يومًا ولا أتذكرُ أني مشيتُ إليكِ سنينًا من الجمرِ .. أني اختلقتُ الكثير من الكذِبِ المُرِّ كي أستمرَّ مع الأرض في الدورانِ وأُقنعَني بالحياة بعيدًا عن الكمنجاتِ في خطوك القمحِ .. كيف أحبكِ يوما ولا أستعيدُ الفلاةَ التي طارحتْني وعودَ الغبارِ وملحَ القصائدِ وهْي تسيرُ إلى الموت حافيةً إذ يرافقُها في الطريق إليكِ الغيابْ .. ... كيف يمكنني أن أحبّكِ دون التفاتيِ إلى النهر حيث الضفافُ اغتسالُ الصحارى من الرملِ و الفتياتُ ملأنَ دمي بالينابيعِ ثم انكسرنَ على ريحِ نايٍ يُراقصنَ ذاكرةً من ظباءٍ و ركضٍ وليلٍ وأسألها عنكِ: لا أثرٌ في خطاها يجيبُ ولا مطرٌ عالقٌ في زحامِ الضبابْ .. ... ولا شيء غير الغبار الذي لفَّ الغبارَ .. الرذاذ الذي في الرمادِ وأنتِ تمرّين دوني إلى جهة الحزن حيث انتظرتُك حتى أوَى كلّ طيرٍ إلى وَكره واختفى العاشقون مع العاشقاتِ ولم يبقَ منّي ومنكِ سوى بيتنا واقفًا مثلنا في الخرابْ .. ... كيف يمكنُني أن أحبّكِ دون مُقاسمة الريح ما بعثرتْ منكِ من جُلّنار الصّبا و حمام الرصيف وما خسرتْ من مواعيدَ عالقةٍ في أعالي الخريف .. الأعالي التي جلّلتْها الثلوجُ لتمتدَّ بيضاءَ بيضاءَ مثل حليبِ القصائدِ مثل مناديلنا في الوداعِ الحزينِ المهرولِ بين خطوط الذهاب وبين خطوط الأيابْ .. ... كيف يمكنني أن أحبكِ مثل جميع الذين أحبّوا حبيباتهم .. وأنا لا أجيد الكلام عن الحبّ حين تطلّين من جانب الصمتِ مأهولةً بالعصافير مأخوذةً بالأغاني المجيدة ترتفعُ الآن عابثةً بالأميراتِ يرقصنَ في باحة القصر أعني: ببؤبؤِ عينيكِ ينثرن نوّار لوزٍ إذا ما عبرتِ الرواق الطويلَ الطويل المؤدّي إلى آخر السطرِ حيث انتهى كلَّ شيء إلى كلِّ شيء وشكّلَنا مطرا للسحابِ وذابْ .. ... كيف يمكنني أن أحبكِ دون التورّط في ليلِ شعركِ وهو يفتح للشمس نافذةً وبابْ ..؟ ... في أصابعكِ الآن وهْي تثيرُ انتباهَ فتى عابرٍ في عروقي يعود إلى دمه لاهثًا إذ تُؤرجحُه الآنَ من خجلٍ في السلام إلى عسلٍ في الكلامِ فيمنحُها لحْم أيامه كي يعود إلى غيِّه بين أحراش فتنتِها ويقول لها : يا فنائي خُذيني إلى آخر الشِّعر أقصدُ أولَهُ .. ودعيني هنا أتعلَمُ كيف ألملمُ هذا الهبوبَ .. أعيدُك أمْنيةً للرياح التي أطعمتْني الربيعَ ونشهَقُ بالعطر حتى الصباح .. صباح العروس .. صباح الحرير الذي هندسَ الليل قافيةً في دم المتداركِ تأتي وتأبى تراودُه وتراوغُه ثم تشعلهُ ثم تشعلهُ ثم تسألهُ ثم تمنحه في السؤال الجوابْ ..! ... كيف يمكنني أن أحبكِ دون تسلُّقِ أعشابِ ليلكِ أجمع أقماره قمرا قمرًا وأضيع حريرا على مرمرٍ ضائع في الحنين إلى أن أرانيَ في مهمهِ الشمس أبني لنا مُدُنا لا بيوتَ بها لا شوارع فيها وفيها السماءُ السماء .. فكيف إذا غبتِ أعرفُ كيف أفرّق بين مياه يديكِ وبين يديِ في السرابْ.. ... كيف يمكنني أن أحبكِ .. كيفَ ..؟! ولا يتعثّر هذا المدى كلّهُ بالفراشات في ذيلِ عطركِ .. يسقطُ فيها كما يسقطُ العطرُ من وردةٍ في كتابْ ..