4000 مليار سنتيم لتحويل الوادي من مصب للنفايات إلى منتزه سياحي يشكل تحدي المحافظة على البيئة في بلادنا، أحد الأولويات القصوى التي تسعى السلطات العليا إلى تجسيده على أرض الواقع، وجعله هدفا استيراتيجيا من شأنه ترقية مدننا وتحقيق ما يسمى ب«الرفاه العمومي والسعادة الاجتماعية للمواطن الجزائري». وتعد عملية «تهيئة وادي الحراش» بالجزائر العاصمة، بمثابة «مشروع القرن» كما أطلق عليه العديد من الخبراء والمتخصصين في عالم البيئة عندنا، لما يمثله من رهان حقيقي من شأنه تجسيد ما يعرف اصطلاحا ب«التنمية الخضراء المستدامة» في بلادنا. وبالمناسبة قامت «الجمهورية» بإجراء روبورتاج شامل لمدة أربعة أيام كاملة (من 6 إلى 9 أبريل من السنة الجارية)، وقفت خلاله على أهمية هذا المشروع الحيوي، أهدافه المستقبلية، دوره في ترقية الجزائر على الصعيد البيئي، وتأثيره الفعلي على حياة المواطنين الذين يبحثون عن فضاءات خضراء ومنتزهات ترفيهية تسمح لهم بالتخفيف من الروتين اليومي الذي أثقل كاهلهم. وبالفعل فقد سمحت الزيارة الميدانية التي قمنا بها على طول وادي الحراش (من «منتزه صابلات» إلى غاية بلدية «سيدي موسى» التي تقع على الحدود بين الجزائر العاصمة والبليدة) والبالغ مسافته 18،2 كلم بالوقوف على مدى تقدم الأشغال، المشاريع التي سلمت وأهم العراقيل التي لا تزال عالقة، فضلا عن رصد انطباعات المواطنين ومعرفة آرائهم بخصوص هذا المشروع، الذي أعطى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة إشارة انطلاقه في جوان 2012، بقيمة مالية تزيد عن 4000 مليار سنتيم. من مرتع للانحراف الى منتزه للعائلات كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحا، لما وصلنا إلى «منتزه صابلات» حيث مصب وادي الحراش في البحر المتوسط مباشرة... كان وقتها الجو مشمسا والسماء زرقاء، شعرنا ونحن نتفقد رفقة السيد فاسي رشيد مهندس بمديرية الموارد المائية بالجزائر العاصمة، الذي رافقنا طيلة الجولة الميدانية، بجمالية هذا المكان وطريقة تصميمه الخلابة... كيف لا ؟ وهو أحد المنتزهات الخلابة في القارة السمراء قاطبة، ولمن لا يتذكر فإن هذا المكان الذي كان في وقت قريب مرتعا للمنحرفين وملاذا للعصابات الإجرامية التي زرعت الرعب في وسط السكان، تحول اليوم إلى مقصد للعائلات العاصمية وفضاء تجاريا مغريا لرجال الأعمال والمستثمرين، الراغبين في الحصول على مشاريع من شأنها تحويل هذا المنتزه، إلى قطب اقتصادي يسمو بالولاية إلى مصاف المدن، الأكثر جذبا للسياح والزائرين من داخل الوطن وخارجه... كانت الأشغال تجري داخل الوادي على قدم وساق، حيث لم تثن حرارة الشمس المرتفعة العمال من تأدية واجبهم، إذ وبالرغم من صعوبة المهمة وخطورتها، إلا أنهم أبدوا عزيمة وإصرارا على تسليم هذا المشروع الضخم في آجاله المحددة، حتى يستفيد منه المواطنون الذين اشتكوا كثيرا من نقص المساحات الخضراء في الولاية، ما أثار إعجابنا هو نوعية الأشغال التي تم إنجازها في هذا المنتزه من الضفتين اليمنى واليسرى، بدءا بتوسيع مصب الوادي إلى 150 مترا، ترصيصه حوافه بالصخور لمنع انجراف التربة، إلى تهيئة ضفاف الوادي ب3 مسابح مائية على الهواء الطلق وتزيينه بمساحات شاسعة من العشب الطبيعي وغرس الأشجار والنباتات التي