في كل سنة توقع السيول والفيضانات، خسائر بالجملة لاسيما في الأرواح، وتأتي على البني التحتية، والممتلكات العمومية والخاصة، من دون أن تهتدي السلطات لوضع تدابير محكمة وإجراءات ناجعة، للحد من تكرر هذه الكوارث، رغم الملايير التي أهدرت في خطط "الوقاية من الفيضانات" وعناوين أخرى ابتلعت الأموال ولم تحل دون ابتلاع السيول المواطنين وممتلكاتهم. أنفاق ضخمة "تحت الأرض" لحماية العاصمة من الطوفان كارثة باب الوادي تتربّص بالعاصمة مرّة أخرى ! تشهد مختلف الشوارع والأحياء على وقع السيول في كل مرة تتهاطل الأمطار، جراء كثرة الأودية التي فاق عددها المائة واد، على غرار الفيضانات التي سجلتها العاصمة قبل 16 سنة، وراح ضحيتها مئات الأشخاص وتسجيل خسائر مادية معتبرة، ما جعل السلطات أمام تحد لإيجاد حلول جذرية لمشكل الفيضانات من جهة، ومن جهة ثانية تأمينها من أخطار السيول. وأمام استمرار وتجدد السيول في كل مرة تتساقط فيها الأمطار، فكرت الحكومة ممثلة في وزارة الموارد المائية في وضع نظام امني لحماية المدن من الفيضانات والكوارث، تتمثل في تجسيد مجموعة من المشاريع الضخمة، التي تهدف إلى امتصاص مياه الأمطار وتحويلها مباشرة نحو البحر، بهدف تفادي تراكمها بالشوارع والطرقات وبالتالي الكوارث الكبرى. "الشروق" ارتأت الوقوف عن كثب حول المشاريع التي سطرتها السلطات الولائية بالعاصمة، من اجل حماية العاصمة من الفيضانات، وهي المشاريع التي أوكلت إلى مديرية الموارد المائية، وأغلب هذه البرامج تم الانطلاق فيها مباشرة بعد كارثة الفيضانات التي ضربت العاصمة في السنوات الماضية.
هذه البلديات مهددة بالفيضانات وتم إعداد دراسة معمقة من طرف مديرية الموارد المائية بالتنسيق مع مديرية التعمير من اجل تحديد المناطق المهددة بالفيضانات والانجرافات بسبب وجود أودية على غرار بوزريعة ووادي قريش وباب الوادي وبني مسوس ووادي اوشايح وحسين داي والقصبة، حيث خلصت الدراسة إلى ضرورة وضع مخطط "استعجالي" من أجل حماية هذه المناطق من الفيضانات والكوارث، خاصة وأن كميات الأمطار التي تمر عبر شوارع تقدر بمئات الكيلومترات في الثانية، ما جعل السلطات المعنية في الشروع في إعداد هذا المخطط وتسطير مجموعة من المشاريع. وبعد الدراسة المعدة تبين العديد من المشاكل بسبب ضيق وصغر حجم الأودية، وبالتالي أوصت الدراسة بضرورة الشروع في إعداد برنامج ضخم لإعادة تهيئتها مجددا وتوسعتها حتى تسمح بتصريف مياه الأمطار مهما كان حجمها، من خلال تهيئة الأودية وهو ما تجلى من خلال مشاريع تهيئة أودية رغاية والحميز ووادي اوشايح وبني مسوس ووادي الحراش. وحسب كمدير الموارد المائية لولاية الجزائر كمال بوكريشة، فإن السلطات الولائية بعد الدراسات المعمقة التي أجرتها وجدت صعوبة في توسعة بعض الأودية بالنظر إلى احتوائها أحياء كاملة، وبالتالي كانت في مواجهة خيارين، إما تهديم هذه الأحياء على غرار حي طرابلس وبعض الأحياء بالمقرية ووادي اوشايح، بغرض توسعة مساحة الوادي، أو اللجوء لخيار أخر وهو إنجاز نفق ضخم يسمح بامتصاص مياه الأمطار وصبها مباشرة في وادي الحراش دون المرور على مجراه الطبيعي.
