قَول القول: مبدئيا؛ ليس هناك فن بدون قضية، والمسرح باعتباره أبو الفنون؛ بالمعنى الإبيسي للكلمة؛ فهو الأقدر على طرح القضايا ذات الطابع الإشكالي المنغرس أو المنبعث من البنية المجتمعية؛ولاسيماأنه الأقرب؛ إبداعية للتفاعل بين الجسدي والفكري والروحي؛ بغية اكتشاف معنى الوجود وما في الوجود؛ منموجود، مما يساهم رأسيا تغيير نظرة الإنسان للكون وللإنسان؛ وأفقيا في طباعه وسلوكاته وتطبعه في محيط وجوده. ومن ثمة فهو سلاح حضاري؛ حاد الزوايا في استنهاض الفكر وانتعاشة الروح وصياغة ثقافة سليمة وفعالة ؛ تدفع بالمكون الثقافي الذي أساسه الإنسان؛ تجاه الرقي والسمو؛لكن المسرح[العربي]تبدلت معطياته السامية التي من أجلها انوجَد؛ وأمسى ضمن ثقافة الاستهلاك؛ متحولا إلى [سلعة ]خاضعا لشروط الإنتاج والترويج؛ وهذا لا ينفي بأن المسرح الاستهلاكي ( أو) التجاري لمْ يكُن حاضرا في الثقافة العربية !، ولكنه كان يعيش نوعا من الحصار الجماهيري؛وفي نفس الآن كان مدانا ومرفوضا ؛ فالعديد من القوى الثقافية و الإبداعية؛بحكم طروحاته المبتذلة والترفيهية الفجة وكذا سطحيتها الهادفة لتبليد الفكر والأحاسيس؛وترسيخ مفهوم * الكاتتريس* بمنظور يذكي المهادنة والاستسلامية؛ تجاه كل ما هو سلبي؛وضد أحقية إنسانية الإنسان في العيش والعدالة الاجتماعية إلا أن مضامين انتشار إيديولوجية ثقافة الاستهلاك والمؤسسات الثقافية والسياسية؛ التي تبنى عليها في قلب مركزها في العالم الأول والأماكن الأخرى؛ حيث تبنتها الأقليات القليلة المنتفعة؛ إلى بقية أنحاء العالم، هو تغيير اجتماعي على قدر حقيقي من الأهمية العالمية (1) بداهة التغيير يفرض نفسه؛ بحكم حركية المجتمع وما يحيط به من تحولات طبقا للسيرورة التاريخية؛ ولكن ليس من أجل أقلية ضد الأغلبية؛ لكن منظور العولمة يسير في الاتجاه المعاكس؛ وذلك بغية تقليص قدرات الشعوب؛ في الحراك المضاد وايجابية في الحراك الاستهلاكي؛ بحيثيلاحظ الآن التسابق اليومي نحوَ محلات[الهمبورغر/ الماكرو تجاري] من أجل الأكل و التسوق، فحتى الأسر ذات الدخل المتدني أو التي تعيش في هوامش المدن أو الأرياف؛أو الذين هاجروا من القرى والمداشر؛ولم يتكيفوا بعْد بمظاهر المدينة والمدَنيَّة، تتسابق وتتلفظ ب [shopping] بدل[ التسوق] ، أو [ الاقتناء] فمن وجهة نظري: من حقها؛ وتلك قناعات ذاتية كاختيارات؛ ولكن الأمر يترك نوعا من الارتجاجات النفسية؛ التي تؤدي للجنوح والانحراف؛ وما الشذوذ والجرائم المحيرة للعقل التي طفت في عدة دول عربية؛ ما هي إلا مؤشر نفسي ومدى علائقه بالاستهلاك ؛ الذي يعد إيديولوجية العولمة ، إضافة لانتزاع سيادة الدولة في الضبط والاحتراز حول السلع والبشر و تدفق المعلومات والأفكار؛ وطبيعي جدا أن