حولت المكان إلى ما يشبه جنة غناء، أدخلت السعادة والسرور في نفوس الزائرين، الذين وجدناهم مبتهجين بالمرافق التي تدعم بها المنتزه ونعني بالخصوص «المتحف العلمي» الذي قدمته شركة «دايوو» الكورية الجنوبية المنجزة للمشروع هبة للجزائر، بغية التعريف بعملية تهيئة «وادي الحراش» وأهمية الحفاظ على البيئة للقضاء على التلوث وتحقيق الرفاه الاجتماعي المنشود... فهذه المساحة الشاسعة التي تمتد على أكثر من 4 كلم من المحمدية شرقا إلى سيدي المحمض غربا، تحولت اليوم إلى رئة خضراء ينبعث منها أوكسجين الأمل وتزدهر بفضلها ثقافة الاهتمام والحفاظ على البيئة وتختفي من خلالها كل أشكال التلوث والانحراف والكآبة والقنوط لدى المواطنين، وما زاد من متعة منظر «منتزه صابلات» زرقة الساحل العاصمي الساحرة التي لا تزال تنتظر بفارغ الصبر انتهاء أشغال تهيئة الوادي، حتى يستريح وإلى الأبد من مياهه الملوثة التي كانت رائحته تزكم النفوس ولونه الأسود القاتم تشمئز منه الأفئدة، حينئذ أخبرنا مرافقنا المهندس فاسي رشيد أن هذا الفضاء الشاسع كان في أسوأ حالاته قبل جوان 2012، ولكن لولا جهود الدولة واهتمام رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة البالغ بقطاع البيئة، لما استعاد هذا المكان بريقه، وبات اليوم يستقطب الآلاف من الزائرين لاسيما في فصلي الربيع والصيف، حيث حوّل هذا الفضاء منذ تدشينه بضفتيه اليمنى واليسرى، ليالي البهجة إلى نهارها، كما شهدت المسابح الثلاثة إقبال المئات من الأطفال، فضلا عن اختناق حظيرة السيارات بالمركبات والحافلات السياحية وانتشار الباعة وتوافد الكثير من الفرق الموسيقية والفنية لتنظيم بعض التظاهرات والأنشطة الثقافية المتنوعة في المنتزه. جسر قسنطينة من «القصدير» إلى التهيئة والتعمير تنقلنا بعدها إلى بلدية براقي، حيث سمحت لنا هذه الجولة الميدانية من الوقوف أولا : على وتيرة أشغال التهيئة المائية لوادي الحراش الذي يمر بهذه المدينة، ثانيا : معايرة وتسوية ضفافه بالأجر الاسمنتي وثالثا : جرف مجرى المياه، وقد علمنا من مرافقنا الإعلامي أن نسبة الأشغال بلغت 80 بالمئة، إذ ومن جملة العراقيل التي واجهت شركة «دايوو» قبل الانطلاق في عملية الإنجاز، مشكلة القضاء على أكبر حي قصديري المعروف باسم «الرملي» ببلدية جسر قسنطينة، الذي كان يقطن فيه أزيد من 4000 عائلة، حيث ظل الحي ولسنوات نقطة سوداء وقنبلة موقوتة أرهقت كاهل السلطات الولائية بالجزائر العاصمة، لكبر مساحته والأوساخ والقاذورات التي كان يلفظها مباشرة في الوادي، زيادة على انتشار العصابات الإجرامية التي زرعت الرعب والخوف في وسط المواطنين، دون أن ننسى كذلك الربط العشوائي للأعمدة والأسلاك الكهربائية، حيث كان ينبغي وجود إرادة سياسية قوية من أجل القضاء على هذه النقطة السوداء، لتتدخل الحكومة بأوامر صارمة من رئيس الجمهورية الذي طالب الجهاز التنفيذي بحل فوري ومستعجل لهذا الملف وتخصيص منازل لائقة للعائلات ضمن صيغة السكن الهش، حتى تتمكن شركة «دايوو» من إنجاز أشغالها التي ظلت متوقفة لعدة أشهر، إذ وفي العاشر من جويلية 2015 قامت الولاية بترحيل 4000 عائلة إلى كل من «بني حماد» بالبليدة و«سي مصطفى» ببومرداس... الأمر الذي أنهى الجدل بخصوص حقيقة تهيئة الوادي، حيث