر، بعد أن قام الجيش الفرنسي في 22 أكتوبر 1956 بتحويل الطائرة المدنية المغربية في رحلتها بين الرباطوتونس باتجاه العاصمة المصرية، بقي المجاهد الراحل يتواصل من السجن مع قادة جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني حول ضرورة إنشاء حكومة مؤقتة في المنفى، كما كان من الأوائل الذين اقترحوا فكرة تأسيس حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية بتاريخ 19 سبتمبر 1958. نضال متواصل من أجل الحريات.. وبقي آيت أحمد الذي كان مقتنعا بنضاله من أجل الحرية والاستقلال طيلة حياته، وفيا للمثل التي راودته في عز شبابه، حيث واصل نضاله بعد الاستقلال من خلال معارضته نظام الحزب الواحد، فكان أول من فتح مجال المعارضة لشخصيات أخرى من الكفاح من أجل الاستقلال؛ مما أدى به إلى تأسيس جبهة القوى الاشتراكية في سبتمبر 1963 للدفاع عن القناعات الديمقراطية. وبعد اتهامه بالقيام "بتمرد في منطقة القبائل" اعتُقل الفقيد آيت احمد في أكتوبر 1964 وحُكم عليه بالإعدام. وفي سنة 1966 تمكن من الفرار من سجن الحراش ولجأ إلى سويسرا، حيث واصل انطلاقا من منفاه، نضاله السياسي للدفاع عن حقوق الإنسان ومن أجل وحدة مغرب الشعوب. وبعد 23 سنة قضاها في منفاه الاختياري بلوزان السويسرية، حيث تابع دراسته وحصل على ليسانس في القانون من جامعة لوزان وناقش رسالة دكتوراه بجامعة نانسي بفرنسا في سنة 1975 حول "حقوق الإنسان في ميثاق وممارسة منظمة الوحدة الإفريقية"، عاد هذا المناضل من أجل القضية الأمازيغية وحقوق الإنسان، إلى الجزائر في ديسمبر 1989، عقب أحداث أكتوبر 1988 التي مهّدت لفتح المجال السياسي وإقرار التعددية الحزبية، وأقرت بذلك الاعتراف الرسمي بحزبه جبهة القوى الاشتراكية. مدافع مستميت على الديمقراطية النظيفة وإذ شارك "الدا الحسين" مع حزبه في الانتخابات التشريعية لسنة 1991، لم يتوان في التحذير من خطر تغليب السلاح على صناديق الاقتراع بعد إلغاء الدور الأول من تلك الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة. وبعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف في جوان 1992 اضطر آيت احمد للعودة إلى منفاه مجددا في سويسرا، حيث واصل من هناك نضاله السياسي من خلال مواقفه الجريئة التي كان بعضها مثيرا للجدل، على غرار معارضته لوقف المسار الانتخابي، ومشاركته الفعالة في اجتماع "سانت إيجيديو" بروما في سنة 1995 من أجل مصالحة وطنية وإخراج البلاد من الأزمة، إلا أنه لم يفقد يوما الاحترام الكبير الذي ظل يحظى به من قبل الجميع لنزاهة مسعاه السياسي ومعارضته النظيفة. وفي سنة 1999 ترشح الراحل آيت احمد للانتخابات الرئاسية قبل أن ينسحب من السباق رفقة المترشحين الخمسة الآخرين، وظل يدافع عن موقفه وأفكاره السياسية من أجل الجزائر، ومن أبرزها فكرة إنشاء مجلس تأسيسي يعود إليه وضع دستور جديد توافقي من أجل "بناء ديمقراطية حقيقية"، وهي الفكرة التي حملها حزبه "الأفافاس" ودافع عنها في مبادرته الأخيرة، التي سعى خلالها لتحقيق إجماع وطني، مثلما دافع حزب الدا الحسين دوما على الوحدة الوطنية، معلنا مرارا رفضها لكل الأفكار الانفصالية التي أثيرت من قبل بعض التنظيمات التي حاولت المتاجرة بمنطقة القبائل وخصوصياتها. إيمان راسخ بقدرات الشباب وفي ديسمبر 2012 وجّه الفقيد للمجلس الوطني لجبهة القوى الاشتراكية رسالة، أعلن فيها عن إرادته في الانسحاب من الحياة السياسية لأسباب صحية، حيث قال في رسالته: "قناعاتي وحماسي لازالا متّقدين، مثلما كان الأمر في الساعات الأولى من سنواتي ال70 من النضال. وأستطيع القول إن الوقت قد حان بالنسبة لي لتسليم المشعل، وإنني لن أتقدم لرئاسة الحزب في العهدة المقبلة". وكان الفقيد الذي تدهورت صحته في السنوات الأخيرة من عمره، قد أصيب عدة مرات بوعكات صحية، ومنها إصابته بجلطة دماغية في جانفي الماضي، أثرت على قدرته على الكلام، وكان يتابع العلاج بمستشفى لوزان بسويسرا حيث كان يقيم، إلى أن وافته المنية الأربعاء المنصرم