حال اللغة العربية في الجزائر يزداد انهيارا من سنة إلى أخرى، على مستوى الشارع والإدارة والمدرسة والجامعة والمسرح والصحافة ووسائل الإعلام السمعية البصرية، دون أن نستثني الحقل السياسي، ذلك ما يمكن استنتاجه من خلال الممارسات اللسانية الحالية التي تعكس تلوثا لغويا عجيبا، وممارسات لسانية لا مثيل لها. قبل سنين أثارت الصحافة الفرنسية ضجة كبيرة بسبب ورود أخطاء وقعت في نصوص لم تحترم علامات الوقف، وليس النحو والإملاء والصرف والتراكيب والمعجم، وما يجعل اللغة مستقيمة وفق ضوابط. يجب التأكيد على علامات الوقف، كالنقطة والفاصلة وعلامات التعجب والاستفهام، أي تلك التي لم تدخل بعد إلى قواميسنا ومنطقنا في التعامل مع الجملة، وقبل شهرين طالب رواد الشبكات الاجتماعية في فرنسا بإقالة وزيرة التربية لأنها نسيت حرفا عن طريق الخطأ، نسيت حرفا واحدا. عوامل تدني مستوى العربية في الجزائر كثيرة جدا، وليس من المهم جردها وضبطها، لكنّ أهمها هو القفز على إحدى مواد الدستور الذي ينصّ على أنّ العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للبلاد، ولا يمكن البتة خرق الدستور باستعمال عامية مهينة، أو التعامل بالفرنسية كلغة رسمية في كثير من المؤسسات والوزارات، وفي أغلب المحافل الوطنية والإقليمية والدولية، وتأسيسا على خلفيات لا علاقة لها باللغة في حدّ ذاتها، بل كموقف سياسي. من النادر جدا أن نسمع عن شخصية مثلت الوطن بلغته، كل الندوات والمراسم والمناسبات الكبرى ممثلة بالفرنسية، في البلد وخارجه، ما يعني أن هناك إشكالا جوهريا وجب فهمه لمعرفة أسباب محاصرة اللغة الوطنية والتقليل من شأنها، إما أنّ هذه اللغة ليست مؤهلة للتمثيل من حيث محدوديتها وقصورها، وإمّا أنّ الدستور يتحدث عن بلاد أخرى غير الجزائر، وإمّا أنّ المسؤولين يتوجهون بخطابهم إلى الأقلية الساحقة في الوطن، أو أنهم يخاطبون الشعب الفرنسي ليفهم ما يقولونه للجزائريين. الدراسات اللسانية والمعجمية تقول إنّ العربية من أثرى اللغات في العالم، بشهادة مؤسسات وباحثين ومتخصصين أجانب في الشأن اللساني الذي لا يعرفه الكثيرون، ما يفيد بطلان المسوّغ الذي يركز على ضعفها وعدم قدرتها على مسايرة المتغيرات الدولية، هذه اللغة تحتوي على اثني عشر مليون كلمة، في حين تتشكل الفرنسية من مليونين. ثمّ إن المسؤول أو السياسي لا يحتاجان إلى كثير من الكلمات لتمرير الخطاب المتواتر، إذ عادة ما يتكئان على كلمات قليلة ومعيارية. المسؤول ليس بحاجة إلى المصطلحات والمفاهيم الالكترونية والنووية والطبية ليفهمه المستمع. الحكومة الفرنسية لا تخاطب الأمة التي تحكمها باللغة العربية الفصحى، أو بالدارجة، أو بأيّ لغة أخرى مهيمنة عالميا، كالإنجليزية مثلا، أو الصينية والروسية والألمانية، ولا تمثلها بلغة أخرى غير لغتها التي انحسرت عالميا، ما عدا في بعض البلدان، وفي المستعمرات التي ما زالت قابلة للاستعمار بحكم تبعيتها، كحال الجزائر المستقلة، القضية اللغوية بالنسبة إلى الفرنسيين قضية مصيرية لا يمكن إهمالها لأنها من الجواهر الثابتة، ورمز من رموز الأمة وهويتها ولحمتها، وهي تسعى بالنظر إلى الوضع العالمي المعقد وتراجع لغتها، إلى ترقيتها وتحصينها ونشرها في العالم لمقاصد إستراتيجية، كتوظف الأموال والمراكز الثقافية والمنح البحثية و الترجمية والدراسية والجوائز ومثقفي المستعمرات وساستها والمهزوزين ثقافيا كوسائل للدفاع عن قيمتها ومنجزاتها العلمية والتاريخية والأدبية، وهي محقة في ذلك لأنها تدافع عن حضورها، ولو بالاعتماد على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. على الحكومة الفرنسية وأكاديميتها تكريم بعض مثقفينا الذين قدموا لهذه اللغة ما لم تقدمه فرنسا نفسها، سياسيا، وليس لغويا. هؤلاء هم الذين داسوا على الخصوصية والهوية بمواقفهم المبنية على المنفعة الخاصة وملايين العقد التي لا حلّ لها سوى بالعودة إلى الذات، ومع ذلك هناك أمل كبير في تحقيق معجزة: إذا حدث أن قامت الدولة الفرنسية بتعريب مؤسساتها وخطابها وبحثها ستتعرب الجزائر عن آخرها، ودون أيّ صعوبة،وسيدافع الساسة عن العربية ويعتبرونها من أهم اللغات عبر العصور، لأنّ فرنسا رأت أنّ العربية لغة راقية، ذلك هو الحلّ في الظرف الراهن. يجب تعريب الحكومة الفرنسية حتى تسترجع العربية مكانتها ويحترم الجزائريون الدستور الجامع.