شككت في بداية الأمر الكثير من الأوساط السياسية المغرضة في قدرة الدولة على إنجاز هذا المشروع الضخم، لما شكله ملف البيوت القصديرية من تحدي حقيقي يبرز مدى جدية وعزم السلطات العليا في البلاد على تجسيد هذا الحلم على أرض الواقع، لكن وفي ظل الحنكة والحكامة الرشيدة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ها هو مشروع التهيئة يسير بخطى ثابتة وموثوقة نحو إنجازه وتسليمه للساكنة، لما فيه من فائدة ونعمة على المواطنين وترقية الجزائر بيئيا، حضريا وحتى عمرانيا، إذ لاحظنا ونحن نستطلع المكان، وجها آخر للوادي الذي بات خاليا من أية بؤرة قصديرية، كما تم اجتثات جميع الأنابيب والمسالك العشوائية التي كان الأطفال يستعملونها للانتقال من الجهة اليمنى للوادي إلى اليسرى، فضلا عن الشروع في تغطية ضفافه بأعمدة كهربائية جميلة، اقتصادية وتعمل بطريقة أوتوماتيكية، على طول 36،4 كلم من الجهتين، إذ وكما كشف لنا السيد عنان موسى المهندس الكهربائي ل«وادي الحراش» والموظف في الهيئة الوطنية للرقابة التقنية لبناء الري، فإن نسبة الإنجاز بلغت أزيد من 60 بالمائة، حيث سيتم وضع 1200 عمود كهربائي على طول الوادي و500 عمود آخر لتزيين المرافق والمساحات الخضراء والمنتزهات التي سيتم تشييدها على ضفاف الوادي، ما يؤكد فعلا أهمية هذا المشروع الضخم الذي غيّر وجه العاصمة رأسا على عقب وباتت اليوم نموذجا حقيقيا للتنمية الخضراء المستدامة. في قاعدة الحياة لشركة «كوسيدار» صحيح أن الجولة الميدانية كانت متعبة وخطيرة في آن واحد، بسبب احتمال فيضان الوادي، وتواجدنا أحيانا في وسطه للوقوف على نوعية ونسبة الأشغال، فضلا عن مرور العديد من الشاحنات المحملة بالأتربة والرافعات التي كانت تجرف الأوساخ والقاذورات المتراكمة، إلا أن المهمة كانت شيقة ومثيرة، لاسيما بعد التقائنا بالسيد طويل مراد نائب مدير شركة «كوسيدار» مكلف بالدراسات، الذي وجدناه في مكتبه بقاعدة الحياة المتواجدة في سيدي رزين ببراقي، حيث لمسنا فيه روح التفاني والرغبة الجامحة في رفع التحدي التي يتمتع به العامل الجزائري وعدم شعوره بعقدة النقص تجاه المتعامل والشريك الأجنبي، ودون مقدمات أكد لنا هذا المسؤول أن الطاقم الفني والإداري للمؤسسة، كان واثقا من نجاح المهمة بالرغم من أنها الأولى من نوعها، حيث لم يسبق لشركة «كوسيدار» وأن قامت بتهيئة الوديان في الجزائر، إلا أنها استطاعت إقناع مديرية الموارد المائية بالعاصمة، بقدرة وكفاءة كوادرها على إنجاز المشروع، موضحا أن فكرة تهيئة الوادي، جاءت بعد الزيارة التي قام بها منذ سنوات دولة الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، لما كان وزيرا للموارد المائية إلى كوريا الجنوبية، حيث سمحت له الزيارة بالاطلاع على خبرة البلد في تهيئة وادي سيول، ليقتنع بتجربتهم الرائدة في هذا المجال، ويعرض عليهم إمكانية القيام بنفس الأشغال في بلادنا، والدخول كشريك في عملية تهيئة وادي الحراش، لتنطلق الأشغال رسميا في جوان 2012، بتقسيم الوادي إلى عدة أشطر (7) كلم لشركة «كوسيدار» و(11) كلم لمجمع «دايوو»، مبرزا أن الهدف الأساسي من «مشروع القرن» هو الحفاظ على البيئة وتحقيق الرفاه للمواطن الجزائري، فضلا عن حماية العاصمة من الفيضانات بعد تقلص