كلمة "أدب" متفحمة الدلالة، أي صارت لا شيء، فارغة من المعنى والأهم من ذلك أن نرمي بها في الشارع ليتضح بأنها لا تعني سوى الهروب والكذب والاحتيال والسذاجة. لعله من المفيد أيضا أن تتعرض هذه الكلمة لفهم الشارع وجمهور البسطاء لكي يعاد إنتاجها وفق منطق العري الخالص الذي يؤمن به البسيط والمتعفف والبعيد عن العوالم الأدبية المزيفة. الأدب لا يقرأ، يعاش ويتحول بفعل التجربة إلى حياة خالصة. الرواية مثلا لم تكن بمثل ما هي عليه اليوم: احتفال في احتفال، كانت انعطافة للتجربة الإنسانية بالمطلق مع الجهل الكامل بالقواعد البورجوازية للكتابة، أي أن الرواية كانت تكتب وفق معيش خالص أو متخيل باذخ يعادل العالم. كانت الرواية بديلا عن عالمنا المستباح، هي الآن ومن دون تعميم طبعا استلابا لعالمنا البسيط وخيانة لوعينا وهدرا لقيمة الوقت، لأن التجربة تقع هناك حيث أعرف وأمتحن وأحيا. الكتابة في حدود النشر مسرحية هزلية. الكتابة التي لا تغير مواقعها وليس موضوعاتها - على سخافة كلمة موضوع - كتابة ثابتة ومنتهية. الموقع لا يتحدد بالمسافة والخرائط، الموقع يحدده فعل الشتات والتشطي والتذرر. الموقع هو ما يتجلى في مخيلة الوجود. الموقع هو النداء الدائم للشعر، النداء الذي نجهل مصدره باستمرار. وطاعة هذا النداء هي حركية الشعر داخل الكتابة: حركية تقوض البناء وتعصف بالثقافة ولا تؤمن بالعالم موجودا كما هو. ما جنيته من الأدب كجوهر هو أن الحياة لا تقاس بعدد الكلمات والجمل التي يكتبها الأدباء أو الأشباه. الحياة حالة من التوهج الذي يصيب الإنسان كمفرد وليس كصيغة جماعية للعيش، وخلال الإصابة يكمن الفارق بين ما هو جوهري في فهم الحياة وما هو سطحي. الكتابة في مفهومها المتعالي والبورجوازي " أي السائد" تحاول التعمية على جوهر الحياة، فيما الكتابة الحقيقية والتي هي قليلة جدا ونادرة بالطبيعة تصلنا بهذا الجوهر الذي يقيم في الحياة، في سطحها كما في عمقها. أليس هناك كتابة قليلة ومختصرة لا زالت تعكس عظمة الكلمة بالقياس إلى التجربة، وهناك فائض لا يزال متراكما إلى اليوم وهو ما يتداوله تلامذة الجامعة " ومنهم الأساتذة خصوصا"ورواد أسواق الأدب "المعارض" ومرتادي المقاهي الأدبية لسماع الشعر، هذا الفائض لا يزال يعمي البصيرة ويعشش في العقول ويطبعها بطابعه السخيف. لذلك هناك الكثير مما يقال في تردي الذوق الأدبي.