مخطط استعجالي ل "تجنيب" العاصمة الكوارث وأمام هذا الوضع، تم اللجوء إلى الخيار الثاني حيث تمت برمجة مشروع ضخم لانجاز نفق ارضي يربط بين حي "عدل" بعين النعجة بوادي الحراش مرورا بمنطقة وادي أوشايح على مسافة مقدرة ب 2.5 كلم، لاستيعاب الكميات الكبرى من مياه الأمطار وبالتالي تجنيب العاصمة من الكوارث والفيضانات بصفة كلية. وحسب مدير الموارد المائية، فإن ما يعرف بوادي اوشايح، هو عبارة عن واد يجمع بين وادين هما وادي رمانة القادم من أعالي بئرمرادرايس وحيدرة والقبة وغيرها ووادي عبقي القادم من بن عكنون ليكون تجمعها في منطقة عين النعجة وتحديد بمحاذاة حي عدل بعين النعجة، حيث يسير مباشرة إلى وادي الحراش مرورا بوادي اوشايح وأحياء المقرية وطرابلس بحسين داي، ثم يعرج نحو مصب وادي الحراش الذي يصب بدوره في البحر، ما أدى في وقت سابق إلى بروز السيول وتراكم مياه الأمطار بشكل مكثف، وبعد إعداد الدراسة كانت السلطات الولائية مجبرة على توسيع الوادي لامتصاص الكميات الكبيرة من المياه، حيث كان لزاما تهديم كل الأحياء الواقعة هناك، وهو ما يتطلب أغلفة مالية كبيرة ووقتا طويلا من أجل تجسيد المشروع. وبالتالي تم اتخاذ قرار بإنجاز نفق أرضي مباشر يربط بين نقطة تجمع الوادي ووادي الحراش مرورا بنفق وادي اوشايح، على مسافة معتبرة تقدر ب2.5 كيلومتر، وهو النفق الذي يبلغ قطره أربعة أمتار كاملة، حيث انطلق شهر افريل الماضي على أن تنتهي الأشغال به قبل نهاية السنة المقبلة، وبالتالي تلك المنطقة ستتخلص نهائيا من مشكل الفيضانات.
حزام أمني.. أنفاق وشوارع تحت الأرض لتفادي "خطر" الفيضان .. ونحن بصدد مرافقة مهندسي المؤسسة المكلفة بالانجاز وهي مؤسسة كوسيدار رفقة الشريك البلجيكي بداخل النفق، لفت انتباهنا الاستعانة بآلات جد متطورة من أجل القيام بالحفريات التي بلغت 1.2 كيلومتر أي 50 بالمائة من المشروع، فضلا عن وضع أنابيب خراسانية جاهزة، ومثبتة بإحكام لتفادي أي انهيار للنفق مستقبلا، وحسب المكلفين بالمشروع فإن هذه التقنية العالية حديثة جدا، وتستخدم بكثرة في الدول المتطورة، حيث تمكن من انجاز أنفاق تخلص المدن من الفيضانات، كما بإمكانها استقطاب كميات معتبرة من الأمطار تصل كميتها إلى 100 متر مكعب في الثانية، أي 6000 متر مكعب في الدقيقة، وهي كميات كبيرة بإمكانها إغراق العاصمة في لحظة واحدة، مشيرين أن هذا المشروع سيحمي هذه المنطقة من السيول حتى لو تساقطت أمطار طوفانية. وأضاف محدثونا انه بالتزامن مع أشغال الحفر الأرضي، يتم تجسيد مشروع مجمع ضخم للمياه بحي عدل بعين النعجة، وهذا المجمع له طاقة استيعاب ضخمة جدا لامتصاص مياه الأمطار القادمة من بلديات بئرمرادرايس وبن عكنون وبعض أحياء القبة وأحياء سعيد حمدين، لتصب جميعها في هذا المجمع وبالتالي تسير مباشرة في النفق ومن ثم صبها في وادي الحراش. أما المشروع الثاني الضخم فيستمل في وادي مكسل باب الوادي، التي كان أول مشروع من نوعه بالجزائر، وهو عبارة عن نفق ضخم يبلغ طوله 6 كيلومترات، يقطع بلدية باب الوادي ويصب بالقرب من ملعب الإخوة فرحاني، حيث يمتص الكميات الكبيرة من المياه التي تنبع من خمسة أودية وهي وادي "فري فالون" ووادي "سكوتو" و"وادي بارون" و"وادي مجدب"، وهي التي تمر عبر بلديات القصبة ووادي قريش وبوزريعة والأبيار وجزء من بن عكنون، أي أعالي العاصمة لتصب في ما بعد في باب الوادي، ولهنا تم إنشاء هذا النفق الضخم ليكون مدعما لنفق آخر بالقرب منه، بطاقة استيعاب تبلغ 630 متر مكعب في الثانية بقطر تبلغ مسافته الأربعة أمتار، لتصب بدورها في مجمع أخر كبير وهو وادي باسكال أين يتم نقله مباشرة إلى مجمع الخروبة، ومن ثم نحو محطة تصفيه المياه المستعملة قبل صبه في وادي الحراش.