مساحته... هنا فكرت الحكومة في تجنب ما يعرف علميا ب«الفيضانات القرنية» (فيضان الوديان كل 100 سنة)، والقضاء على هذه النقطة السوداء، التي كانت تشوه الوجه الجمالي للولاية، بعد مفرغة وادي السمار التي طوي ملفها في 2012، ليوضح محدثتنا أنه وتفاديا لوقوع الفيضانات تم توسعة الوادي، ما مكن من استرجاع ( 154 ه) من الأراضي في إطار نزع الملكية، الأمر الذي سمح بتحويل العديد منها إلى فضاءات للراحة والنزهة، كاشفا أن الأشغال بلغت 75 بالمائة، وأن العملية الأخيرة من المشروع، سترتكز على نزع الأتربة أو ما يسمى تقنيا ب«جرف مجرى المياه»، التي انطلقت فعليا في 2014، وهي لا تزال مستمرة إلى حد اليوم، واصفا إيّاها بالمهمة الصعبة، باعتبار أن الأتربة قد تعود مجددا لتغمر قعر الوادي في حالة ما إذا سقطت الأمطار بغزارة، وتجنبا لأي طارئ، ارتأت «كوسيدار» تأخير عملية الجرف في بعض الأشطر، إلى حين اكتمال عملية تهيئة ضفاف الوادي ومعايرته بالآجر الاسمنتي، كما قررت استعمال الأطنان من الأتربة التي جمعتها بعد القضاء على حي «الرملي»، وتطهير المساحات التي استرجعتها، كردوم لتسوية الأرضية وغرسها بالعشب الطبيعي، زيادة على توجيه غير الصالحة منها إلى المفرغة التقنية لمعالجتها واستخراج ما يصلح منها من مواد ليتم رسكلتها لاحقا. اليد العاملة الجزائرية ترفع التحدي ما ينبغي الإشارة إليه، هو أن هذا «المشروع الاستيراتيجي» الضخم كان فرصة لعمال «كوسيدار» والبالغ عددهم 500 شخص (منصب شغل مباشر وغير مباشر)، لتعلم الكثير من الأمور التي كانوا لا يتقنونها على غرار عملية غرس الأشجار، إنجاز ميادين كرة القدم بمعايير دولية، وضع العشب الطبيعي على مساحات واسعة، تشييد بعض المرافق الرياضية كغرف تغيير الملابس، ملاعب كرة اليد، المسابح... إلخ، ما دفع نائب مدير شركة «كوسيدار» مكلف بالدراسات، بالتأكيد على أن الجزائري بطبعه لا يخشى الصعاب ولا يخاف من الفشل، وأنه أقنع في الكثير من الحالات الشريك الكوري بالعديد من الأفكار والملاحظات التي تخص عملية تهيئة وإنجاز المشروع، موضحا أن وادي كان مرتعا لجميع الآفات الاجتماعية، وقد تعرض الكثير من عمال الشركة للضرب والسب والشتم، وأن ضفافه كانت تشبه أدغال غابات الأمازون لكثرة الأحراش والأشجار والنباتات التي نمت بالقرب من البيوت القصديرية، التي كانت ملجأ خصبا للعصابات الإجرامية مشكلة، ما يشبه «جيتو» محرما على كل شخص أجنبي يريد الدخول إليه، مبرزا أن «مشروع القرن» أكسب العمال خبرة كبيرة، قد تسمح لهم مستقبلا بتهيئة وديان دول أخرى، إذا احتاجت إلى تجربة «كوسيدار»، كاشفا لنا في ذات السياق، أن الشركة تحصلت بفضل مشاريعها المنجزة، على (3) شهادات «إيزو»، الأولى : 9000 خاصة بالجودة، الثانية: 14001 بالأمن والسلامة والثالثة: 18001 لمتعلقة باحترام المحيط، ما يؤكد أنها باتت اليوم في مصاف الشركات الدولية المتعددة الجنسيات، وقادرة على خوض عالم المنافسة دون أية عقدة نقص... ولأن الكثير من المواطنين الذين تحدثنا إليهم، عبروا لنا عن مخاوفهم من توقف ورشات المشروع، بسبب التقشف المتبع من قبل الدولة، نفى محدثتنا تأثير سياسة ترشيد النفقات، التي تتبعها الحكومة على هذا المشروع الحيوي، مشددا على أن السلطات العليا في البلاد، عازمة على