يكتب بن جبار بطريقة جريئة، ويتطرّق إلى كل ما يمكن أن يخفيه المجتمع، فكثيرون لا يملكون جرأة البوح خاصة وأن "عوّاد" -وهو الاسم الذي يُكنى به في أوائل الخمسينات وهو أب لثلاثة أطفال، لكنه بهذا أراد أن يكون شفافا أمام العالم، سواء من ناحية حياته الخاصة أو من خلال المواضيع التي يذكرها، على غرار الجنس والخمر والسياسة وكل الطابوهات التي يعتبرها الكاتب ضرورية في الكتابة السردية لأنها لا تنفصل عن الواقع الحقيقي، والكاتب ما هو إلا مرآة لمجتمعه. ببساطة أراد نزع الأقنعة الكثيفة بهذا المجتمع الذي يعتمد المظهر كأساس وضرورة للحكم على الأشخاص.وجاء في غلاف الرواية الجديدة "في تلك الردهة الكلّ منشغل بلعنته، رأيت شاعرا يراقص شجرة كاليبتوس وآخر يحمل معه كتاب "الزمن و الكينونة" على الدوام، يعتبر من الشخصيات المهمة في مملكة "الهنا"، يضع نظارات سميكة، يناقش قضايا الحكم والسياسة ويصب جمّ غضبه على جماعة البوبريين واصفا إياهم بأقذع الأوصاف، يلتف حوله مجموعة من أنصاره ومؤيديه، يجوبون مكتسحين أغلب مساحة السور، يهتفون باسمه ويرفعون شعارات غريبة. الصراع على أشده بين الطرفين، لم أستوعب أهدافهم ولا أيديولوجيتهم، نصحني أحدهم أن أنضم إلى أحد الغريمين لتفادي الكثير من المصاعب ولتسهيل مهمتي خلال فترة الإقامة هنا. في حالة وقوفي على الحياد من المؤكد أنني سأموت جوعا وغبنا، سيسلط عليّ الكثير من الظلم وأكون هدفا سهلا من نزلاء الفريقين. وفي مقطع من الرواية "يحدث أن نشمئز من شيء ما، أو نشعر حياله بالرعب، نفكر به أو يمرق بأذهاننا بين فترة وأخرى، قبل أن ينقش في أخيلتنا فيظهر كالأختام الاسطوانية على ألواح الطين، ثم يأتينا في الأحلام بأشكال مختلفة، أكثر قبحا وترويعاً مما يكون عليه دائما في الواقع أو في الحكايات الخيالية. فالمسألة هنا أشبه ما تكون بعملية ولوج أحدنا عبر شاشة التلفاز إلى أجواء فيلم عن الجنيات ومصاصي الدماء. هكذا كنتُ أحسب الأمر مع كريم وأحيله إلى الاستنتاج أعلاه قائلا : لعل من الطبيعي جداً أن يحلم كريم بالقروش المتوحشة، إما تطارده أو تنهش من لحمه. من الممكن أن يحدث ذلك ما دام أن ثمة جداً طاعناً في السن يُدعى انقلاب ما زال يروي تلك الحكاية البشعة، بين الحين والآخر. الحكاية التي ربما سمعناها بالقدر الذي يسمح لنا بحفظ فصولها، إلا أن كريماً قد سمعها عشرات المرات حتى رسخت في ذهنه تماماً. لكن، هل كان السيد انقلاب يروي تلك الحكاية على سبيل الترهيب، لكي يدفعنا للاهتمام بواجباتنا المدرسية بدلا من الخوض في مغامراتنا النهرية ؟ أم أن في الأمر حكاية ثانية ؟ لغزاً ؟ قرشاً حقيقياً ؟«.يُذكر أن "هايدجر في المشفى" هي الرواية الثالثة للكاتب محمد بن جبار الذي دخل عالم النشر سنة 2015 عند صدور روايته الأولى "أربعمائة متر فوق مستوى الوعي"، بعدها روايته الثانية "الحركي" عن منشورات القرن ال21، وروايته الأولى صدرت عن دار الأمل بتيزي وزو سنة 2015، وقد حققت مبيعات معتبرة في معرض الكتاب الدولي في ذات السنة، كما أنه استعمل اسم "عوّاد" الذي يُكنى به في رواياته الثلاث.