[email protected] تحيلنا تصرفات شخصية « لالا أندلس» في كونها تنبذ اللون الأسود، ولا تخفي تطيرا لرؤيته، فلا ترتدي الألوان السوداء من الألبسة، وكذا الأقمشة والأفرشة، وحتى المأكولات وغيرها، مما جعل حالتها النفسية تتأزم يوما بعد يوم، وهذه العادة ورثتها من الأندلسيين «إذ كانوا يتشاءمون من اللون الأسود، فحتى في أحزانهم يرتدون البياض وهي عادة ووراثة من العهد الأموي، حيث كانوا مخالفين لشعار السواد عند العباسيين، هذا أكبر دليل على أنّ العادات والتقاليد ارث اجتماعي ..» (9) ، وفي كل مرة، تحيلنا السّاردة إلى استحضار عادات وتقاليد موروثة تختص بهما شخصياتها عبر المتخيّل السّردي الحكائي في هذه الرواية المشوّقة، تعكس جليّا حضارة أهل الأندلس، وتاريخها الزاخر جسدتهما كل من « أندلس « الفتاة الجميلة، والجدة الكبرى» لالا أندلس» المنصهرة بحرارة التجربة، وقوة الذاكرة، والمفعمة بالحنين والأمل المنشود .. من أجل استعادة الموروث الحضاري للفردوس المفقود ؛ رمز الحضارة العربية الأندلسية بعد أن اندثرت في الواقع، حيث سعت الساردة «ربيعة جلطي» في هذه الرواية إلى رصد المكان والزمان والعودة إلى أصول التاريخ المنسي المهمّش، والحضارة الأندلسية المتجذرة، ومن بين الشخصيات التاريخية التي وظفتها الساردة أيضا شخصية «أمازيغ» الفارس المتخيل والأمل المفقود، الرجل الملتحم بالواقع، الذي يتفاعل مع العالم الخارجي، والمتمتع بشخصيته المستقلة، تحيلنا شخصيته إلى «طارق بن زياد» فاتح الأندلس في عهد الخلافة الأموية، حيث أرسله القائد موسى بن نصير إلى القوطيين ( قبائل ذات أصول جرمانية) وانتصر عليهم في معركة جواد ليبني (واد الرباط) وبعد الانتصار، أصبحت الأندلس تحت الحكم الأموي..» (10)، هذا الرجل الأمازيغي الذي سلب قلب « أندلس» فأحبته، ولكن لظروف ما تركها ليسافر إلى موسكو، ليختفي بعد ذلك ..» سري أن قلبي دق لرجل ليس كالرجال، دق له وحده على حين غرة، ولم يدق سوى لواحد وحيد يهتف له وبه».(11)، وهذا ما جعلها ترفض كل عروض الزواج لأجل هذا الرجل الأمازيغي المفعم حيوية وثقافة، ومدافعا ومناضلا عن هويته وتراثه وأجداده حيث تصفه « أندلس « قائلة :« في الجلسات المعدودة التي منت بها علينا صدفة الحياة الجميلة، اكتشفت ثقافته العميقة في الفنون الجميلة والشعر، كثيرا ما قرأ لي أمازيغ مقاطع من قصائد جميلة، يختار منحاها فلسفيا بالأمازيغية ...» (12). ولذلك وظفته الساردة لعلاقة تربط الأمازيغيين مع الأندلس، أين انعكس هذا الترابط والتواصل التاريخي شخصية «أندلس» مع هذا الأمازيغي.. فالعنصر الأمازيغي» دخل بكثرة مع الغزو الإسلامي وتمكن من الاندماج بسرعة مع النخبة الحاكمة، وتمكن من الوصول إلى حكم العديد من الممالك الطائفية، أما العلاقة بين المغرب والأندلس فكانت أكثر وثوقا لا يمكن الفصل بين تاريخيهما، فالدولة الأموية تمكنت من السيطرة على عدة مواقع في المغرب، وتشكل جنسها أساسا من الأمازيغ، ولجأت العديد من الأسر إلى العدوة بعد أن صارت الأندلس تابعة للدول المغاربية «(13)، ومنه نجد أن الساردة قد وفقت في توظيف هذه الشخصية التاريخية، وهي شخصية « أمازيغ» الذي يشبه في تصرفاته ومواهبه أهل الأندلس، كونه يحب الشعر والموسيقى والفنون الجميلة وغيرها وكأنه ورثها من شعبها. فالروائية جسدت هذه الشخصية التي تعكس تلك الهوية الضائعة التي تحاول مرارا النهوض من جديد وسط تعفن النظام السياسي وتسلط الدولة على الشعب، حسب ما نقلته لنا الروائية ، وهي تتحدث عن رغبة»أمازيع « الزواج من الفتاة الحالمة « أندلس» وقد جاء على لسانها:« في آخر المساء ودّعني أمازيغ على أمل أن نلتقي حال عودته من موسكو بعد أسبوع، وكان يبدو سعيدا ومنتصرا، سافر أمازيغ، هل سافر فعلا أم لم يغادر، مازال اللغز قائما» (14)وبذلك تحيلنا الروائية عبر المتخيل الحكائي، على أن حضارة الأندلس بالرغم من سقوطها إلا أن ثمة أمل متجدد لاستعادة هذا الصرح الضائع أو الفردوس المفقود المتمثل في الحضارة العربية الأندلسية وتاريخها المعشق بالأمل وبروائح الياسمين، حيث ظلت «أندلس» وفيه ل «أمازيغ» الفارس المتخيّل المفقود رغم غيابه عنها حيث تقول: « يظل في قلبي مكان فارغ لساكن جديد، كنت أحس أنّ أمازيغ يرفرف حولي مبتسما يمد لي يده وأنّه سيعود ذات يوم «(15) .. كل هذه الاعترافات التي جاءت على لسان « أندلس» بأن العهد الذي رسمته مع «أمازيغ « لن يضيع على مدى الأيام، وأنها سوف تسترجع تلك الذكريات المخملية معه يوما ما... وهذه الذكريات تستعرضها لنا الروائية في منجزها السردي التخييلي بلغة شعرية عاطفية .. لتحيلنا لفكرة انبعاث أندلس جديدة، أو رحلة بحث عن الفردوس المفقود باعتبارهما مكونا أساسيا للحضارة الحالية. فشخصية كل من « أندلس» و«أمازيغ» وما حدث بينهما من حب ووفاء على أمل لقاءات أخرى، لها عدة دلالات مضمرة في النص الروائي؛ و محاولة من الروائية «ربيعة جلطي» عبر المتخيل السردي استرجاع بلاد الأندلس؛ الذي تستحضره الكاتبة تاريخيا وعبر عوالمها السردية في الرواية ...إنه تاريخ الأندلس والمجد العربي الذي تبدد بسبب الصراعات والتناحر على السلطة. ومنه، فقد وظفت الساردة في هذه الرواية عدة عناصر تمثل الموروث الحضاري النوستالجي لذاكرة الأندلس من خلال تفاعل شخصياتها الحكائية وعبر عوالم السرد المتخيل من خلال شخصيتي « أندلس» و «لالا أندلس»، منها: تسمية البطلة ب : «أندلس» لما له من دلالات رمزية تحيلنا إلى هويتها، وانتمائها لبلاد الأندلس مهد الحضارة العربية الإسلامية، ورمز الأصالة والازدهار، ضف إلى ذلك حبل التواصل مع الموروث الحضاري للمجتمع، وتعريفه للأجيال القادمة، وحسن اختيار الساردة لشخصياتها النسوية التاريخية عن طريق السرد المتخيل دلالة تلميح منها على ثراء الرصيد الثقافي والتاريخي والأندلسي المتوقد تحت راية الثقافة العربية الإسلامية، كما استعادت الساردة ذاكرة المجد العربي المتمثل في تاريخ الأندلس/ الفردوس المفقود من خلال تضمينها لعدة فنون أدبية، وفنية وغنائية، كان الأندلسيون مولعون بها مثل: الشعر، والعزف على الآلات الموسيقية والغناء الأندلسي، والفنون التشكيلية كاستماع الجدة «لالا أندلس» للموشحات الأندلسية ، وتأثرها بالغناء الأندلسي، وتشاؤمها من اللون الأسود الذي ورثته من عادات أهل الأندلس، دون أن ننسى توظيف الساردة لشخصية تاريخية مهمة تمثلت في « أمازيغ» الفارس المتخيل الذي كان يحب « أندلس» حيث جمعتهما نفس الأفكار كالفنون والأدب والقراءة وغيرها من المعارف، والهدف من تضمين هذا الرمز التاريخي هو العلاقة المتوطدة بين سكان المغرب والأندلس، وكان اختيارها موفقا، نظرا لتوثيق الصلة والمودة التي كانت «أندلس» تحياها مع شخصية « أمازيغ» الذي تركها فيما بعد مسافرا نحو موسكو، وظلت وفية له، حيث تعكس هذه الرابطة وهذا التواصل الذي انتهجته الروائية عبر المتخيل الحكائي؛ أن حضارة الأندلس بالرغم من سقوطها إلا أن ثمة أمل متجدد لاستعادة هذا الحلم الضائع أو الفردوس المفقود المتمثل في الحضارة العربية الأندلسية وتاريخها الزاهر الذي تشتت بسبب الصراعات والتناحر على السلطة. انتهى