اتمام عملية تهيئة الوادي إلى غاية تسليمه، بدليل مصادقة الحكومة على الغلاف المالي، وكذا تقدم الأشغال بنسبة كبيرة، وأن القضاء على هذه النقطة السوداء يعني طي ملف التلوث البيئي الذي كان يطرحه الوادي إلى الأبد، ما سيسمح بتحقيق الرفاه العمومي للمواطن الجزائري. «منبع المياه» جنة فوق الأرض بعد الجلسة الحوارية الشيقة التي جمعتنا بإطار شركة «كوسيدار» السيد طويل مراد في قاعدة الحياة ببراقي، قررنا بعدها زيارة شطر آخر من مشروع تهيئة الوادي، حيث توجهنا إلى حي «الدهاليز الثلاثة» الواقع ببلدية الحراش، وفي هذا المكان وقفنا على عملية تشييد جسر حديدي جديد من قبل عمال «كوسيدار»، قضى نهائيا على مشكل التنقل من الضفة اليمنى للوادي إلى اليسرى، حيث منتزه «منبع المياه» (La prise d'eau)، وقد دفعنا فضولنا للمرور عبر الجسر وتجريبه بغية الوقوف على صلابته وعيوبه إن وجدت طبعا... لكن صراحة حتى وإن كنا لا نملك أية خبرة في تقييم تشييد مثل هذه المرافق القاعدية، إلا أننا تفاجأنا بنوعية أشغاله المتقنة، حيث أكد لنا نائب مدير «كوسيدار»، أن الجسر أنجز وفق المعايير الدولية المطلوبة، وتم اختباره تقنيا وأكدت بالمناسبة هيئة المراقبة أنه آمن وعلوه مرتفع وسيقضي نهائيا على مشكل تنقل المواطنين، خصوصا وأن السكان كانوا يستعملون في الماضي أنبوبا مائيا من زمن الاستعمار الفرنسي للتنقل من حي «الدهاليز الثلاثة» بالحراش إلى أحياء بلدية «بوروبة» في الضفة المقابلة، ليلتمس منا محدثنا الانتقال إلى منتزه «منبع المياه»، حيث كانت دهشتنا كبيرة ونحن نتفقد هذا الفضاء الأخضر الخلاب، الذي كان في السابق منطقة محرمة على الجميع، إذ شيّد فيه ملعب خاص بكرة القدم معشوشب طبيعيا، 4 ميادين لكرة اليد، بحيرة مائية يمر فوقها جسر خشبي، كراس للعائلات وفضاء للعب لفائدة الأطفال، وفي هذا المكان انتهزنا فرصة تواجد بعض الأمهات والآباء الذين كانوا رفقة أبنائهن، لنسألهم عن رأيهم بخصوص هذا المنتزه الذي دشنه 7 وزراء في مارس 2016، إذ أجمعوا كلهم أن الفضاء جنة فوق الأرض، وأنهم سعداء بهذه الحديقة الغناء، شاكرين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي أثبت بالفعل اهتمامه بالتحسين البيئي في بلادنا، والعمل على ترسيخ ثقافة الحفاظ على المحيط. توجهنا في اليوم الموالي إلى ورشة تهيئة منطقة جسر قسنطينة، التي تقع بالقرب من الطريق الاجتنابي الجنوبي... كانت المنطقة مهجورة، مليئة بالغبار والردوم المستخرجة من الوادي، لم نجد وقتها سوى عمال «كوسيدار» يصارعون الزمن ويقاومون حرارة الشمس الشديدة، لكن رغم ذلك لمسنا فيهم إرادة رفع التحدي وقدرتهم على اتمام الشطر الذي كانوا يشتغلون عليه في آجاله المحددة، وحسب ما أخبرنا به مرافقنا الإعلامي، فإنه تقرر في هذا المكان، الذي سيسلم هذه الصائفة، تشييد عدة مسالك للراجلين، مساحات خضراء، فضاءات للتسلية، الإنارة العمومية، فضلا عن إنجاز مرفأ صغير للزوارق والبواخر التي ستمخر على طول 5 كلم إلى غاية الساحل العاصمي، مع إنجاز فندق ومطاعم للسياح، ما سيغير وجه هذا الفضاء الذي كان في وقت قريب مكبا للنفايات والقاذورات ومرتع للإجرام والسرقات. في ضيافة مدير أشغال شركة «دايوو» في اليوم الأخير من الزيارة (9 أبريل المنصرم) وبعد التقائنا