الدولة [ العربية] ستتراجع وتتقلص قدرتها لاعتبارات داخلية أهمها؛عدم تجدد شرايين الأنظمة والتناوب والحسم في إشكالية التنمية؛ وخاصة الاقتصادية والفكرية ,أما العامل الخارجي فهو الأقوى وخاصة في التدفق الهائل في مجال المعلومات والإعلام؛ التي اخترقت الحدود؛ وساهمت في تغيير الجغرافية السياسية؛ وكذا التوظيف العملي للتكنولوجيا والتحكم في الأقمار الاصطناعية؛ وبالتالي فالخوصصة] استراتيجية لتجاوز نظام الدولة والشعب وتقليص أدوارهما؛ وهاته المعطيات سائرة في التطبيق؛ مما تم تهميش المجال الثقافي الفاعل في كيان الأمة؛ وانحصر الفعل الثقافي والإبداعي؛ في الزاوية الترويجيةالسياحية [فلكرة الثقافة] وتشريع بوابة الشراكات الأوربية والمؤسسات الدولية غير حكومية؛ وهذا الانفتاح من طبيعته أن يغير أساليب الإنتاج ؛ ليظل تابعا للعرض والطلب وبالتالي : إن قفز المجتمعات العربية إلى الاستهلاكية من دون أن يرافق هذا القفز تحولات داخلية فيها ضاعف النتائج السلبية لهذه الأنماط, مما حول الإنتاجات الفنية والإبداعية ؛ إلى مواد وسلع واستهلاك.. هذا هو الانهيار الكبير الذي نشهده ونشاهده ونعيشه؛ على مستوى الفن, وهذا التراجع الرهيب لكل ما هو خارج النمط الاستهلاكي؛ مما تحول المجال – المسرحي- بكل تنويعاته وتفريعاته؛إلى سلعة استهلاكية إعلامية, وتخلّي عن موقعه في مواجهة الواقع وتجاوزه ، كيف يمكن له ذلك ولقد أضحى : سلعة مرتبطة بمختلف التعابير المتخلفة والمتراجعة, فبدل أن يتجاوز المنحى الاستهلاكي الذي جرف ما يسمى وسائل الاتصال توقف عندها فأصبح المسرح الاستهلاكي الذي يستغل مآسي الناس وقضاياهم وهمومهم وتناقضاتهم والواقع لأهداف تجارية بحتة (2) فهاته الوضعيةفرضت إقحام الشركات؛ لعرض منتوجاتها التجارية؛ بشكل مباشر؛ وذلك بحكم أن العديد من الفرق التي كانت شعلة في العطاء الإبداعي/ الفكري/تحولت إلى شبه مقاولات؛ أو مقاولات تتحكم فيها المقايضات سواء بين المنتجين والمستشهرينوالممثلين والأطراف المساهمة في العرض[المسرحي] وبالتالي تميع المجال المسرحي؛ وأمسى سوقا للمضاربات والصراعات؛ من هنا افتقد الوجه الأسمى للمسرح؛ جماليا وفكريا وسياسيا:كأنما لم يبق من المسرح السياسي العربي أثر يذكر, هذا الانطباع تكرس سواء عبرالمهرجانات أو العروض المنفردة في (مهرجان القاهرة التجريبي وقرطاج والمهرجات الخليجية وعمان) كأنما تراجع المسرح السياسي أدي إلى حد كبير إلى تراجع المسرح ككل كما لو أنهما توأمان وكأنما الجمهور بابتعاده عن الحالة المسرحية كان يسجل ارتباطاً بالسياسي(3) فطبيعة الجدل تفرضهاته الصورة القاتمة عن نوع من الفعل المسرحي الراقي والفعال في البنية المجتمعية؛ وبالتالي فالعولمة فيبعدها العام هجمة وحرب ثقافية؛ مفادها تهجين العالم العربي؛ وتجريده من خصوصيته؛ على أساس فرض وترسيخ مفاهيم ثقافية و سلوكات وتقاليد[ الآخر] عبر آليات ثقافية؛ تمارس الغزو والفتك؛ لتشويه الهوية ثم القضاء عليها؛ وذلك من خلال تمرير مصطلحات وتقديم النماذج؛ ولنا الآن (مثال) في [الجندر »sexe » ( ليعوض مصطلح[ التفريق بين الذكر والأنثى] وذلك لشرعنة الشذوذ الجنسي؛وبالتالي فمدخل القطب الثقافي لن يتم إلا عن طريق القطب السياسي ؛ ولاسيما أن الوضع السياسي العربي، أمسى متهلهلا وسلبيا سواء في قضاياه المحلية أو القومية أو الدولية؛ ولم يعد يسيطر إلا على ما أراده [ الآخر] أن تتم السيطرة عليه؛ ونلاحظ عبر الخريطة العربية؛ ليست هنالك [معارضة/ احتجاج] حول أخطار أوسلبيات العولمة؛ ;على البني المجتمعية[عربيا] كما هو الشأن في الحراك المدني والسياسي في /أوربا/ أمريكا/ شرق آسيا/ ومن البدهي؛ أن يسهل التأثير؛ وإن كان المنطق يقتضي؛ بأنه لايمكن لأي مجتمع أن يعيش بدون سلطة؛ التي هي شرط تماسك الجماعة؛ سلطة ليست بالمفهوم القمعي والاستبدادي؛ والتي تبدأ منذ التنشئة الاجتماعية (الوالدين) مرورا بالتعليمالأولي والرسمي ، إلى غير ذلك؛ لكن في سياق التحولات؛ أمست السلطة متراخية أو بالأحرى مغلوبة على أمرها؛ مما يقع/ وقع انفلات ؛ أحدث فجوات أعمق تهدد القيم والتصورات؛ التي أدت باستفحال [الجنس] كقيمة استهلاكية في بعدها السلبي والإبتذالي : صفوة القول: وعليه ؛فنحن أمام مخطط أعد له سلفا ومنذ عقود؛من لدن جهابذة الاختراق والاستراتيجيات منطلقين من أرضية فكرية بعيدة المدى؛وما أطروحة المعرفة والتواصل التي تلوح في فضائنا وخطاباتنا؛ ماهي إلا غطاء لمفهوم العولمة ذات البعد الهيمني ؛التي يعبر عنها[ صموئيل هنتجتون] صراع الحضارات؛والتي هي في الواقع صراع قيم؛نظرا أن الحضارة ملك إنساني؛ولكن أطروحة الصراع وجه لخلق نوع من الانفتاح الفكري والسلوكي نحو الآخر؛مما يفرض عدم الانغلاق على الذات؛ من أجل نبذ التعصب الفكري والثقافي؛الذي يهدف ضمنيا إلى إلغاء الآخر؛وفعلا؛ما وقع ويقع من حروب واستعمار للعَديد من الدول العربية / الإسلامية؛فأوضح نموذج [العراق] ومخطط التهويد لبيت المقدس الذي يعتبر الروح الحية والنابضة للحضارة الإسلامية / العربية؛ وفي السياق ذاته فالقوى[العربية] المناهضة؛لكل ما يحاك حولنا؛بكل أسف شديد تتخبط في صراعاتها الداخلية؛والبعض يبحث عن تخريجات لإثبات ان وجاده؛عبر مسالك محتشمة؛وبعض البعض انهارت معنوياته؛إثر الحصار والقمع الممنهج ؛مما تهلهل الإبداع المتميز وَ الفاعل في النسيج الاجتماعي؛بحكم أنه كان يلازم ويتغذى ويتقاطع وخطاب اليسار أو المعارضة لكل خطاب أوممارسة مهادنة واستسلامية؛وبالتالي انجرف وراء [ثقافة الاستهلاك] .