أبدًا لم تخُنِّي القصيدةُ قبلكِ لم يَهربِ الشعرُ منّي .. وكنتُ أميرَ الحروفِ وسيدَها قبل عينيكِ .. ماذا تغيّرَ ؟ حتى أصيرَ بلا لغةٍ وبلا شفةٍ لأغنّي كما كنتُ قبل المساءِ الأخيرِ وأجرحَ بالعطر هذا المدى مثلما كنتُ أفعل منذ ثلاثين عامًا.. وماذا تغيّرَ حتى يضيّعَني اللارجوع وحتى تضيعَ جميعُ الخرائطِ مني وأنْحاز للصمتِ مثل صبيٍّ خجولْ يباغته قبل عُشب الكلام الذهولْ.. أنا سيّدُ الشمسِ والليلِ مالي أرتّقُ صمتيِ وألثَغُ باسمكِ أحبو إلى أوّلِ الحرفِ أسقطُ في مستهلِّ الطلولْ.. وكنتُ وعدْتكِ أني سأكتبُ عنكِ كما يكتبُ العاشقون الكبار وهم يسرِجون إلى الحربِ. . أني سأرسُم ريحًا تهبُّ لتلهو بشالكِ توقظ في قمحِهِ ما تمَوْسقَ من مُستحيلْ ومن وشوشاتِ الندى وعصافيرَ مترعةٍ بالسماءْ . فماذا تغيّرَ ؟ حتى أصيرَ أسِيرَ الرصيفِ الذي كلّما قيل ها عبَرتْ يتشكّلُ خلفكِ أسرابَ شوقٍ و يغمره شجَرٌ للبكاءْ .. وكنتُ الوحيدَ الذي يستطيع الغناءْ .. فكيف أصير هنا فجأةً مُعْدَمًا دون قافيةٍ أو رَوَيْ كأنّكِ ألغيتِ خمسين عامًا من الحبّ والشعرِ أخجلتِ كلّ القصائدِ أفرَغْتِها من جميع النساءْ .. و لا أعرف الآنَ .. كيف أتيتِ و كيف استويتِ و كيف انفجرتِ وبعْثَرتِنيِ فجأةً في مهبِّ الهباءْ..! أنا ههنا في عيون الجميلاتِ من أول الوردِ مُمتلئا بالينابيعِ والذكرياتْ وأنصبُ في كل ركنٍ لهُنَّ خياماً وفُسطاطَ شعرٍ وأُدهِشهُنَّ كما شئتُ حتى عبرتِ هنا مرّةً فاندهشتُ وصرتُ بلا أثرٍ أو رصيفْ .. كأنيّ هنا ما عبرتُ كأنيَ ما كنتُ إلاّ لأجْمَعني إذ تبعثرتُ يا كلَّ هذي العواصفِ يا كلَّ هذا الخريفْ ويا عطر هذي الحدائقِ يا جمرَ كلِّ الحرائقِ ماذا سأكتبُ عنكِ ؟ وهذي الأصابعُ تبحثُ عن حرفِها مثلما يتحسّسُ صمتَ المساءِ مساءٌ كفيفْ .. مساءَ السنونو مساءَ الحفيفْ.. مساءَ انتحارِ الشجَرْ مساءَ الكَمنْجاتِ مُصطفّةً في طريقِ القمرْ.. مساءَ المطرْ .. مساءَ ال... مساءْ مساءَ الغزالاتِ راكضةً للسماءْ مساءَ انهمارك فيَّ مساءَ انهياريَ فيكِ مساءَ الذي فجأةً لم يعد يستطيعُ الغناء ..!