نادية بوخلاط كاتبة و إعلامية جزائرية ،مليئة بالجرأة و الحيوية المتدفقة دون ممانعة أو خجل تهتم و تعمل كثيرا على تطوير مهاراتها الكتابية و الإبداعية، فمن كتابة الخواطر إلى المقالة إلى القصيدة النثرية ثم القصّة القصيرة، لتجرب في الأخير الكتابة الروائية،كاتبة لها القدرة على الغوص في العديد من الفنون ، شاركت في الكثير من الملتقيات و الندوات الأدبية ، تمتاز الكاتبة نادية بوخلاط بالإصرار و العزيمة في مجابهة الصدمات و الانتصار للحق و هو السر الذي يدفعها دوما إلى مواصلة الكتابة و ممارسة عاداتها الإبداعية بمنتهى الثقة باعتمادها على التجربة الشخصية الحميمية في الحب و الاغتراب والانكسار و قلق الانتظار و تعرية الواقع بأسئلتها و مواقفها الخاصة و الحقيقة أن الكاتبة نادية بوخلاط تريد فهم ذاتها من خلال الكتابة عن المرأة و معاناتها و قد أثمرت هذه التجارب مجموعة قصصية " عازفة الماندولين" و روايتين فالأولى " امرأة من دخان " و الثانية " طوق الياسمين " و عدة نصوص و مقالات متناثرة عبر الصحف و الجرائد و المدونات الالكترونية. " امرأة من دخان " هي أولى الروايات المنشورة بدار المعتز الأردنية سنة 2017 حيث يتوقع القارئ بلا شك عند بداية القراءة أن المنجز جاء مبتورا من الفاتحة النصية التي تقدم رؤية لمحتوى النص و أحداثه،ليكتشف في الأخير لحظة البداية " سأعود إلى فرنسا يا هبة الله لن أبقى هنا لحظة واحدة فلن احتمل الحياة و العيش بدونك ، ستذكرني بك كل ناصية شارع،كل زاوية مقهى و كل قصاصة مجلة،من أجلك سأحكم على نفسي أن أكون سرابا و مثلما أردت و اخترت أن تكوني امرأة من دخان..." ص84 هي تفاصيل من المتعة و الاكتشاف، و محاولة لاختزال تجربة امرأة متزوجة " هبة الله" عاشت أعواما من الظلم و القهر و التهميش و القلق المتلاحق، هي امرأة تحاول أن تثور ضد التهميش و الاستلاب،تريد أن تحيا لنفسها،هي امرأة تبحث عن السعادة و الإشباع العاطفي في إعادة اكتشاف أنوثتها من جديد فتتورط في علاقة غرامية مع "جيرارد مراد بلقاسم" الصحفي الذي يعيش الغربة و الاغتراب معلق القلب بين فرنسا من ناحية الأم و بين الجزائر من ناحية الأب فبعد المراسلات و المكالمات الهاتفية و اللقاءات العابرة بين الشخصيتين الرئيسيتين جاءت لحظات المتعة و التوحد و المغامرة في صحراء تمنراست " ها قد عدنا نلتقي مجددا بعد خمسة عشر عاما من العذاب و الشوق و البعد،خذني إلى عالمك جيرارد" ص40 لتنهي المغامرة في الأخير بصدمة الحقيقة التي تنتشلهما من دخان الوهم و الأحلام. و ربما يمكن تشكيل النص و إعادة بنائه كون الكاتبة نادية بوخلاط هي السارد و المسرود و ربما أحداث النص هي سيرة ذاتية بامتياز.. ! و في الأخير نقول أن النص لا يمكن تصنيفه في خانة الرواية لعدم تضافر العناصر الأساسية لهذا الفن من حيث تعاقب المدة الزمنية و تداخل الأحداث و كثرة الشخصيات،و نظرا للسمات و الخصائص المشكلة للنص يمكن اعتبار أن " امرأة من دخان" قصة طويلة حيث تختصر الأحداث في حوار سريع باعتمادها على شخصيتين رئيسيتين،تدوم العلاقة بينهما أياما قليلة في سفرية واحدة من العاصمة إلى مدينة تمنراست بالجنوب الجزائري لتنتهي المغامرة بالعودة إلى العاصمة و بذلك فهي تحافظ على ملامح و قسمات القصة أكثر من أي قالب فني آخر، يشعر القارئ من حين لآخر و كأن النص خلق من عجل و هذا لا يمس بقيمته الفنية من حيث أنه يحافظ على تماسك الأفكار و يحقق اللذة و الإمتاع بلغة بسيطة توصل القارئ إلى الدلالات و المعاني الخفية دون عناء . تستمد الكتابة عند " نادية بوخلاط" ملامحها و سماتها من المجتمع الجزائري بهمومه و مشاكله و تناقضاته كما هي عصير تجارب قاسية من التهميش و الوحدة و الاغتراب و المعاناة و كثير من الخيبات التي عاشتها الكاتبة حقيقة،لذلك تعتبر الكتابة عند نادية بخلاط تعبيرا عن الذات ، هي الثورة و التمرد عن واقع المرأة الجزائرية المقهورة و المكبلة بالعادات و التقاليد السلبية،الكتابة عند بوخلاط هي صوت المرأة النابض بالحياة.