فيما عولجت باقي النقاط السوداء بالولاية وادي بشار لا يزال يهدد سكان عاصمة الساورة شهدت عاصمة الساورة بشار خلال العشر سنوات الأخيرة، العديد من الفيضانات التي أدت إلى خسائر مادية وخسائر في الأرواح، بسبب ضعف البنى التحتية، من طرقات وجسور وكذا قنوات صرف المياه وهو ما جعل الدولة تسارع لتجديدها من خلال رصدها لأموال طائلة.. هذه الكوارث جعلت السلطات العليا في البلاد تصنف حينها ولاية بشار ولاية منكوبة. ورغم توالي السيول ورغم أن الدولة صرفت الملايير من أجل حل مشكل البنية التحتية بعاصمة الساورة، إلا أن النقطة السوداء تبقى على مستوى وادي بشار الذي بقي مشروع تهيئته حبرا على ورق لتكتفي السلطات المحلية بتنظيفه في كل مرة، كما لا يزال الخطر يهدد سكان قرية قير اللطفي ببلدية العبادلة والمصنفة قرية منكوبة منذ سنوات عديدة، وهم ينتظرون حلم الرحيل نحو القرية الجديدة التي شيدتها السلطات الولائية لهم بمنطقة أم الضرابين والتي لم تكتمل بها الأشغال إلى حد الآن، رغم أنها قاربت على النهاية. من جهة أخرى، تمكنت السلطات المحلية في السنة الماضية من إنجاز العديد من الجسور على مستوى النقاط السوداء بقصور الساورة، على غرار الجسر المتواجد بمخرج بلدية إيقلي من الجهة الجنوبية، وكذا جسر بلدية اللواتة الذي تم تدشينه هذه السنة من طرف الوالي الحالي دزيري توفيق، بالإضافة إلى جسر وادي صفاية بمنطقة كسيكسو. وبعض الجسور الصغيرة على مستوى قصور الشمال من جهة موغل والصفصيفة. فيما انطلقت الأشغال بالجسر المؤدي لبلدية إيقلي من الجهة الشمالية في انتظار انطلاق الأشغال بالجسر المتواجد بمخرج عاصمة الولاية باتجاه بلدية العبادلة، ولتفادي الكوارث داخل أحياء وشوارع المدينة تسارع السلطات الولائية الزمن للانتهاء من مشروع إعادة قنوات الصرف الصحي بكل أحياء عاصمة الولاية، حيث قاربت الأشغال 70 بالمئة، وهي الأشغال التي تبعتها عملية تعبيد كل طرقات أحياء المدينة، من خلال الغلاف المالي الذي رصدته الدولة لتهيئة المدينة والمقدر ب100 مليار. وتبقى فيضانات 2008 عالقة في عقول سكان المنطقة بسبب الخسائر الكبيرة خاصة على مستوى الجسور، بكل من قرى وبلديات وادي الساورة، وكذا قصور الشمال بالإضافة إلى الطريق الوطني رقم 6 المؤدي لمنطقة الشمال. ما تسبب في شل الحركة وعزل العديد من القرى والبلديات وكبد الموالين خسائر كبيرة من حيث الثروة الحيوانية. كما لقي حينها خمسة أشخاص مصرعهم بوادي قلوم على الطريق المؤدي لبلدية بني ونيف، بعدما جرفت السيول سيارة الطاكسي التي كانوا على متنها. فيما تمكنت مصالح الحماية المدنية من إنقاذ العديد من الأشخاص وقتها، ممن علقوا بالوديان. وفي 2014 عادت السيول لتجرف معها الأرواح وتحطم العديد من السكنات الهشة والجسور، وتشل حركة المرور وتعزل العديد من القرى في صورة أعادت لأذهان سكان بشار، ما حدث لهم في 2008 ما جعلهم يصبون جم غضبهم على المسؤولين بسبب تهاونهم في القضاء على النقاط السوداء، خاصة على مستوى عاصمة الولاية، أين تسببت السيول العارمة من الأمطار في غرق العديد من الأحياء، وحتى السكنات. وبالخصوص على مستوى أحياء بشار الجديد والدبدابة. وهو نفسه ما حدث في سنة 2015 بعدما تسبب وادي بشار في خسائر كبيرة.
