تتعدد إهتمامات العائلات خلال موسم الإصطياف وتتشعب معها إنشغالاتهم لقضاء عطلة مريحة بعيدا عن الضوضاء والنرفزة في ظروف مناسبة تضمن لهم الشروط المطلوبة خلال هذه الفترة لكن هذا المطلب لا يتحقق دائما بالمواصفات والمقاييس المنشودة لإرتباطها بقيود تكبد طموح هاته الأسرة وتجعلها عاجزة عن تحقيقها خاصة إذا تعلق الأمر بالجانب المادي والتكاليف التي تفرضها مثل هذه المناسبات. وبما أن أطفالنا في فترة راحة تجدهم يطالبون وبإستمرار بقضاء موسم خاص بهم لا يخلو من التسلية والترفيه بعد إنتهاء السنة الدراسية وبما أن مجتمعاتنا أيضا تضم فئات مختلفة من أسرة ميسورة الحال إلى متوسطة الدخل وضعيفة المردود فإن طريقة قضاء عطلة الصيف تختلف هي الأخرى بإختلاف الوضعية الإجتماعية وكثيرا ما قد يصطدم الطفل بواقع مفروض عليه خال من هذه الكماليات، لا يسمح له حتى بالسفر أو النقل إلى مواقع سياحية أكثر جاذبية فيضطر لتقسيم وقته بطريقة عشوائية دون احترام المعايير الصحية التي توفر له التوازن النفسي، لاسيما إذا كانت الأسرة غائبة عنه تماما ولا تهتم بمراقبة سلوكاته اليومية داخل وخارج البيت خلال هذه المرحلة بإعتبارها من أصعب المراحل التي يحاول فيها بناء شخصيته إنطلاقا من تقليد كل ما يجري من حوله بسلبياته وإيجابياته . والتقسيم الذي يتبناه الطفل ويسعد إلى تجسيده ميدانيا للقضاء على الروتين والفراغ لا يخرج عن حدود الشارع ومشاهدة البرامج التلفزيونية عبر مختلف القنوات الأرضية والفضائية التي تبث يوميا وبدون انقطاع بدافع الفضول أولا وحبا في تقمص شخصيات وأدرار عالمية ومشهورة. وبالرغم من أنه إختيار سهل وبسيط لا يحتاج لتكاليف مالية مكلفة إلا أن نتائجه وخيمة تؤثر بشكل سلبي على الطرف الآخر نتيجة أخطاء غير متعمدة يرتكبها هذا الأخير، فتزداد حدة كلما تكررت العوامل المساعدة وغابت الرقابة الأسرية إلى أن تجد هذه الإختلالات مرتعا خصبا للنمو والتكاثر بأرضية خصبة مؤهلة لإستقبال كل العوامل الخارجية، في حضور الطفل وإهتمامه الزائد. 71 % من الأطفال مولعون بأفلام الرعب إستنادا للدراسة التي أجراها أطباء أخصائيون بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية بعين الترك، فقد تبين أن نسبة كبيرة جدا من البراعم الصغار مولعون بأفلام الرعب التي تغلب عليها مشاهد العنف فقط، حيث توصل الطاقم الطبي إلى تسجيل حصيلة ثقيلة تساوي 71 بالمائة من العدد الإجمالي لنفس الفئة إختارت لنفسها مسارا واحدا ينصب مجمله في متابعة كل البرامج التي لها علاقة بالضرب والتحطيم. واعتمادا على مسح كامل وتقارير حددت فيها كل التفاصيل والشروحات الخاصة بالعملية فلم تستثن من هذه الإحصائيات سوى عدد ضئيل جدا له ميولات أخرى. وإن كانت وسائل الإتصال والتكنولوجيا الحديثةلها إيجابياتها فقد تكون مصدر خطر لأطفالنا من زاوية أخرى في حالة ما لم يتفطن الأولياء لهذه النقطة ويكتفون بمنعهم من الإحتكاك بأطفال الشوارع ظنا منهم أنه الضرر الوحيد الذي يهدد أبناءهم، في حين أن الجوانب السلبية الأخرى لها عوامل أخرى تتحكم فيها وتؤثر على كل من يقترب منها حتى وإن كانت تقدم للفئات العمرية المتبقية منافع عديدة وهنا نقصد بالذات البرامج والأفلام التلفزيونية التي تعددت فيها صورالعنف بأشكاله المختلفة وراحت تعرض الأدوار الخطير المجسدة في مظاهر القوة والرعب. هذه الإحصائيات الدقيقة تعكس بوضوح الإنتشار الواسع للظاهرة وسط مجتمعنا وبالأخص البراعم الذين تأثروا بصفة مباشرة بالواقع الجديد بفعل ما تبثه القنوات من إغراءات *كل شيء مباح لساعات متأخرة من غير المعقول أن يتفرغ الطفل لمشاهدة هذه البرامج ويقضي كل أوقات فراغة أمام الجهان في وقت وجيز أو لفترات متباعدة فقط حيث أسفرت نفس الدراسة عن تسجيل إختلالات أكثر خطورة من التصنيف