عندما اجتمع 9 أشخاص منذ 68 عاما تحت المظلة الأممية و صاغوا و أصدروا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , لم يخطر ببالهم أن وثيقتهم التي اشتملت على 32 مادة تلخص ما توصل إليه اجتهادهم من الحقوق الطبيعية و المكتسبة التي يجب أن يتمتع بها أي إنسان وتكون ملازمة له بغض النظر عن هويته أو مكان وجوده أو لغته أو ديانته أو أصله العرقي أو أي وضع آخر؛ لم يتوقعوا أن هذا النص ستتفرع منه نصوص أخرى تطلبت هي الأخرى عددا من المعاهدات و الاتفاقيات و البروتوكولات و الملاحق و الصكوك الدولية التي تعالج كل واحدة منها جملة من الحقوق لهذه الفئة من البشر أو تلك . و يبدو أن رحم حقوق الإنسان لن تصاب بالعقم في أجل منظور , من كثرة ما تجود به علينا العولمة و الحضارة الغربية من سلوكات غريبة سرعان ما تتحول إلى حقوق تجد من يدافع عنها بل ويناضل لفرضها على الناس كافة. و هكذا أصبح لكل بلد نصيبه من هذا التراث المتوارث اختيارا من البعض و اضطرارا من البعض الآخر , و أصبح لكل منظمة جهوية أو إقليمية أو محلية , حصتها من المواثيق و الاتفاقيات المتعلقة بصيانة وحماية حقوق الإنسان . و ما دامت الجزائر جزءا من هذا المجتمع الدولي , كان عليها الانخراط في هذا المسار , مسار حماية وضمان حقوق الإنسان , منذ استعادة استقلالها , حيث نصت المادة 11من دستورها الأول الصادر سنة 1963 على :« موافقة الجمهورية (الجزائرية) على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و تنضم إلى كل منظمة تستجيب لمطامح الشعب الجزائري اقتناعا منها بضرورة التعاون الدولي." و قد تكرر الفصل الخاص بالحقوق و الحريات في جميع الدساتير التي عرفتها الجزائر (1976-1989-1996 ثم 2016) و بعدد من المواد يتقلص أو يزداد , لكن بحقوق أكثر و أوضح مع كل تعديل دستوري , بحسب المعاهدات و الاتفاقيات الدولية , الإقليمية أو الجهوية التي تصادق عليها الجزائر . التعديل الدستوري نقلة نوعية لضمان الحقوق و يعتبر الكثير من الحقوقيين , التعديل الدستوري الأخير بمحاوره الخمسة المدعمة للوحدة الوطنية و المعززة للديمقراطية و المكرسة لدولة القانون و الدافعة للقيم المرجعية للمجتمع نحو التقدم والرقي و المطورة تنظيميا و عمليا لبعض المؤسسات الدستورية و منها المجلس الوطني لحقوق الإنسان , "نقلة نوعية متميزة ترتقي بحقوق الإنسان إلى مصف المعايير الدولية".من منطلق أن هذا التعديل الأخير حمل إجراءات جديدة مكرسة لحقوق الإنسان، من خلال تأكيده على حرية التعبير والرأي و الاجتماع وحقوق المعارضة السياسية وحرية التظاهر السلمي وحرية العقيدة و الفكر وغيرها من الضمانات و الآليات أبرزها إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة دستورية مستقلة تضطلع بمهام المراقبة و الرصد و الإنذار المبكر و التقييم. و زيادة على الضمانة الدستورية لحقوق الإنسان , أكدت السلطات الجزائرية إرادتها السياسية في المضي قدما في نهج تكريس هذه الحقوق , بالتوقيع و التصديق على جل المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و ملحقاتها المتعلقة بحقوق الإنسان فانضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية (1968-1989) و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية (1968-1989) و الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1966-1972) , و الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم (2005) , و الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري (2007) , و اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية و المهينة (1985-1989) , اتفاقية حقوق الطفل (1990-1993) , و اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2007-2009) , و اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (1996) , و اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (2002) و بروتوكوليها المتعلقين بالاتجار بالأشخاص و خاصة النساء والأطفال , و مكافحة تهريب المهاجرين برا , بحرا و جوا (2004). ولم تفوت الجزائر فرصة إحياء العام الإفريقي لحقوق الإنسان و بالأخص حقوق المرأة السنة الفارطة ، دون مصادقتها على بروتوكول (بروتوكول مابوتو) ,الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المتعلق بحقوق المرأة في إفريقيا, علاوة على الميثاق الإفريقي حول الديمقراطية و الانتخابات و الحكم الراشد. تحيين القوانين لتفادي التدخل في الشؤون الداخلية و لم تكتف الجزائر بالانضمام إلى المعاهدات و الاتفاقايات الدولية و الجهوية ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان , و إنما دعمت ذلك بتكييف منظومتها القانونية مع مضمون هذه المواثيق , رغم أن المادة 150 في التعديل الدستوري الجديد تنص على أن "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون", حيث عرفت البلاد عدة إصلاحات سياسية بدءا برفع حالة الطوارئ في بداية 2011 و مراجعة عدة قوانين أساسية ,كنظام الانتخابات , الإعلام , الأحزاب السياسية , الجمعيات , الولاية و البلدية , توسيع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة... و تواصلت هذه الإصلاحات التي شملت خلال العهدة التشريعية المنتهية عددا من القوانين الأساسية , كقانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية و قانون المحاماة و القانون التجاري وعصرنة العدالة و الحالة المدنية , و النشاط السمعي البصري و قانون حماية الطفل , و قانون ترقية الاستثمار , و قانون تشكيلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان .الذي جاء ليخلف اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها التي تم تنزيل مركزالجزائر في عهدها من "الفئة ألف" إلى "الفئة باء" بناءً على القرار الصادر عن اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد التابعة للجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان و ذلك منذ2009 . و كان وزير العدل حافظ الأختام قد اعتبر هذا التراجع دافعا لتعويض اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، بمجلس وطني لحقوق الإنسان. بينما لاحظ الرئيس السابق للهيئة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان و حمايتها السيد فاروق قسنطيني في تصريح للصحافة , أن مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة يحبذ الهيئات الحكومية لحقوق الإنسان برئاسة شخص منتخب من طرف أعضاء الهيئة و هو ما تم من خلال تنصيب الهيئة الجديدة في 9مارس الماضي و انتخاب رئيستها بإجماع أعضائها ال38. تعليقا على حرص الجزائر على إجراء التحيين لمنظومتها القانونية مع القانون الدولي ,أوضح السيد لوح وزير العدل حافظ الأختام خلال إجابته على انشغالات النواب بخصوص مشروع القانون المتعلق بانشاء المجلس الوطني لحقوق الانسان أن الجزائر بصفتها "عضو في الاممالمتحدة وجزء لايتجزأ من المجموعة الدولية لابد أن تكيف تشريعها بما يتماشى وهذه التوصيات واللوائح الاممية التي صادقت عليها وبما لا يتنافى وحضارتنا وقيمنا الاجتماعية". مضيفا أنه من ال "معروف الان أنه في بعض الاحيان تستعمل مسألة احترام حقوق الانسان كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية أو لضرب بعض المجتمعات" وعلى الجزائر- كما أوضح -- أن "تكون قوية بمؤسساتها وواضحة في مواقفها".