أطلقت المستشرقة البلغاريّة الشّهيرة مايا تسينوفا مجموعتها القصصيّة المترجمة إلى البلغاريّة بعنوان "وحشة اسمها وطن"، حيث هي من اختار القصص ومن قام بترجمتها إلى البلغاريّة. وتعود القصص لأربعين أديبة فلسطينية من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة ومن خارجها. وصدرت المجموعة عن دار مولتيبرينت للنشر والتوزيع، والغلاف من الأعمال الفنيّة للفنانة الفلسطينيّة التشكيلية هنادي بدر. في حين أنّ عنوان المجموعة القصصيّة قد استمدّته الأديبة من شعر للشاعرة الفلسطينيّة منى العاصي التي تعيش في سويسرا عندما قالت "فأنا لا أملك بيتا، قليلا من حجارة الشّعر، تكفيني لأكسر زجاج كلّ وحشة اسمها وطن". وقد تضمنت هذه المجموعة القصصيّة قصصا مترجمة إلى البلغاريّة لكلّ من الأديبات الفلسطينيات وهن الدكتورة سناء الشعلان، وأماني الجنيدي، وأنيسة درويش، وأسماء عزايزة، وغالية أبو ستة، وداليا طه، وجمانة مصطفى، وزهيرة زقطان، وإيمان ريان، ولانا دنديس، وليالي درويش، وليانة بدر، ومنال نجوم، ومنار برهم، ومايا أبو الحيات، ومنى العاصي، وميسر عليوة، ونجاة فواز، ونجاح عوض الله، ونزهة كايد، ونوال حلاوة، ونداء خوري، ونسرين سليمان، وريم تلحمي، وريم حرب، وروز الشوملي، وسلوى رفاعي، وسلام عيدة، وسما حسن، وصونيا خضر، وسمية السوسي، وسهير مقدادي، وفدوى طوقان، وفاتن مصاروة، وهلا الشروف، وخالدة غوشة، وهنادي بدر، وحنين جمعة، وهدى ثابت، وشيخة حسين حليوى. وقد قالت المستشرقة مايا تسيوفا، أن هذا الإصدار الجديد يدخل في سلسلة جهودها العملاقة في ترجمة الأدب الفلسطينيّ إلى اللغة البلغارية، بأن الفكرة انبثقت من كتاب لم يطمح إلاّ إلى جمع باقة من الأصوات الأدبية الفلسطينيّة التي تصنع من الغربة وطنا، فالغربة في حالتها الفلسطينيّة لا تميز بين الفلسطينيين في الداخل والمخيمات والشتات، لكنها في الوقت ذاته عبارة عن السير دون هوادة باتجاه الوطن وإيجاد هذا الوطن في النفوس والقلوب، مضيفة أنها تتقدم للأربعين أديبة فلسطينية اللواتي نسجن بكلماتهن هذا الكتاب، بكل محبتها وامتنانها، وأملها في التواصل المثمر، آملة في انضمام أصدقاء جدد من الأدباء والفنانين والصحافيين والمثقفين، بغية إعادة تركيب الوحشة في الطّريق إلى صنع الوطن. وقد وجّهت مايا تسينوفا رسالة حبّ إلى الأديبات الفلسطينيّات اللّواتي ترجمت بعضا من قصصهن قالت فيها "لأول مرة أقتنع بأن الكتاب كائن حي، حرصت على عدم مصارحة إلا عدد محدود جدا من الأصدقاء على فكرة هذا الكتاب، رغبة مني في تقديم مفاجأة والتي آمل أن تكون حلوة". وأضافت الأديبة، أنها سمحت لنفسها باختيار بعض النصوص التي تعبر عنها بشكل أو بآخر، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، ولم تميز بين مهن الكاتبات "الرسمية"، ولم تهتم بعدد الكتب التي صدرت بأسمائهن، ولا بالجوائز، إنما المهم كان إحساسها الداخلي بالانسجام وصولا إلى تطابق الترددات، كما أنها كانت مطلعة على ما يشبه الإجماع بين الكاتبات بخصوص عدم جدوى تصنيف