بمهندسي «الهيئة الوطنية للرقابة التقنية لبناء الري» في قاعدة الحياة ببراقي، تعرفنا على طريقة عملهم وكيفية دراستهم ومصادقتهم على مختلف المشاريع التي تقوم بها شركتي «دايوو» و«كوسيدار»، وتسجيل التحفظات والملاحظات -إن وجدت- على الاختلالات التي يقفون عليها في مختلف الخرائط الطوبوغرافية التي يعدها مكتب الدراسات، كما استمعنا لشروحاتهم بخصوص أهمية الهيئة في مراقبة أشغال التهيئة من الناحية التقنية... وبعد الظهيرة، كان لنا لقاء مع مدير أشغال «دايوو» السيد كيم بيونغ يونغ رفقة مترجمته الشخصية في مكتب الشركة المتواجد بالقرب من مكاتب «كوسيدار» بقاعدة الحياة لبراقي، حيث أكد لنا أن مشروع تهيئة الوادي يتكون إجمالا من 4 أشطر، وضمن هذه الأشطر الأساسية يوجد 19 فرعيا، حيث تتكفل «داييو» بإنجاز 70 بالمائة من المشروع (30 بالمئة الباقية على عاتق «كوسيدار)، مضيفا أن عملية التهيئة ليست صعبة من الناحية التقنية، لكن ما يميز الوادي هو وجود عدة عراقيل ومعوقات أهمها : أنابيب المحروقات الستة ل«نفطال» و«سوناطراك» المتواجدة بالحراش... ولحل المشكل سيتم تحويل هذه الأنابيب على طول 1،4 كلم، كاشفا لنا أن الأشغال لا تزال متوقفة لحد اليوم، بسبب انتظار شركة «كوسيدار» فرع القنوات، الموافقة على الاعتماد المالي من قبل الوزارة الوصية والمقدر بحوالي 3 مليار دج للانطلاق في الأشغال، معترفا بصعوبة عملية التحويل بسبب مشكل نزع الملكية لوجود عدة سكنات ومصانع وورشات على ضفاف الوادي، ليطمئننا بأن الورشات في الأشطر الأخرى تتم في ظروف عادية، بعد الانتهاء من أشغال التهيئة المائية والبيئية على مستوى بن طلحة، التي ستسلم قريبا ل«ديوان حظائر الرياضات والتسلية» (Opla)، للشروع في تسييره، مثنيا في سياق حديثه، على الأشغال التي قامت بها «كوسيدار» بالرغم من نقص خبرتها في مجال تهيئة الوديان. وحتى نقف على نوعية الأشغال التي أنجزها المجمع الكوري، اقترح علينا السيد كيم بيونغ يونغ، زيارة بعض الأشطر التي تكلفت بتشييدها الشركة على غرار المتواجدة ببلديتي بن طلحة وسيدي موسى، حيث كانت أول محطة في برنامج الزيارة، «ملتقى الوديان» الواقع بين الحراش ووادي جمعة الذي بلغت نسبة أشغاله 99 بالمئة، ليطلعنا على سير إنجاز محطة مضخة المياه المعالجة ببراقي التي تنتظر إزالة عائق الأعمدة الكهربائية في منطقة «سليبة» لتكتمل حينها عملية ربط القنوات فيما بينها، فضلا عن تدعيمها بالأجهزة الالكترونية التي تم تسلمها مؤخرا، لتنطلق المحطة البالغ قطرها 1100 ملم، بإرسال 90000 متر مكعب من المياه على طول 11 كلم، إلى غاية منطقة «مقرونات» بسيدي موسى، إذ تسمح هذه الكمية من الماء برفع منسوب الوادي إلى إلى أقل من متر، ما يجعل منظر الوادي جميلا في فصل الصيف، حيث تكون كمية المياه ناقصة وشحيحة. وحتى يطلعنا المسؤول الكوري على الأشغال التي أنجزتها «دايوو» في «مقرونات» بسيدي موسى، التمس منا مرافقته إلى المنطقة، التي تبعد عن مركز العاصمة بحوالي 30 كلم، لمعاينة الفضاء الخلاب الذي تم تشييده هناك، حيث تفاجأنا بالمساحة الخضراء الشاسعة التي تم غرسها في هذا الشطر، والمنشآت القاعدية التي تدعم بها الوادي، منها جسر أرضي للراجلين، أماكن مخصصة لجلوس العائلات، 3 ملاعب بمقاييس عالمية