كرم عشية أول أمس بدار الثقافة" عبد القادر علولة" بتلمسان أعمدة الطرب الأندلسي و هما الشيخ عبد الكريم دالي و الشيخة طيطمة،وتأتي هذه الوقفة التكريمة ضمن سلسلة التكريمات التي ينظمها معرض النوبة لأبرز شيوخ الفن الأندلسي الأصيل الذي كان قد انطلق في الثالث من شهر سبتمبر و المقرر تواصله إلى غدا الخميس،والذي تنظمه دائرة التراث غير المادي و الكوريغرافيا في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية. فبعد تكريم الشيخ العربي بن صاري و ابنه الشيخ رضوان بن صاري في افتتاح معرض النوبة وتكريم رواد الفن الأندلسي ، تم بعدها تكريم الأستاذ سيد احمد سري و الشيخ محمد الطاهر الفرقاني بمعية الشيخ قدور درسوني، و كرم الشيخ الغوثي بوعلي ،و جاء الدور اليوم لتكريم ابرز شيوخ الفن الأندلسي بتلمسان وهو الشيخ على عبد الكريم دالي، والشيخة طيطمة. استهل حفل التكريم بتنظيم مائدة مستديرة نشطها كل من الأستاذ حصار علي،كريش مصطفى، و مراد شوهي بإشراف مدير الإذاعة الجزائرية المختصة في الموسيقى والبحث في التراث، الذي سرد للحضور حياة المكرمين، معرجا في حديثه إلى أهم الأعمال التي لازالت خالدة إلى يومنا هذا، وتطرق فيها الأستاذ حصار بن علي إلى مسار وحياة عبد الكريم دالي الذي يعدّ من أجمل الأصوات الأندلسية، مؤكدا أنه أعطى بصمة جديدة للأغنية الحوزية، فيما تناول الأستاذ مصطفى كرابشي حياة ومسيرة الشيخة طيطمة الفنية والذي أكد فيها أن طيطمة ثابت تعرضت للكثير من المواقف من طرف عائلتها و بعض أصدقائها بعدما اتجهت للغناء،و بإسرارها على ذلك يضيف المتحدث تّم نفيها إلى فاس بالمغرب و كان ذلك سنة 1914، و في سنة 1922 عادة تيطمة إلى تلمسان. من جهته قال مراد دالي نجل المرحوم الشيخ الدالي إن والده كان معلّم الغرناطي و الحوزي التلمساني، و أنه أفنى حياته في خدمة الموسيقى الأندلسية، إذ أشرف على ترقيتها والحفاظ على هذا الإرث الثقافي وتلقينه للشباب، وكلّ من عرفه وعاشره يشهد لشخصيته البسيطة وفائقة الكرم، مضيفا إلى ذلك أن موهبته عظيمة وصوته القوي، و معرفته للجمع بين الطابع الأندلسي التلمساني الغرناطي و العاصمي "الصنعة" ميزه عن بقية الشيوخ. من جهتها أعلنت وهيبة دالي ابنة الشيخ و رئيسة مؤسسة دالي، أنها تعمل على تحضير جائزة عبد الكريم دالي للموسيقى الأندلسية. كما شهدت هذه الاحتفالية تقديم السلسلة الأنطولوجية، وكذا الكتب التي أنجزتها دائرة التراث غير المادي و الكوريغرافيا تكريما للعلمين، إذ قدّم نجيب كاتب من ''مؤسّسة دالي'' ما تمّ إنجازه عن صاحب رائعة ''من زينو نهار اليوم''، هذا و سيتكفّل فيصل بن كلفات بتقديم الجزء الخاص بالشيخة طيطمة. الجدير بالذكر الشيخ عبد الكريم دالي من مواليد عام 1914 بمدينة تلمسان من عائلة فنية، يعتبر من أعلام طابع الحوزي ومن الذين لهم الفضل في تطوير هذا الطابع من الشكل الموسيقي الشعبي إلى المزج بينه وبين الحداثة الكلاسيكية السائدة في ذلك الوقت، وأجاد العزف على آلات عديدة كالمندولين والعود والكمان. أوّل من اكتشف مواهبه هو الشّيخ عمر بخشي الذي علّمه مبادئ الموسيقى الأندلسيّة وواصل رحلته الموسيقيّة مع عبد السلام بن صاري ، شارك في أهمّ الفرق آنذاك وهي فرقة ''العربي بن ساري''، حيث أدّى أغاني أم كلثوم ومحمّد عبد الوهاب، ثمّ انضمّ إلى فرقة ''الشّيخة طيطمة''، وسجّل سنة 1930 استخبار موّال ''مع ناري هيهات تنطفى'' ثمّ عراق ''كيف عمالي وحيلتي''، وسجلّ سنة 1938 ما يقارب العشرين اسطوانة في شركة ألجيريافون وقدّم عروضا مع فرقة إذاعة الجزائر تحت قيادة محمّد فخارجي، ثمّ انضم إليها نهائيا سنة 1952 وشارك في القيام بأنطولوجية الموسيقى الأندلسيّة، حيث قام أيضا بتسجيل نوبات مدرسة تلمسان، وتوفي في 21 فيفري 1978 ودفن بمقبرة سيدي يحيى بالجزائر العاصمة. أمّا سيدة الحوزي، الشيخة طيطمة، فتعدّ من القلائل الذين تناولوا التراث الأندلسي والحوزي والعربي على السواء، كما أتقنت العزف على عدّة آلات موسيقية منها العود، الكويترة والكمان، واشتغلت لسنوات طويلة مع الراحل عبد الكريم دالي وأنجزت معه ثنائيات رائعة، ليبقى في رصيدها 30 أغنية. طيطمة و بفضل صوتها الساحر وإتقانها للعزف تربعت على وسط الغناء الحوزي، حيث كانت تجيد اللغة العربية الفصحى مما ساعدها على سرعة حفظ وإتقان القصائد، كما ساعدتها هجرتها نحو المغرب سنة 1914 على اكتساب مهارات فنية جديدة. عملت طيطمة مع أوركسترا عمر بخشي، كما انضم إليها عبد الكريم دالي وعازف البيانو جيلالي زروقي، الذي وجد في صوت طيطمة ضالته ما جعلها تقفز قفزة نوعية في فن الحوزي الجديد بقصائد لابن المسيب واليعقوبي ومحمد بن سهلة وبن تريكي وأحمد زنقلي. كما أدّت أيضا طيطمة قصائد ذات طابع أندلسي، خاصة بعد انضمامها إلى أوركسترا سيمفونية أوروبية كانت تنشط بمدينة وهران، وتوفيت إثر مرض عضال سنة 1962 لتبقى رائدة في الفن الجزائري وصانعة أمجاد الأغنية في طبع الحوزي و المسامعي. للإشارة هذا التكريم جاء متزامننا مع اختتام معرض النوبة، و الذي سطّرت له دائرة التراث غير المادي والكوريغرافيا لتظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' برنامجا يتمشى و الحدث، هذا وحيث سيقدّم الأستاذ فيصل بن كلفات مجموع مؤلّفات وألبومات الموسيقى الأندلسية وشعراء تلمسان التي صدرت بالمناسبة، إلى جانب عرض صناديق ألبومات كلّ من سلوى، محمد العماري، نصر الدين شاولي وسمير تومي، هذا علاوة على إحياء جوق ''الشيخ رضوان بن ساري'' من تلمسان حفل الاختتام بدار الثقافة ''عبد القادر علولة'' بمشاركة زكية قارة تركي من العاصمة، مريم بن علال، دليلة مقدر وكريم بوغازي.