السلطات المحلية تهمل التدابير الاحتياطية وتقصي "أمناء السيل" غرداية مهددة بفيضان قادم! يهدد فيضان كبير ولاية غرداية مستقبلا، قد يسجل خسائر ضخمة بالنظر للأسباب القائمة لوقوع الكارثة، يأتي هذا بعد مرور أسابيع من الذكرى التاسعة لفيضان أكتوبر 2008، والذي سجل خسائر بشرية ومادية معتبرة، مست ثماني بلديات، رغم إنجاز بعض المشاريع القاعدية، للتقليل من حجم الأضرار. كشف المهندس حجاج باحمد عضو هيئة أمناء السيل لقصر غرداية ل"الشروق" أن هناك أسبابا قائمة قد تؤدي إلى كارثة مائية حقيقية كسابقتها بالولاية، ما لم تسارع السلطات المحلية لتداركها قبل فوات الأوان، حيث أفاد أنه لا يمكن اعتبار السدود المائية الثلاثة الكبيرة حول مجرى سهل وادي مزاب آمنة، ما لم تشهد فائضا في منسوب المياه ولا مرة واحدة، حتى يمكن إخضاعها لتجربة يمكن القول حينها إنها آمنة أو غير ذلك، ويتعلق الأمر بسد لعديرة، وسد بوبريك، وسد واد الأبيض، بقدرة استيعاب 24 مليون م3، وعلو قدره 25 م. وأضاف حجاج باحمد أن السكنات المتواجدة على ضفاف الوادي، تشكل خطرا محدقا بحياة المواطنين، لعدم احترام المسافة التي يفترض أن تكون بين مجرى الوادي والمنطقة السكنية. وقد شهدت المنطقة توسعا عمرانيا رهيبا للسكن على ضفاف الوادي وفي الواحات، أمام شح البرامج السكنية، وضغوطات الظروف الاجتماعية، مما يدفع بالمواطنين القاطنين على ضفاف الوادي، المتضررين منهم من السيول إلى ترميم سكناتهم الهشة أو المنهارة للسكن فيها مرة أخرى، ضاربين بالتعليمات الواردة في التقارير الصادرة بعد كارثة 2008 عرض الحائط. وأشار المتحدث إلى أهمية تدريب المواطن في غرداية على مواجهة السيول المفاجئة (في حالة وقوعها)، للتمكن من القيام بالتصرف الأنسب، وفق تقرير أفاد به مكتب الدراسات بونار إيقردن السويسري سنة 1998، إضافة إلى تهميش وإبعاد هيئة أمناء السيل لقصور وادي مزاب من طرف الإدارة المحلية، التي تبرمج وتخطط وتنفذ من دون الأخذ برأي هيئة الأمناء الداركين لخصوصيات المنطقة، والملمين بمعطياتها الدقيقة، حيث دعا المهندس حجاج باحمد إلى دعم هيئة الأمناء بترسانة قانونية لتكون لها سلطة في الردع واحترام قراراتها خاصة من طرف سكان المنطقة، ومن دون قوة القانون تبقى هيئة شكلية فلكلورية لا تؤدي مهامها كما ينبغي - حسبما أضاف المتحدث -. ومعلوم أن السلطات المحلية قامت بإنجاز عدة مشاريع قاعدية بعد وقوع فيضان 2008، ويتعلق الأمر بإعادة ترميم بعض السدود المائية، وتوسعة مجرى وادي مزاب، إضافة إلى دعم جدرانه، إلا أنه تم تسجيل عدة تجاوزات تقنية في نوعية الإنجاز، ما يعني أنه لم يتم العمل بتوصيات ونتائج تقارير الخبرة التقنية، التي باستطاعتها إبعاد الخطر عن ولاية غرداية مجددا، عند هطول كميات معتبرة من الأمطار، التي أضحت هاجسا مخيفا لسكان المنطقة، مما يتعين على السلطات الولائية باتخاذ كافة الاحتياطات الضرورية لتجنب وقوع أي كارثة مستقبلا.