الأدب والكتابة إلى النسوية والرجالية، فقبل فترة أي سنة 1994 قامت بترجمة مختارات من الشعر الفلسطيني المعاصر (آنذاك) وقد جاء اختيار الأسماء من اتحاد الكتاب الفلسطينيين (على أن تختار بنفسها النصوص ) وتضمن الكتاب 25 شاعرا فلسطينيا بينهم 3 شاعرات، ثم أن مجموعة النصوص المختارة هذه ليست تحليلا نقديا ولا ترشيحا لشيء، بل عبارة عن عرض بعض النصوص على أصدقائها الذين تريديهم أصدقاء قضيتها كذلك، فصوت المرأة الفلسطينية المركب من أصوات 40 امرأة كلهن العاشقات الحازمات رغم شكوكهن، ويواجهن القسوة بالحنين والحنان، والمتكئات كثيرا ما على قشة الوحشة -شأنه شأن المصير النسوي في كل بقاع الأرض- هذا الصوت خير جليس وله المقدرة على إقناع شريكه في الحديث من صميم القلب بأن الأرض الفلسطينية والسماء الفلسطينية موطن لنفس الحب الذي ينجب الحياة في كل مكان وزمان، مشيرة أنها لا تنظر لهذه المختارات كأمر واقع، إنما هي بداية طريق تأمل اصطحابهن فيه. المترجمة لا تريد أن يتوقف دورها عند صدور المجموعة، إذ ترغب في مواصلة مشوار ومسيرة الترجمة للأدب الفلسطيني كنوع من التضامن مع القضية الفلسطينية والانتصار لها وللفن والأدب. ومن أجواء المجموعة القصصيّة المترجمة قصّة بعنوان "ثوب زفاف" بقلم الأديبة الفلسطينيّة الدكتورة سناء الشعلان وفيها "لقد بلي ثوب زفافها لطول استلقائه المهزوم تارة على سريرها، وتارة في قاع حقيبة جلديّة عتيقة تنام فوق خزانة غرفتها. غسلته أكثر من مرّة بعد أن اتّسخ بالغبار وبأيدي اللامسين التي تغفو عليه فرحاً بجماله الأبيض الطّاهر كلما لبسته لتقيسه، وتصبّر نفسها بمرآه، وتعده بفرج قريب. وما أكثر ما تقيسه، وتختال به أمام القريبات والصدّيقات وأمام مرآتها الطّوليّة المشروخة الزّوايا. أشهر طويلة وثوب زفافها ينتظر، ولا فرج يدنو منها ومنه كي تطير إلى زوجها مع وقف التّنفيذ، بعد أن تعبر معبر رفح وصولا إلى أقرب مطار في الإسكندريّة أو في القاهرة كي تستقلّ أوّل طائرة نحو مدينة دبي الإماراتيّة، حيث يقطن زوجها ويعمل، وحيث قابلته لأوّل مرّة منذ سنوات عندما كانت في زيارة يتيمة لأختها المقيمة هناك برفقة زوجها وأولادها منذ عشرين عاما. احتاج زوجها أشهرا طويلة حتى يستطيع أن يرسل أسرته من مدينة الخليل إلى مخيّم الشّاطئ في غزّة كي يخطبها، ثم يسند لوالده بتوكيل رسميّ مهمّة استكمال إجراءات الزّواج بها. منذ تلك اللّحظة وهي تنتظر أن يُفتح معبر رفح كي تلحق بزوجها، لكنّ المعبر مغلق بشكل دائم منذ مدّة طويلة، وهي لم تنجح في المرّات القليلة التي فُتح فيها في أن تجتازه. لبستْ ثوب زفافها لأكثر من مرّة، وانتظرتْ دورها لتعبر المعبر برفقة حقيبتها الجلديّة الوحيدة التي تكدّس فيها جهاز عرسها، ولكنّها في كلّ مرّة كانت تخفق في العبور المبتغى، فتعود أدراجها كسيفة حزينة ترهف السّمع على استحياء وتكتّم لبكاء ثوب زفافها الذي يحلم منذ زمن طويل بأن يطير إلى حضن الرّجل الذي تزوّجته مع إيقاف التّنفيذ على ذمّة معبر ساجن لا يفتح أبوابه حتى لثوب زفاف حزين".