*بلغ السيل الزبى* , هذا مثل ورثناه عن عرب الجاهلية الذين كانوا يصيدون الأسود بواسطة *الزبى* , وهي كما يقول *الميداني*في كتابه *مجمع الأمثال*: (جمع زبية , و هي حفرة تحفر للأسد إذا أرادوا صيده. و أصلها الرابية لا يعلوها الماء , فإذا بلغها السيل كان جارفا مجحفا. يضرب-المثل- لما جاوز الحد). إذن, الزبى عند أسلافنا منذ أكثرمن 15 قرنا , لم تستعمل مصيدة للأسود فقط , و إنما استغلوها أداة للوقاية من إجحاف السيول , رغم أنهم كانوا يعيشون في منطقة جرداء قاحلة ! و هم معذورون في ذلك , فالسيول لا تؤتمن , و لم يكن لهم أقمار صناعية , أو محطات للرصد الجوي , و لا مراكز لإنجاز الخرائط الطبوغرافية , ولا خبراء و مهندسون مختصون في الري , كما لم تكن في متناولهم ميزانية سخية توفر لهم على الدوام مئات بل آلاف الملايير لتمويل مشاريع لترويض السيول , و منعها من أن تجرف كل ما يعترض طريقها من بشر و حجر وشجر و بنايات و منشآت و عربات ... كما تعودت أن تفعل كل عام في ولاياتنا شرقا و غربا شمالا وجنوبا , متسببة في عدة خسائر بشرية و مادية ؟ علما أن 36 ولاية في بلادنا مصنفة ضمن المناطق المعرضة لخطر الفيضانات ! و يبدو أنها ستظل معرضة لهذا الخطر لأجل غير مسمى, لأن الفيضانات تعود إلى نفس المناطق لتبرهن مهندسينا وخبرائنا على هشاشة تدابيرهم , ودراساتهم , ومخططاتهم, وخبراتهم, و عجزها عن الوقاية من خطرها. فمنذ حوالي 5 سنوات نقلت الصحافة تصريحات رسمية مفادها *أن نظام توقع وإنذار خاص بفيضانات الأودية سيكون عمليا عبر كامل التراب الوطني بغية حماية المدن من الفيضانات.* كما أنه ما من ولاية من الولايات ال36 المذكورة , إلا و حظيت بمشروع أو أكثر لحمايتها من الفيضانات, و مع ذلك يستمر بها السيل في جرف الزبى وما وراءها ؟ من جهة أخرى , فقد بدأنا في سن القوانين لتسيير الكوارث الطبيعية منذ زلزال الأصنام سنة 1980 , و طيلة ال38 عاما الماضية عرفنا عدة كوارث كالزلازل و الفيضانات , والحرائق و اجتياح الجراد , والكوارث الصناعية , وفي كل مرة كانت الأضرار أكثر , وكان المنكوبون أصبر , ولذا فإن الجزائر ستواصل اعتمادها على نفس المنهجية في مواجهة هكذا كوارث, أي *سن قانون بعد كل كارثة , أو تعديل وإتمام آخر.* و ما دامت هذه الفيضانات تتحدى الإجراءات الوقائية التي تتخذها السلطات العمومية , فما المانع من مساءلة أصحابها حول عدم نجاعتها قبل بحث معضلة عدم نجاعة المشاريع و فعالية الترسانة القانونية في الحد من أخطار الكوارث بمختلف أنواعها.