بالأمس القريب وقبل الانفتاح التعددي كان المثقف لا يتواجد في سلطة صناعة القرار السياسي ، غير مشارك ، ولا أدنى من ذلك ، فهو بعيد كل البعد عن دواليب الحكم لان سلطة الحزب الواحد اكتسبت وارخت ، وقننت مبدأ الشرعية الثورية، فلم يكن للمثقف اي دور في مشهد لغته الواحدة هي خدمة مبادئ الثورة وترسيخ مبادئ الاشتراكية التي عممت على مختلف القطاعات بما فيها الثقافة نفسها . ليس كسلوك ولكن في نطاق المؤسسات الثقافية التمثيلية ، وعلاقتها مع الأخر، كرس النظام الاشتراكي هذه الأحادية الثقافية ، فلم يستطع الخروج من نمطيتها إلا نادرا، بسبب تلك الشرعية الموروثة ، انحصر نشاطه في الأخير على احتواء كل المبادرات التي تقوم بتطبيع هذه العلاقة دون غيرها، فنشأ أدب يحمل صبغة المرحلة ، وكبر تعاون بين البلدان الشرقية ذات التوجه نفسه ، ما جعل المثقف يكون تابعا ، لا متبوعا ، واستمر الوضع نفسه واكتفت الاسماء الثقافية بعضويتها في دواليب اللجنة المركزية للحزب وبعض المؤسسات الأخرى التابعة ويمكن ذكر على سبيل المثال كل من عبد الله ركيبي عضوا بالمجلس الأعلى للقضاء وسفيرا بسوريا ،عبد الحميد بن هدوقة وزيرا ثم رئيسا لهيئة ثقافية عليا ،مالك حداد ، الطاهر وطار مكلفا بمهمة ومديرا للإذاعة ، الأمين بشيشي وزيرا ثم مديرا لمؤسستي الإذاعة والتلفزيون ، بوعلام بسايح وزيرا ثم سفيرا وهناك عدة أسماء أخرى استطاعت الارتقاء إلى المناصب السيادية، ولكنها لم تكن مؤثرة في المشهد الثقافي رغم عضويتها باتحاد الكتاب الجزائريين منذ مالك حداد إلى غاية الشيخ بوعمران مرورا بفترات بوجدرة وزهور ونيسي والزبيري. بعد الانفتاح الحزبي ودخول التعددية السياسية ، بدأت بعض الملاحم الجديدة والمحتشمة تأخذ نوع ما سياق الاستقلالية المركزية من خلال إنشاء جمعيات ثقافية وطنية مستقلة عن الإرادة المركزية فظهرت رابطة إبداع الثقافية برئاسة الأستاذ الطاهر يحياوي، وظهرت إلى جانبها الجاحظية برئاسة الروائي الطاهر وطار وبدأت هذه الخطابات الثقافية تستقل ذاتيا ومعنويا، جاعلة من الفراغ الذي خلفه فشل الأحادية بديلا نحو التأسيس لخطابها المستقل فنجحت في بعض المحاولات من خلق خطاب ثقافي مستقل نحو الحداثة والعصرنة ، في إطار قيم تاريخية ووطنية تحافظ على روح الأمة وقوامها، وفي إطار مبادئ نوفمبر طبعا . في السياق ذاته عمل بعض الشباب من الجيل الجديد بكسر حاجز الخوف الذي كرسه الفعل السياسي للحفاظ على مكانته في إطار التعايش السلمي وعدم ترك الفجوات ، حتى يبقى ظل هذه الثنائية قائما ، ولكن هذه المرة أصبح فاعلا أساسيا في المشهد ويمكن ذكر على سبيل المثال وزير الثقافة بصفته شاعر وروائي ، مدير المكتبة الوطنية ككاتب، مدراء المسارح فنانين ومخرجين ، أحلام مستغانمي سفيرة الأمم المتحد للنوايا الحسنة الروائية إنعام بيوض مدير المعهد العالي للترجمة التابع للجامعة العربية وغيرهم كثر لا يمكن ذكرهم جميعا . خلاصة القول تحيلنا إلى بداية الإشكالية بين المثقف والسياسي ، التي تحولت فيما بعد الى السياسي المثقف، هذا الأخير انخرط في العمل السياسي نازعا عنه رداء الخوف الذي لازمه خلال المرحلة الانتقالية، وصار اليوم هو من يصنع الفعل والخطاب الثقافي معا من خلال مكانته في المجالس المنتخبة وفي قبة البرلمان بغرفتيه في إطارالفراغ الذي خلفه فشل الأحادية بديلا نحو التأسيس لخطابها المستقل فنجحت في بعض المحاولات من خلق خطاب ثقافي مستقل نحو الحداثة و العصرنة، في إطار قيم تاريخية ووطنية تحافظ على روح الأمة وقوامها ، وفي إطار مبادئ نوفمبر طبعا .