فقدت الجزائر مساء أول أمس، أحد رموز ثقافتها ومفكريها الذين أسسوا للدراسات النقدية والأدبية·· الدكتور عبد الله ركيبي الذي وافته المنية عن عمر يناهز 83 عاما كرسها لخدمة الحرف العربي كتابة ونقدا·· عانى الرجل طويلا مع المرض قبل أن يرحل بطريقة عجيبة أدهشت نخبة من الأساتذة والمثقفين والكتاب الذين كانوا يستعدون لتكريمه في نفس يوم وفاته بمبادرة من جمعية ''الكلمة للثقافة والإعلام''· وقال رئيس الجمعية الثقافية الشبابية عبد العالي مزغيش إنهم صدموا كثيرا بخبر الرحيل الذي أدهش رفاقا للكاتب الدكتور كانوا يستعدون للشروع في حفل التكريم بمدرسة الأساتذة في ''بوزريعة'' بالعاصمة· ويضيف محدثنا إن الراحل استقبل قرار تكريمه بفرح كبير، خصوصا أنه جاء من قبل جمعية ثقافية تمثل المجتمع المدني والشباب المثقف، وبمناسبة اليوم العالمي للكتاب، غير أن التكريم، تحول في ثوان إلى تأبينية بعدما اتصل ابن الراحل خليفة الركيبي قائلا ''لقد توفي والدي منذ قليل''· وهنا حاول الشاعر عبد القادر السائحي الذي كان حاضرا رفقة آخرين أمثال أمين الزاوي والطاهر يحياوي ومصطفى فاسي، أن يقرأ تأبينية الرجل بدل كلمة التكريم في مشهد مهيب تمتزج فيه مشاعر الحزن والحسرة بالدهشة·يتفق العديد من المثقفين أن عبد الله ركيبي يعد مفكرا كبيرا ومجتهدا بامتياز، خصوصا أن صاحب الأربعين كتابا في مختلف مجالات الإبداع·· كان يقول دوما إن ''الهجمة الشرسة على اللغة العربية والثقافة القومية عرفت أوجها بعد الانفتاح السياسي في الجزائر''· كان هذا الرجل الطيب من أوائل المؤسسين لاتحاد الكتاب الجزائريين، حيث عين كأول أمين عام مساعد لرئيسه الروائي الراحل مالك حداد عندما تم تأسيسه سنة .1974 وأول المثقفين الذين اعتقلتهم السلطات الاستعمارية بعد عام من اندلاع الثورة إثر عودته من تونس، وأول الذين أرغمتهم على الإقامة الجبرية بولاية بسكرة قبل أن يتمكن من الفرار من السجن باتجاه جبال الأوراس، فيعاد إرساله إلى تونس ومنها إلى القاهرة· كان أول المثقفين الذين تولوا لجنة الفكر والثقافة في حزب جبهة التحرير الوطني، وأول برلماني جزائري ينجز دراسة غير مسبوقة بعنوان ''حاجتنا إلى ثقافة سياسية وهل لمجلس الأمة دور فيها''· وكان أول من تناول ظاهرة ''الفرانكفونية'' بمنهج واضح وتحليل موضوعي في كتابه النفيس ''الفرانكفونية مشرقا ومغربا'' الذي أثار ضده خصوم اللغة العربية في الجزائر·· وتبقى العديد من المواقف شاهدة على مدى تميز عبد الله الركيبي، من بينها قوله إن ''الأديب لا يستطيع أن ينفصل عن واقعه ومجتمعه، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا''·