أكدت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم أن معركة استرجاع جماجم شهداء المقاومة الوطنية بدأت من فرنسا وتحديدا من متحف مدينة روان عندما طالب أحفاد «الماوري»، وهم السكان الأصليون لنيوزيلندا، باسترجاع رفات أجدادهم التي كانت موجودة بمتحف هذه المدينة الفرنسية. وهو ما تبعه أخذ ورد بين مختلف الجهات أفضى إلى صدور قوانين سهلت كثيرا عملية استرجاع جماجم الشهداء الجزائريين. وقالت السيدة بن براهم في تصريح ل «الجمهورية» في هذا السياق أمس بمناسبة استعادة الجزائر لرفات شهداء المقاومة الشعبية: «لا بد من الإشارة أن المعركة لم تبدأ من الجزائر بل بدأت في فرنسا من طرف أحد أحفاد «الماوري» الذين تم قطع رؤوس أجدادهم ، حيث كانت جماجمهم موجودة بمتحف روان، فقام بطلب استرجاع رفات أجداده وتم قبول طلبه ، وعلى إثر ذلك قامت بلدية روان برفع دعوى قضائية احتجاجا على قيام المتحف بمنح هذه الرفات ، ليتدخل مجلس الدولة الفرنسي ويؤكد بأنه لا يمكن منح الرفات لأي جهة لأنها تعتبر ملكا للمتحف ، ومن هنا وبعد تواصل مطالب استرجاع الرفات من طرف ذويهم تم سن قانون جديد حيث أقر البرلمان الفرنسي بحق استرجاع الرفات ولكن بشرط تنحية طبيعة ملك المتحف واستبدالها بمادة أو شيء لأن الأمر يتعلق برفات إنسان ، وبعد ذلك تدخلت اليونسكو وقالت أنه لا يمكن اعتبار الرفات ملكا للمتحف ولا يحق لأي متحف الإحتفاظ بها إلا إذا كان عمرها أكثر من ألف سنة ، وهذا ما فتح لنا الباب للمطالبة باسترجاع رفات شهداء الثورة والمقاومة حيث قمت باغتنام هذه الفرصة بصفتي قانونية وطالبنا باستغلال هذا القانون ، وقمنا كأحفاد شهداء بمراسلة المتحف للمطالبة باسترجاع رفات أجدادنا الشهداء حيث بدأت العملية في هدوء منذ سنة 2014 وكان الطلب باسم جمعية مشعل الشهيد ، وقامت إدارة المتحف بالرد علينا من خلال الصحف الفرنسية حيث أكدت أنه لا يمكنها أن تقبل أي طلب يأتي بواسطة جمعية لأن الشرط الأساسي في استرجاع الرفات هو أن يتم دفنها بعد استعادتها والجمعية لا يمكنها القيام بهذه العملية ، وهو ما جعل الدولة الجزائرية تدخل في مفاوضات دبلوماسية لاسترجاعها». «الإستقلال الحقيقي لهؤلاء الشهداء هو اليوم» وأضافت نفس المتحدثة بخصوص نجاح الجزائر في استرجاع رفات الشهداء: «لقد كانت لي علاقة طيبة مع المحافظ الذي كان يشرف على المتحف حيث أبان لنا عن استعداده لمساعدتنا باسم القانون إذ منحنا العديد من الملفات وهو ما جعل فرنسا تحيله على التقاعد بشكل سريع ، وبودي أن يحضر للجزائر ليقدم شهادته في القضية». وقالت السيدة بن براهم عن رمزية الحدث : «عندما قامت السلطات الإستعمارية بقطع رؤوس المقاومين كانت تهدف من خلال هذه الخطوة إلى قطع رأس الثورة، وعليه فإن الإستقلال الحقيقي لهؤلاء الشهداء هو اليوم وليس في 1962 ، لأنهم كانوا محبوسين واليوم عادوا إلى بلدهم ، وعليه فهذه العملية هي بمثابة إحياء للذاكرة والتاريخ، في الحقيقة أنا أرفض عبارة الجزائر الجديدة لأن الجزائر لم تكن أبدا جديدة، فحسب علماء الأنثروبولوجيا أول إنسان على الأرض ظهر بالجزائر ، وعموما أنا أفضل عبارة الجمهورية الجديدة ، وهذه الخطوة هي من مظاهر الجمهورية الجديدة». معركة قانونية مضنية وعما إذا كانت عملية استرجاع جماجم شهداء المقاومة قد جاءت متأخرة أم في وقتها أجابت السيدة بن براهم : «هذا أمر الله ولا يمكنني أن أقول أنها جاءت متأخرة ، فالله اختار الوقت المناسب، الأهم هو أن هذه الخطوة ستزيد في وحدة الشعب الجزائري ، وبالمناسبة فقد وجهت دعوة إلى كل نساء الجزائر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب إلى إطلاق الزغاريد بمجرد وصول الطائرة التي تحمل الرفات إلى الجزائر (أمس) تعبيرا عن فرحتها برجوع أجدادنا الذين سمحوا لنا برفع رؤوسنا من خلال رفضهم للإستعمار ، فهذه الخطوة تحمل دلالات عديدة ... ولا يجب أن ننسى أن هؤلاء الشهداء لم يكونوا عسكريين بل مدنيين ما بين فلاحين ورجال دين وغيرهم ، ومن دلائل ذلك هو هبوط الطائرة العسكرية التي حملت الرفات بمطار هواري بومدين المدني». وعما إذا كانت هذه الخطوة ستتبع بإعادة إحياء المطالبة بتجريم الإستعمار أجابت نفس المتحدثة: «استرجاع الرفات هو بحد ذاته تجريم للإستعمار ، لأنه إثبات للجرائم البشعة التي قامت بها فرنسا ، معركة تجريم الإستعمار تبدأ بحرب الأفكار ، وفرنسا تطلب دفن التاريخ ولكننا نرفض ذلك لأن المستقبل مبني على التاريخ ، فرنسا تعتقد أنها جلبت الحضارة للجزائر لكنها في الحقيقة جلبت لنا الجريمة ، سيكون هناك نقاش قانوني بعد هذه المرحلة ، فهناك العديد من الملفات الحساسة التي أعمل عليها حاليا وكل ما أطلبه هو الدعم من الدولة ، أنا لا أتعامل مع الأشخاص بل مهمتي هي الكتابة الصحيحة للتاريخ ، وأتحدى أي جهة في الجزائر تكفلت يوما ما بمصاريف سفري إلى فرنسا في إطار البحوث التي أقوم بها ، وأنا شخصيا لم أطلب أي شيء ما عدا الدعم أو على الأقل تمكيني من الحصول على بطاقة باحثة حرة فأنا إبنة شهيد ولا شيء سيوقفني في أبحاثي ، لكنني أجد الكثير من العقبات والعراقيل رغم كل النتائج التي حققتها عكس بعض الأطراف الذين يتلقون الأموال في أعمالهم ولم يتمكنوا من جلب ولا وثيقة للجزائر في تنقلاتهم». وكشفت في الأخير المحامية فاطمة الزهراء بن براهم أن مهمتها القادمة تتمثل في تحريك ملف المفقودين الجزائريين بكاليدونيا الجديدة.