في الشعر صار الأدب أكثر غربة داخل كلام «عام» يغلب عليه تحذلق ما. صار كافيا بالنسبة للكلمة الأولى أن تكون مفتاحا للفهم: إما أن تتقدم أو تحجم عن القراءة، وصارت بعض القصائد أو ما يسميها أصحابها كذلك من الخطوة الأولى مزعجة ، هذا لأن كلمة أدب ارتبطت عند الشاعر بالكتابة على منوال معين وعلى خطى معلومة، ولكنها لو كانت تثير لدى الشاعر الجهل المطلق بالتاريخ تاريخ الكتابة والكفر بالذاكرة والعصيان الدائم للنظام نظام الكتابة، مع الإحساس المستمر بالفقر والعجز لكان الشعر في موقع آخر. ===== « الكتابة وبخاصة في الشعر سابقة عن المهارة أو الصناعة. إنها تنشأ من شقوق كثيرة وجروح متعددة. وبما أنها غير مكتملة فهي دائما في حالة بداية ===== كانت مشكلة ابن قتيبة في مقدمة كتابه الشعر والشعراء هو البحث عن « أوائل» الشعراء، فكانت النتيجة أن ليس هناك أول، بل هناك شعر فقط. تنبيه من فقيه لمشكلة الكاتب في الثقافة العربية ==== « الإلحاد على المستوى الشعري للكلمة يعني اختبار العالم كشهادة على التجربة من دون إقحام للدين أو للإيمان. إن الشعر يرتبط بالأشياء عبر اللغة والمخيلة والرؤية. تعظم التجربة الشعرية كلما خرجت من دائرة الإيمان وأسست لثقافة تستمد قوتها مما تتيحه دائرة الوجود العام والوجود الإنساني بشكل خاص. الشعر يتكثف باستثمار الحس في هذا العالم. كل خبرة الشاعر تأتي من هذا الاختبار داخل دائرة الوجود. معيار الفن والجمال هو كيف استطاعت التجربة الشعرية أن تمنح حسا مختلفا - من خلال القراءة - بهذا الوجود الذي يعايشه البشر بشكل يومي ومتكرر ===== يقع الشعر في الموقع الهش من العالم. جغرافيا تائهة من دون حدود، ومكان ضال من دون نهاية. الذي يقف في الجهة الصلبة المعروفة بحدودها يتأمل الشعر وكأنه شيء يمكن أخذه باليد: مجرد تحفة ذات كتلة معروفة. هذه المعرفة التي سيطرت على الأذهان مثل: الشعر كلام موزون مقفى يدل على معنى الذي أعيد إنتاجه في زمن الحداثة ظلت هي هي، مألوفة ومنتشرة وغالبة على الألسن. الذي تم تجاهله حقا هو الشعر في جغرافيته وفي الموقع الذي ينتقل فيه باستمرار، ولأنها جغرافيا من دون حدود فالمعرفة المستفادة خلاقة و ولودة وكل يوم هي في شأن. ===== المفترض في قارئ الشعر « الشعر هنا بمعناه المفتوح» أنه قد اكتسب أدوات إدراكية من نوع جديد. كل قارئ مرّ بثقافة شعرية معينة، أو ثقافة تدور حول الشعر. من الطبيعي أن تلهمه تلك الثقافة بأدوات معينة، وقد يسيطر الوهم بأنها أدوات مكتملة، لكن مسيرة الشعر لا تعترف بمسيرة القارئ، هي مسيرة لا تنتظر، الشعر تقدمي ومستقبلي، وهو الذي يأتي دائما. إذا ظلت الثقافة على حالها من دون أن يدرك القارئ طبيعة الشعر الخلاقة فلن تصيب هذه الثقافة و هذا القارئ شيئا. يظل الشعر يبتعد. أما إذا تطورت الثقافة الشعرية أو التي تستلهم من الشعر وأدركت الجوهر الذي يقوم عليه كل شعر في العالم تبدأ باكتساب أدوات جديدة تناسب منزل الشعر الذي ليس له أبواب بتعبير الشاعرة الإيطالية « ألدا ميريني».