أثبت حراك 22 فبراير أنه لن يصوم عن المسيرات، ومصر على رحيل كل رموز النظام السابق، وأنه يرفض أي حل من الحلول، ما لم تحدث القطيعة مع من حطموا البلاد وتسببوا في الأزمة السياسية التي تتخبط فيها اليوم، وعبثوا بمصير هذا الوطن، بعدما نهبوا ثرواته، وبددوا وتلاعبوا بأموال الشعب، هذا ما اتفقت عليه جل المطالب المرفوعة في المسيرات الحاشدة ، التي يخرج فيها ملايين الجزائريين إلى الشارع كل جمعة عبر كامل التراب الوطني، فالكل مصر على التغيير الجذري لا غير، من خلال العبارة الشهيرة «يتنحاو قاع» التي تعدى صداها حدود الوطن. في البداية كانت الشعارات تعبر عما كان يختلج في صدر كل محتج على الوضع المتعفن، من خلال شعارات كانت عفوية لكنها تحمل رسائل قوية، لأصحاب السلطة والقرار وتنتقد كل رموز النظام، فالكل راح يشفي غليله ويصب غضبه في لافتات أو رسومات كاركاتورية، تفنن وأبدع كل واحد في تصميمها، للتعبير عن حجم الألم و الفساد، بكل أشكاله وألوانه، والحقرة والإهانة المرتكبة في حق الشعب والوطن على مدار العقدين الماضيين، شعارات كانت تتغير و تتطور من موعد لآخر، وتساير الأحداث والمستجدات، وترفع من سقف مطالبها حسبما تقتضيه الحالة، أو ترد على قرارات السلطة، لكنها كانت تؤكد في كل مرة، على مدى تحضر ووعي هذا الشعب، وتحليه بالمسؤولية اتجاه وطنه، وكيف أظهر نضجا سياسيا أبهر الجميع، فاق السياسيين أنفسهم، بدليل أنه حقق بسلميته، ما عجزوا هم عن تحقيقه على امتداد مسارهم الطويل ! و هو بذلك جدير بلقب «فخامة الشعب» الذي رفعه المتظاهرون في المسيرات...وهو يستحق كل الاحترام والتقدير على صموده وعلى كل المكاسب التي حققها حتى الآن. تكاد كل الشعارات المرفوعة تتشابه عبر كامل التراب الوطني، ورغم أن المطلب واحد والهدف واحد، لاسيما فيما يتعلق برحيل ما تبقى من الباءات ورموز النظام السابق، وانتخابات الرابع جويلية المقبل الذي نقرأه في هذا الشعار، «لا انتخابات مع العصابات»، وكذا ضرورة تفعيل المادتين 7 و 8 من الدستور، إلا أن هناك بعض وجهات النظر المختلفة بدأت تطفو على السطح، حول الحلول السياسية الكفيلة بإخراج البلاد من دوامة الأزمة التي تشهدها اليوم، وكذا الآليات التي ستمكنها من عبور هذه المرحلة الحرجة والحساسة بأقل تكلفة وضرر، فالإختلاف بات جليا حول أسماء الشخصيات التي يقترحها الشعب اليوم لقيادة هذه المرحلة العابرة، وملموسا من خلال الخطابات التي تضمنتها الشعارات المرفوعة في الآونة الأخيرة، سواء في الشارع أو عبر موقع التواصل الإجتماعي «فيسبوك»، والتي أفرزت انقسامات في التوجهات والأفكار، كما نلمسه في شعار «نريدها بادسية نوفمبرية»، الذي أثار جدلا واسعا، بين الإسلاميين من جهة و العلمانيين من جهة أخرى، وعليه بات من الضروري عدم السماح لمن يزعجهم الحراك، باستغلال هذا الاستقطاب الإيديولوجي الذي بدأ يبرز في المسيرات، للنيل منه و تشتيته وإحداث انشقاقات بداخله، كما يتوجب دراسة كل الاحتمالات والمقترحات والأفكار والآراء، دراسة دقيقة حتى لا نقع في أخطاء السابق أو نكرر سيناريوهات غير محمودة العواقب، لأن الأمر يتعلق بمستقبل أمة ووطن...وعليه وجب التمسك بمبادئ الثورة السلمية وأهدافها الأساسية، التي لا تزال تشكل القاسم المشترك لكل الجزائريين.