الأول وفي هذا الشأن إرتكز التقرير على عامل الزمن بإحتساب المدة التي يستغرقها العينة المستهدفة لإشباع فضولها ووقت إلى حد إحصاء 93٪ من الأطفال يتابعون هذامن النوع من الحصص لغاية ساعات متأخرة من الليل. والأخطر من ذلك أن هذه الفئة لايتعدى عمرها 6 سنوات ومع ذلك تبقى أعينها مشدودة وخيالها يدفعها لتقمص المزيد من المشاهد المثيرة دون الإبتعاد عن الجهاز أو حتى تغيير القناة لمدة طويلة تفوق الساعات وتمر عقارب الساعة وتقضي العينة كل هذا الوقت في تتبع ما تبرمجه القنوات الفضائية مثل »أم بي سي أكشن« أم بي سي فوروتو فنجد الأطفال لا يرددون سوى هذه التسميات والحصص التي تنفرد بها. وفي غفلة الأولياء تتسع ظاهرة التصنيف لما يكتسبه الصغير من سلوكات تجمع بين القوة والتسلط إلى أن يصبح عدوانيا بطبعه لا تتحكم أسرته في تصرفاته ضارب بذلك كل القيم والمبادئ وما يثير الإنتباه أن السلطة الأبوية لا تكون حاضرة هنا ولاتهتم حتى بحصر المواعيد واختيار الوقت المناسب والبرامج التي تتماشى مع سنه. * إنعكاسات برامج التصنيف على سلوكاته يؤكد الأخصائيون أن الأفلام ومشاهد »الأكش« لها تأثير مباشر على الطفل فيتحول من شخصية هادئة إلى حالة مريضة نفسيا لأن العنف حسب تصنيف النفسانيين مرض يحتاج لعلاج خاص، لاسيما إذا تعلق الأمر بهذه الفئة وتعرفه المؤسسات التربوية، دور الحضانة والشارع دليل على النتائج التي حققها الطاقم الطبي، فلا تكاد تصرفات شريحة الأطفال تخلو من هذه المظاهر محاولة بذلك خوض التجربة وتطبيقها ميدانيا بمجرد الإتصال بمحيطه والإحتكاك مع الآخرين وتذهب إلى حد إستعمال الأسلحة البيضاء والقضبان الحديدية أثناء اللعب فتنقل كل ما تشاهده وتجسده حرفيا وكثيرا ما تتسبب في إحداث عاهات مستديمة وأضرار جسمانية متفاوتة الخطورة للآخرين ومنه تدخل هذه البراعم بوابة الإنحراف والعدوانية وهي لم تبلغ بعد 13 سنة حسب التحقيق الذي باشرته المؤسسة العمومية للصحة الجوارية والذي مس فئة عمرية تتراوح مابين 5 و13 سنة. أمام التغيير الجذري الذي أحدثته القنوات الفضائية لم يعد الذكر منهم ينشغل بالرسوم المتحركة والحصص الوثائقية لتنمية معارفه كما كان سائدا من قبل. بل راح يبحث عن مجال آخر يستهوي به عضلاته النحيفة وينقل العدوى إلى زملائه في المدرسة أو في الشارع. * 90٪ من الإناث ينشغلن بالحصص الترفيهية على خلاف ما يسجله جنس الذكور من إختلالات نفسية لما يعيشونه من إضرابات وسلوكات عدوانية مستنبطة من واقع جديد عليه. فقد أكدت الدراسة ذاتها أن الإناث لا يتأثرن كثيرا بهذا الجانب بنسبة 90٪ بمعنى أن الأغلبية الساحقة تفضلن متابعة النوع الآخر من البرامج بعيدا عن كل مظاهر العنف وتفضلن على الخصوص مشاهدة الرسوم المتحركة التي يغلب عليها طابع الهدوء إلى جانب الحصص الترفيهية المتنوعة. فنجد كل واحدة منهن مبهورة بحصة لاتخرج عن هذا النطاق ولاتحاول حتى التمرد على الإختيار الذي فضلته بمحض إرادتها بعدما إعتادت عليه وتعودت على طابع مخالف تماما عن الطبوع المتبقية التي تلفت إنتباه الجنس الآخر، لتبني من خلاله عالم بخصوصياته يجعل منها الشخص المميز بمواصفات مغايرة. وبتسجيل هذا التباعد المتباين بين الطرفين أصبح من الضروري على الأولياء فرض رقابة مشددة على أبنائهم المهددون بعوامل خارجية أكثر خطورة من الشارع لأن أسباب العنف والنتائج المترتبة عنه معلومة. تحتاج فقط إلى تسليط متابعة مستمرة على الطفل في سن معين وضبط قائمة الممنوعات مع إلزمية إحترام هذه الإستثناءات وعدم تجاوزها وهو ما تجهله بعض الأسر ولا تهتم به تماما فتجعل كل مايعرضه » الصندوق العجيب« مباحا، في الوقت الذي يتطلب فيه فرض إشارات المنع والمقاطعة على العديد من البرامج والتقليص من المدة الزمنية التي يقضيها في مشاهدة التلفاز.