بعد. سلسلة الإجتماعات التحضيرية اندلعت الثورة التحريرية في أول نوفمبر 1954 والتي امتدت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب الجزائري وأظهرت تلاحم مناطق الكفاح فيما بينهما واستطاعت تحقيق شمولية الكفاح لأول مرة منذ دخول الإستعمار الفرنسي إلى الجزائر مع التفاوت في قوة الإنطلاقة من منطقة إلى أخرى وذلك حسب الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة وكذا الطبيعة الجغرافية لكل منها وقد تمخض عن تلك الإجتماعات التحضيرية للثورة عدة قرارات من بينها تقسيم الوطن إلى خمس ولايات. بحيث عين الشهيد محمد العربي بن مهيدي مسؤولا وقائدا للولاية الخامسة وهي الجهة الغربية التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى نواحي الجنوب التي كانت مفتوحة وتمتد من حدود المغرب الأقصى إلى حدود الولاية الرابعة شرقا وتمثل القطر الجزائري وقد بدأ الكفاح بالجهة الغربية رغم العديد من العراقيل ومنها خصوبة أراضيها الزراعية واتصالها بالأراضي الأوروبية الشيء الذي جعلها محطة للإستيطان الأوروبي أكثرمن أي منطقة أخرى من الجزائر حيث ترجع بعض المصادر العلمية أنّ الكثافة السكانية الأوروبية كانت مهيمنة في هاته المنطقة وقد بلغت 300 ألف نسمة أوروبية مقابل 450 ألف نسمة جزائرية بالإضافة إلى مجموعة من العيوب الإستراتيجية فهي بموقعها مبتورة ومقطوعة عن العمق الجغرافي الطبيعي العربي مما يزيد من متاعبها العسكرية مقارنة بالمناطق الأخرى فنجد أن الثورة عانت في بدايتها من نقص السلاح وبالأخص المنطقة الخامسة ويتضح هذا من خلال تصريح الراحل الشهيد محمد بوضياف بجريدة الشعب الصادرة في 16.11.1988 حيث أنه قال أنّ مسؤول الولاية الخامسة الشهيد محمد العربي بن مهيدي كان يحمل مسدسا قديما من عيار 7.65 ملم وليس به سوى رصاصتين ورغم هذا فلقد خطط الشهيد محمد العربي بن مهيدي لهجومات أول نوفمبر بالولاية تخطيطا محكما فلقد شرع في تهيئة الظروف وتعبئة النفوس خاصة بعد الهزيمة النكراء للفرنسيين في ديان بيافو الفيتنام ومن ثمة سقوط فكرة أن الإستعمار لا يقهر ولا يهزم وبعد سلسلة من المشاورات السرية والموسعة والتي تمكن من خلالها من تحديد وحصر الأهداف العسكرية الواجب ضربها ليلة إندلاع الثورة المسلحة مع التأكيد على مبدأ السرية والكتمان وهذا بمساعدة الفذائيين وقبل هذا كان ثوار الولاية الخامسة قد أدوا اليمين في 15 أوت 1954 وهذا بإحدى المزارع قرب قرية سالوسيان ثم تلتها إجتماعات سرية كانت تقام في الأماكن المنعزلة والمهجورة مثل المقابر في ليلة يوم الأحد 31 أكتوبر 1954 تم عقد إجتماع لقادة المناطق للولاية الخامسة وخصص هذا الإجتماع لتوزيع المهام وتقسيم الأفواج وكلف الشهيد أحمد زبانة بالقيادة الأولى كانت مهمته الهجوم على مطار طافراوي بمساعدة حمو بوتليليس العيشوبي محمد فاتح عبد الله بن عربة محي الدين فرطاس محمد فيزي صالح مشراوي محمد عمر