لممارسة كرة القدم، فضلا عن برمجة مسبح أولمبي بمواصفات دولية، انطلقت مؤخرا الدراسة الخاصة به، على أن تتكفل شركة «سوناطراك» بإنجازه، حتى تضع لمستها الفنية والرياضية على «مشروع القرن». نقص الحس المدني النقطة السوداء ما ينبغي الإشارة إليه، هو أنه ولدى زيارتنا لهذه الجنة الغناء (منطقة مقرونات)، تفأجانا بالأوساخ والقاذورات المرمية في هذا المكان بل الأكثر من ذلك وجود بعض الرعاة يقودون قطعان من الغنم كانت ترعى بطريقة فوضوية من العشب الذي غرسته «دايوو» !، في غياب تام للمسؤولين الذين كان ينبغي عليهم التدخل لمنع هذا الرعي العشوائي وتحسيس المواطنين بضرورة المحافظة على المشروع الذي أنفقت عليه الدولة ميزانية ضخمة، ما يستدعي صرامة ومتابعة دائمة من قبل «ديوان حظائر الرياضات والتسلية»، المكلف بتسيير الفضاءات الخضراء والمحافظة عليها، دون أن ننسى تكسير بعض ممرات الراجلين المصنوعة من الخشب المتواجدة ب«منبع المياه» و«منتزه صابلات»، ووجود بعض الأطفال وهم يسبحون في مياه وادي الحراش الملوثة، ما يجعلنا نتساءل عن دور أعوان الديوان في السهر على صيانة هذه الممتلكات والمحافظة عليها من الضياع.... توجهنا بعدها رفقة مدير أشغال «دايوو» كيم بيونغ يونغ، إلى محطة ضخ معالجة المياه ببراقي، حيث وجدنا في انتظارنا الشاب عنان موسى مهندس كهربائي بالشركة الكورية، الذي أكد لنا بالمناسبة تزويد وادي الحراش ب(4) محطات لمراقبة جودة المياه، و(3) محطات لمراقبة مستوى المياه تشتغل بطريقة أوتوماتيكية، فضلا عن محطة ضخ المياه المعالجة ببراقي، موضحا أن جميع المنشآت الفنية باتت تقريبا على جهوزية تامة، ولم يبق سوى بعض الروتوشات الفنية لتدخل حيز الخدمة بصفة رسمية. وفي الأخير أنهينا الزيارة الاستطلاعية، بتفقد المنطقة الرطبة التي سيتم إنجازها في منطقة جسر قسنطينة، حيث أخبرنا كيم بيونغ يونغ أن مساحتها الشاسعة تقدر بحوالي 30000 متر مربع، وسيشيد فيها ملعبين لكرة القدم وعدة برك مائية التي تربى فيها بعض أنواع الأسماك، وأماكن للراحة زيادة على ملعبين للتنس، و(6) مطاعم، فضلا عن حظيرة للسيارات تسع ل500 مركبة، وإنجاز حديقة كورية تغرس فيها نباتات محلية لتزيين هذه المساحة الخضراء. الرئيس بوتفليقة يحوّل الحلم إلى حقيقة هكذا ختمنا هذا الروبورتاج الذي دام 4 أيام كاملة بزيارة مختلف أشطر تهيئة وادي الحراش، من منبعه المتواجد على الحدود بين الجزائر العاصمة والبليدة إلى غاية المصب في البحر الأبيض المتوسط، حيث أكد لنا المواطنون الذين التقينا بهم، أنه لولا رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، لما تحوّل هذا الحلم إلى حقيقة، إذ أن الكثير منهم لم يصدق انطلاق أشغال تهيئة الوادي، لما كان يشكله من عبء بيئي وحتى ديموغرافي على ولاية الجزائر، فمن كان يصدق قدرة السلطات العمومية على طي ملف قصدير حي الرملي؟ والبدء في إجراءات نزع الملكية وجمع الأطنان من القاذورات والأتربة التي كانت تغمر قاع الوادي، وتحويل بعض المناطق التي كانت محرمة على المواطنين إلى مساحات خضراء غناء... إلخ، هكذا إذن أثبت الحكومة أنها وفية لالتزاماتها وقادرة على رفع التحدي، في سبيل المحافظة على البيئة وتحقيق ما يسمى الرفاه العمومي والسعادة الاجتماعية للمواطن الجزائري.