استفاق البحر من غفوته وجاش من بعيد.. ونطق بلسان الحال قائلا: لباس الطهر والنقاء بانت عورته مع حلول شهر آذار... وقتئذ ركبت صهوة السهاد أتقلب على الجمر أتنفس الهموم... !! اليوم خرج من دائرة صمته لتوه يتأبط وعدا متبخرا.. وبنظرة كسيرة ووجه ممتعض استرق اللحظات المشرقة من حياتي.. ومما زاد من مخاوفي لغة البدو التي ارتشفها كفنجان قهوة... ! مزقت أحلامي الوردية.. وبعثرت دفاتر أيامي الحلوة... وأخيرا ألقت بي في لجج البحار ومعاجم الأضداد... تائها خلف القضبان ألهث وراء الفصاحة والبيان لأفض مفاتح الألغاز وسر الأكوان.. ولكن الزمان أبى أن يكون في صالحي... حينما تسمرت روحي وتوارى صوتي المجلجل وتلاشى بريقه ... ! كليل أرخى سواده بقدومه يطفئ ضوء النهار بأشعته النارية.. شريط الذكريات بحماقاته شاخ مع مرور الزمن وتآكل.. وطفق ينشر أجنحته في عروقي ودمي.. عذوبة صوته مالت للغلظة والخشونة لتكتب حروفا على صفحات ذابلة وبلهجة مهترئة... ! أشبه ما تكون بأوراق خريف مترامية الأطراف... يملك قسوة مقيتة كانت البرك الآسنة معابدها... يشري خوارم المروءة في المزاد العلني وسوق النخاسة بأبخس الأثمان.. ليملك سجلا حافلا بالطوباويات. ليرسم بفطنته المترهلة خطوط حضارة زائفة... !! وعلى آلة حدباء صير إكسير الفرح في عداد الموتى.. وعلى حين غرة انتشل شعاع الأمل في داخل أعماقي ورمى به هناك في الأقاصي البعيدة بين الهجران ولهب النيران.. أملاك أنا أم إنسي؟!! سلام على قلب لا يحصي محاسن غيره.. ويتصيد الزلات فيجعل منها دياجير الأفراح...!!