البرجي. بينما كان الفوج الثاني بقيادة علي شريف شريط وكان هدفه ضرب ثكنة عسكرية في الكمين بمساعدة درار مفتاح محمد برابح عبد القادر بودنيا بوعلام الشيخ علي جيلالي بوعبد الله عيساوي رابح عفان بلخير مشري عبد القادر جبور معمر بلحاج الهواري نميش بختي كبداني ميلود وطلب من باقي الأفواج العسكرية الحفاظ على جاهزيتها لتكليفها بمهام عسكرية لما تتطلب الظروف ذلك وعند الساعة المحددة كان الشهيد محمد العربي بن مهيدي ومساعدية على موعد مع التاريخ حيث انطلق الجميع في حملة عسكرية بعزم وثبات فقامت فرقة من المجاهدين بمهاجمة حارس غابة «مارادو» سابقا فقتلوه وقامت فرقة أخرى بقيادة الشهيد بن عبد المالك رمضان بمهاجمة عدة مراكز لحراس الغابات. وفي يلبيس هاجموا مزرعة المعمر «مونسونيغو» والمولد الكهربائي وذلك شرق مستغانم منطقة كاسان (سيدي علي حاليا) هاجموا مراكز الدرك وإستمرت هاته العمليات في الغرب الجزائري تحت قيادة الشهيد محمد العربي بن مهيدي بمساعدة الفذائيين سياسيا وعسكريا فقامت مجموعة من المجاهدين بنصب كمين للقوات الفرنسية وذلك في 8 نوفمبر 1954 بحي سيدي الهواري بوهران وإستشهد خلال هذه العملية الشهيد عبد القادر إبراهيمي وألقي القبض على الشهيد إسماعيل الصايم والشهيد محمد مشراوي ولقد قامت فرق أخرى بشن هجوم على مراكز الدرك بعين تموشنت بقيادة المجاهد فرطاس محمد ورغم كل هذه العمليات في بداية الثورة في الولاية الخامسة إلا أنه يوجد من قال إن الثورة في هذه الولاية لم تبدأ في الوقت المحدد وأنها جاءت فيما بعد ودليل ذلك أن «جاك سوستيل» أراد أن يفرض على مدينتي مغنية وسبدو ونفس حالة الطوارئ التي كانت مفروضة على الشرق الجزائري فقد ورد في البرقية التي تحمل رقم 0086 والتي وجهها إلى القائد الأعلى للجيوش الفرنسية العامة في الجزائر وأكد من خلالها موافقته على فرض حالة الطوارئ وتمديدها إلى مدينتي مغنية وسبدو وعلى الحدود المغربية مثلما هو حاصل في عمالة قسنطينة وهنالك من يقول إن الثورة لم تبدأ في الوقت المحدد في الولاية الخامسة فكيف يفسرون إستشهاد الشهيد بن عبد المالك رمضان وهو أحد المقربين والمساعدين الأوائل للشهيد محمد العربي بن مهيدي وذلك في الإشتباكات التي وقعت مع قوات العدو الفرنسي في منطقة سيدي علي بمستغانم وهذا يوم 4 نوفمبر 1954 ومعركة الغوالم وهكذا نقول إن الثورة التحريرية في الجهة الغربية بدأت في الوقت المحدد ولكنها كانت أقل حد وقوة مقارنة بالمانطق الأخرى وزع البيان في 3 نوفمبر 1954 وماذا يقولون عن سفينة دينا ومن بين هذه الأسلحة في أواخر جانفي 1955 التي كانت تحملها 204 بندقية 20 رشاشا يرن و68 بندقية رشاش من نوع تومي 45 و356 قنبلة يدوية ميلز 36 وفي يوم الأحد أكتوبر 1955 يوم إنتفاضة عسكرية تكون عامة في منطقة الغرب الجزائري وتقرر العمل العسكري في إطار تحديد الأهداف المشتركة في الجزائر والمغرب وفي شهر أكتوبر 1955 