عن عمر يناهز 89 سنة، منها أزيد من 70 عاما قضاها في النضال السياسي المستمر. وألّف الفقيد آيت أحمد العديد من الكتب، منها على الخصوص "الالتزام السياسي الأول وبداية الكفاح المسلح" و«جولة دبلوماسية من أجل اعتراف دولي" و«الاستقلال كفاح من أجل دولة ديمقراطية" و«إنشاء جبهة القوى الاشتراكية مقاومة في جبال القبائل" و«ما بعد العشرية السوداء من أجل جمهورية جديدة". كرونولوجيا حياة الزعيم آيت أحمد ❊ ولد حسين أيت أحمد في 26 أوت 1926 بعين الحمام بولاية تيزي وزو. ❊ التحق بحزب الشعب الجزائري عام 1943 حينما كان يزاول دراسته في ثانوية بن عكنون في الجزائر العاصمة. ❊ بعد مجازر 8 ماي 1945 بدأ نشاطه السياسي بانضمامه إلى صفوف حزب الشعب الجزائري وهو طالب في التعليم الثانوي، ثم أصبح عضوا للجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية. ❊ في المؤتمر السري لحزب الشعب الجزائري المنعقد في بلوزداد "بلكور سابقا" عام 1947، دعا إلى تكوين منظمة خاصة تتولى تكوير الكوادر العسكرية لتطوير العمل المسلح، كما كان من أبرز عناصرها وصار ثاني رئيس لها بعد وفاة محمد بلوزداد. ❊ في مارس 1949، أشرف مع أحمد بن بلة على عملية بريد وهران التي تمت وانتهت بالاستيلاء على مبلغ مالي هام. ❊ في سنة 1951 انتقل إلى مصر كممثل للوفد الخارجي لحركة الانتصار بالقاهرة رفقة محمد خيضر. ❊ في جانفي 1953، شارك في الندوة الأولى للأحزاب الاشتراكية الآسيوية المنعقدة في رانغون ببرمانيا والتي دعمت الكفاح التحريري بشمال إفريقيا، قبل توجهه إلى باكستان والهند وإندونيسيا، حيث ساهم في تشكيل لجان مساندة لقضية الاستقلال الجزائري ❊ شارك أيت أحمد في مؤتمر باندونغ عام 1955، وانتقل إلى نيويورك للدفاع عن القضية الجزائرية أمام هيئة الأممالمتحدة، حيث أسس بها في أفريل 1956 مكتبا لبعثة جبهة التحرير الوطني. ❊ بعد مؤتمر الصومام في أوت 1956، عين عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية. ❊ 22 أكتوبر 1956، تم اختطافه رفقة كل من أحمد بن بلة ومحمد خيضر ومحمد بوضياف ومصطفى الأشرف من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية التي حولت طائرتهم المتوجهة من العاصمة المغربية الرباط إلى تونس. ❊ أصبح عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وفي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي أعلن عن تشكيلها في القاهرة عام 1958، وذلك قبل إطلاق سراحه مع زملائه من قبل السلطات الاستعمارية بعد وقف إطلاق النار في عام 1962. ❊ في سبتمبر 1962 وبعد استقلال الجزائر، انتخب في المجلس التأسيسي مرشحا عن دائرة سطيف، غير أنه استقال من المجلس وكان من بين زعماء انتفاضة القبائل ضد الرئيس أحمد بن بلة، كما عارض نظام الحزب الوحيد، وأسس جبهة القوى الاشتراكية. ❊ في 1964 صدر ضده حكم للإعدام بتهمة التمرد على الدولة. ❊ 1 ماي 1966، هرب أيت أحمد من سجن الحراش ومن الجزائر ليعيش في منفاه الاختياري بسويسرا. ❊ حصل على ليسانس في الحقوق من لوزان ثم ناقش أطروحة دكتوراه في جامعة نانسي بفرنسا عام 1975 حول حقوق الإنسان في ميثاق وممارسة منظمة الوحدة الإفريقية. ❊ في 1985 وقع مع أحمد بن بلة نداء موجه إلى الشعب الجزائري من أجل إرساء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ❊ في ديسمبر 1989 عاد آيت أحمد إلى الجزائر وعاش التحولات التي عرفتها البلاد منذ ذلك الحين.. ❊ بعد اغتيال الرئيس بوضياف في جوان 1992، قرر أيت أحمد العودة مجددا إلى سويسرا، ودعا إلى تنظيم ندوة وطنية لتقديم تصور للخروج من الأزمة. ❊ في 1995 كان من الممضين على أرضية "سانت إيجيديو" للخروج من الأزمة مع ممثلي ست تنظيمات سياسية أخرى. ❊ في 5 فيفري 1999 قدم ترشحه للانتخابات الرئاسية غير أنه انسحب منها رفقة المرشحين الآخرين. ❊ في ديسمبر 2012 أعلن انسحابه من الحياة السياسية لأسباب صحية. ❊ توفي الزعيم المعارض أيت أحمد في 23 ديسمبر 2015 بلوزان السويسرية بعد معاناة طويلة مع المرض.