نظمت مؤسسة الشيخ الحاج عبد الكريم دالي بتلمسان بمناسبة ذكرى ميلادها العاشر، ملتقى ثقافي في إطار تكريم خاص لهذا الوجه البارز في فن الموسيقى الأندلسية الذي كان له إسهام كبير في المدرستين الموسيقيتين "الصنعة" و"الغرناطي"، بالتالي إحياء ذاكرة هذا المعلم للموسيقى الأندلسية الوطنية. وقال الجامعي توفيق بن غبريط لدى تنشيطه لمحاضرة خلال الملتقى، أن الشيخ الحاج عبد الكريم دالي (1914/1978) كان "موحد" لمدارس الموسيقى الأندلسية الجزائرية (تلمسانوالجزائر العاصمة وقسنطينة)، مبرزا أن هذا الفنان الراحل استطاع بفضل دخوله عالم الفن في سن مبكر وتنقله المستمر بين مدينتي تلمسانوالجزائر أن يجمع ويؤلف بين المدرستين، مضيفا أن الفنان الراحل كون معارفه الموسيقية بفضل احتكاكه بالعديد من المعلمين فضلا عن انضمامه لعدة فرق موسيقية، كما أنه كان يمتلك موهبة فذة حيث كان يعزف على جميع الآلات الموسيقية وكان يتميز بصوت لا يضاهى، وله أيضا قدرات في الابتكار في مجال التراث بفضل تحكمه في التقنيات الموسيقية والصوتية ما جعل منه عبقري في هذا المجال. وفي الكلمة التي أحيلت إليه تحدث الموسيقي سماعين هني الذي يعد أحد تلاميذ الفنان، عن مسيرته مع الشيخ عبد الكريم دالي في أحد الفصول الإعدادية بالمعهد الموسيقي بالجزائر العاصمة، قائلا أن الشيخ قد قام بتكوين العديد من التلاميذ الذين التحق معظمهم بجمعيات وطنية للموسيقى الأندلسية، مشيرا إلى أن معلمه كان يعير اهتماما كبيرا للميزان. ومن جانبه اعتبر الشيخ صالح بوكلي حسان وهو أستاذ موسيقى ورئيس جمعية الموسيقى الأندلسية "القرطبية" بتلمسان، الراحل ومساره الفني كناقل وممرر للتراث الأندلسي الذي تركه سلفنا. من تلمسانمسقط رأسه الى الجزائر العاصمة المدينة التي استقر بها، كان مشوار هذه الشخصية الفنية ثريا جدا بالتظاهرات والأعمال في خدمة الموسيقى الأندلسية التي لم يتوان في تعليمها طيلة حياته. وقد ولد عبد الكريم دالي في الحي العتيق "حارة ارما" بشارع الموحدين بتلمسان وتابع منذ سن الرابعة تمدرسا تقليديا بجامع جماعة شرفة وبعدها مدرسة العبيلي، وكان يستلهم منذ صغره من موسيقى ونصوص سلفه، كما كان مولعا بآلة الدربوكة والتي تعلمها وهو في سن 11 عاما ضمن أوركسترا الشيخ عبد السلام بن صاري أين تألق وتحكم في مجالها إلى جانب آلات موسيقية أخرى على غرار الناي، وكان لاحتكاكه بالحاج محمد نجادي -الذي امتهن الحلاقة وهو موسيقي هاو ماهر- دور في وضع الفنان الراحل عبد الكريم دالي في الساحة الفنية التلمسانية، حيث كان العديد من الفنانين يرتادون على صالونه مثل الشيخ لزعر بن دالي يحيى والشيخ عمر البخشي. وأصبح بذلك عبد الكريم دالي يشق طريق حياته الفنية التي أثريت من خلال مروره من أوركسترا إلى أخرى وتحكمه بشكل باهر في العزف على مختلف الآلات الموسيقية. كما دعي في 1931 من قبل البروفيسور محمد بن سماعين من أجل الانضمام إلى أوركسترا الجمعية الأندلسية لوجدة في إطار حفل فني بباريس، وشكل بعد عودته أول فرقة أوركسترا وسنه لم يتجاوز 17 سنة ليقوم بالجزائر العاصمة بتسجيل أول أسطوانة وبدأت شهرته تتجلى عبر الوطن. هو فنان ساهم في التقريب بين مدرستي الجزائر العاصمة وتلمسان، فبعد استقراره بالجزائر العاصمة في جوان 1945 شهدت مسيرة الفنان منحى تصاعدي كبير، وذكر بشأنه الكاتب كمال بن ديمراد أنه كان مصالحا ما بين أتباع مدرستي الجزائر العاصمة وتلمسان، حيث كان الطرفان يسعيان للعب الدور القيادي في مجال الموسيقى الأندلسية، وقد استطاع الشيخ دالي أن يفرض وجوده في الساحة الفنية مدعما من قبل الشيخين محمد فخارجي وبودالي سفير على وجه الخصوص، وفي 1957 عين بروفيسور دائم بالمعهد الموسيقي بالجزائر العاصمة خلفا للشيخ محمد فخارجي الذي توفي سنة فيما قبل، كما شارك بعد استقلال البلاد في مهرجانات عديدة للموسيقى الأندلسية بتلمسان وقسنطينة والعاصمة. وقد لمع الفنان الراحل الذي توفي يوم 21 فيفري 1978 بالجزائر العاصمة طيلة مشواره الفني تاركا وراءه تراثا فنيا وموسيقى راقية. ويعد الفنان الراحل ملحنا وعازفا موسيقيا، حيث لمع من خلال أدائه للحوزي والمغربي خاصة لأدائه أغنية "أنا الكاوي" للشاعر المغربي بوعزة. وقد شكل الملتقى الذي نظمته مؤسسة عبد الكريم دالي بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيسها، فرصة لعرض أهم أنشطة هذه المؤسسة الثقافية منذ نشأتها حيث قامت بجمع كل ما يتعلق بالشيخ من صور ووثائق وأسطوانات إضافة إلى إصدار مجلة بعنوان "مقامات الأندلس" وتنظيم الطبعة الأولى لجائزة عبد الكريم دالي لأجمل صوت في الجزائر العاصمة منذ سنتين. وينتظر تنظيم الطبعة الثانية لهذه المسابقة في شهر نوفمبر المقبل. كما تم تنظيم معرض حول حياة وأعمال هذا الموسيقي في بهو قصر الثقافة بتلمسان فضلا عن برمجة حفل موسيقي من إحياء كل من أسماء علا ومدوار محمد من مدرسة الصنعة مرفوقان بفرقة الشيخ عبد الكريم دالي وجمعية "القرطبية" لاختتام هذه التظاهرة.