إزدادت العمليات العسكرية في الولاية الخامسة كما كان يريدها الشهيد محمد العربي بن مهيدي فوقعت العديد من الهجومات على الثكنة العسكرية والمراكز الإستعمارية في مناطق الولاية الخامسة مثل عمي موسى فرندة، عين الحجر، تلمسان، البيض، الرمشي، العامرية تارقة، سيد علي، سيڤ، تغنيف، السوقر، المهدية، بوقيراط، حمام بوحجر، تلاغ، رأس الماء، مازونة وحققت هاته الهجومات إنتصارات معتبرة كانت لها صداها وتأثيرها البالغ وكثرت حركة عصيان الجنود ورفضهم الذهاب إلى جبهات القتال في الجزائر فتمردوا في طولون وروان ورفضوا الذهاب إلى ما سموه الموت الأحمر بالمقابل بدأ الجزائريين ينظمون جيش وجبهة التحرير الوطني وبهذا كثرت أعدادهم مما أدى الشهيد محمد العربي بن مهيدي إلى إعادة تنظيم وهيكلة الولاية الخامسة من جديد لهذا الغرض عقدت القيادة العامة إجتماعا في أفريل 1955 بمدينة وهران تقرر فيه إستحداث مناطق عين الصفراء، المشرية، آفلو، بشار، الأغواط، غرداية، متليلي تيميمون، القنادسة، العبادلة، رڤان، فنوغيل، أدرار تقرر في هذا الإجتماع القيام بهجومات عسكرية ضد العدو في 8 ماي 1955 بمناسبة الذكرى العاشرة لمجازر 8 ماي 1945، كذلك تضامنا مع ضحايا القمع العسكري الذي تعرض له الجزائريون على إثر هجومات الشمال القسنطيني، إذ تقرر إشراك 1900 مجاهدا فإنطلقوا إلى مزارع المعمرين فخربوا 72 مزرعة ومراكز العدو بمناطق الولاية الخامسة فأحدثوا رعبا وخوفا في نفوس المعمرين مما دفع بهم إلى هجر مزارعهم والشيء الذي يوضح نجاح وإتساع هذه العمليات هو المذكرة التي قدمها وفد الثورة في القاهرة فلقد بينت حصيلة العمل العسكري للثورة مابين 1 أكتوبر 1955 إلى غاية 30 ديسمبر 1956 وخاصة الولاية الخامسة إستملت على قتل 45 ضابطا، 70 ضابط صف و243 من أعوان الشرطة 151 أعوان الدرك 338 من المعمرين والاستيلاء على 310 قطعة سلاح وإتلاف 90 سيارة وقتل 320 خائن و140 عامل مدني بالشرطة. أما عن جيش وجبهة التحرير الوطني فقد 150 مجاهد 193 سجينا 492 قتيل من المدنيين وفقدان 10 بندقيات و5 رشاشات تومي ورشاش يون وفي خضم هذه العمليات الواسعة إستعصى على فرنسا قمع الثورة مما أرغمها على الدخول في لقاءات سرية مع جبهة التحرير الوطني وهذا مثل فيفري 1956 ولقد إشترطت فرنسا وقف إطلاق النار للتفاوض. وقد مثل الشهيد محمد العربي بن مهيدي، الحاج بن علا وعبان رمضان ومحمد فرطاس الجبهة وسرعان ما تفطن الشهيد محمد العربي بن مهيدي للعبة الخطيرة الهادفة إلى إخماد الثورة وكتب باسم جبهة التحرير الوطني منشورا يدعو فيه الشعب للإلتفاف حول الجهبة ومواصلة الجهاد ومما جاء فيه إن الفرنسي لا يفهم إلا والخنجر في عنقه ومن هذا كان يتجلى لنا الدور الفعال الذي لعبوه المجاهدين في التخطيط للثورة وتفجيرها وتنظيمها على مستوى الولاية الخامسة هذا دليل على أن الثورة في الولاية لم تكن متمركزة فقط في الأرياف بل كانت أكثر في المدن.