لماذا عجزنا عن وضع حد لجرائم عصابات الأحياء في مدننا و أحيائها الشعبية و العصرية على حد سواء رغم ترسانة القوانين و الإجراءات العقابية المتخذة للتصدي لهما ؟ التساؤل ينبغي أن تجيب عنه الجهات المعنية بوقاية المجتمع من مثل هذه الجرائم التي بدأت «تقليد صبية» لمشاهد مسلسلات تستعيد طقوس غابرة لقبائل انقرضت , لتتطور مع تطور المجتمع و تعقيدات علاقاته الاجتماعية و ما تعانيه من اختلالات ناجمة عن التفكك الأسري , و تراجع الدور التربوي للمدرسة؛ و التي لا شك أن تعامل هذه الجهات مع الظاهرة منذ عقود في إطار المهام المنوطة بها , قد وفر لها من المعطيات (أو من المفروض أن يوفرها لها) ما يمكنها من وضع «بطاقية وطنية اسمية –طبيعية و اعتبارية – « لكل المنتمين إلى هذا النوع من العصابات والمتورطين في الجرائم التي ترتكبها على مرأى و مسمع الجميع , بحيث ما إن يتعرض حي أو شخص لاعتداء بأسلحة بيضاء , إلا و أمكن لهذه الجهات المختصة تحديد المتسببين فيها دون كبير عناء. يبدو أن كل ما كان موجودا من قوانين لردع الجرائم المرتكبة على الأشخاص و الممتلكات ,لم تكن كافية للتعامل مع جرائم عصابات الأحياء , و لذا كان لا بد من إصدار أمر رئاسي مؤرخ في 30 آوت 2020 يتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء و مكافحتها , و هو الأمر الذي حاول بمواده الأربعين ,سد جميع الثغرات التي كان يتسلل عبرها أعضاء عصابات الأحياء للإفلات من العقاب الرادع لهم . و يحاول الأمر الرئاسي الجديد حصر كل القطاعات التي يمكنها بشكل أو بآخر تشجيع هذا النوع من النشاط الإجرامي بشكل أو بآخر أو تحت أي عذر كان , بحيث استند النص القانوني الجديد في مرجعيته على الدستور بطبيعة الحال ,ثم القانون العضوي المتعلق بالإعلام , قانون الإجراءات الجزائية و قانون العقوبات و المساعدة القضائية و الأمر المتعلق بالعتاد الحربي و الأسلحة والذخيرة , قانون حماية الأشخاص المعوقين و حمايتهم و القانون التوجيهي للتربية الوطنية ,و القانون التوجيهي للتكوين و التعليم المهنيين , و قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و و القانون المتضمن القواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال و مكافحتها و قانون البلدية و الولاية و قانون الجمعيات و قانون النشاط السمعي البصري , و قانون حماية الطفل , قانون القواعد العامة المتعلقة بالبريد و الاتصالات الإلكترونية , و كذا قانون الصحة . و لعله من حظ جميع القطاعات و الأطراف المذكورة ضمن مرجعية هذا النص القانوني , أنها ستستفيد أو تساهم في التطبيق السليم لمواده,و التي تحدد المادة الثانية منها مفهوم «عصابة أحياء» التي تقع تحت طائلة هذا القانون «كل مجموعة , تحت أي تسمية كانت مكونة من شخصين أو أكثر ,ينتمون إلى حي سكني واحد أو أكثر , تقوم بارتكاب فعل أو عدة أفعال بغرض خلق جو انعدام الأمن في أوساط الأحياء السكنية أو في أي حيز مكاني آخر , أو بغرض فرض السيطرة عليها , من خلال الاعتداء المعنوي او الجسدي على الغير أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو امنهم للخطر أو المساس بممتلكاتهم ,مع حمل أو استعمال أسلحة بيضاء ظاهرة أو مخبأة. و يشمل الاعتداء المعنوي في ذات المفهوم القانوني ,»كل اعتداء لفظي من شأنه أن يخلق الخوف و الرعب لدى الغير, كاتهديد أو السب أو الشتم أو القذف أو الترهيب أو الحرمان من حق.»,كما يعتبر الأمر الرئاسي السلاح الأبيض :ل آلة أو أداة أو أي أجهزة تشكل خطرا على الأمن العمومي :ما هي محددة في التشريع و التنظيم المتعلقين بأسلحة الساريي المفعول. أليات الوقاية من الآفة ويستعرض الأمر الرئاسي في الفصل الثاني آليات الوقاية من عصابات الأحياء من خلال قيام الدولة بوضع استراتيجية وطنية للوقاية من هذه الآفة و اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك بإشراك القطاعات المعنية و فعاليات المجتمع المدني , و كذا وضع لجنة وطنية و أخرى ولائية للوقاية من عصابات الأحياء , و ضمان الحماية لضحاياها, و قد أعطى المشرع حق تحريك الدعوى العمومية تلقائيا للنيابة العامة عندما تكون الجريمة المرتكبة تمس بالأمن و النظام العموميين , و اتاح المشرع كذلك للجمعيات الناشطة في مجال حقوق الإنسان و جمعيات الأحياء إيداع شكوى امام الجهات القضائية و التأسيس كطرف مدني , مع إمكانية اللجوء إلى اساليب التحري الخاصة المنصوص عليها في التشريع المعمول به , لجمع الأدلة المتعلقة بجرائم هذه العصابات . عقوبات مشددة ضد أفراد العصابات و في الأحكام الجزائية , فإن رئاسة عصابة أحياء ستعرض صاحبها لعقوبة الحبس من 10 إلى 20 سنة و بغرامة من مليون إلى مليوني دج . كما ينص الأمر الرئاسي على عقوبات متفاوتة الشدة على كل من له علاقة بنشاط هذه العصابات ,بالإيواء او التمويل أو الترويج أو تسهيل هروب أعضائها , أو إرغام اشخاص على الانخراط فيها , بل إن العقوبة قد تصل إلى السجن المؤبد في حالة الاستراك في مشاجرات بين العصابات و ترتب عن ذلك وفاة أحد المتشاجرين . كما يعاقب بالحبس بين 5و 12سنة و غرامة مالية ,كل من يصنع او يصلح سلاحا أبيض أو يستوره أو يوزعها و ينقل أو يبيع أو يعرض للبيع أو يشتري قصد البيع أو يخزن أسلحة بيضاء لفائدة عصابة أحياء مع علمه بغرضها. كما نص القانون على تشديد العقوبات المذكورة في حالة تجنيد العصابة للأطفال أو الأشخاص المعاقين , او في حالة اقتحام حرمة منزل , او استعمال تكنولوجيات الإعلام و الاتصال ' او حمل أو استعمال سلاح ناري ...او ارتكاب الجريمة تحت تأثير المخدرات او المؤثرات العقلية , او من طرف أكثر من 12 شخصا . كما يمنح القانون فرصة الاستفادة من الإعفاء من العقوبة لكل من ساعد على القبض على اعضاء العصابة قبل مباشرة إجراءات المتابعة. و لا شك ا، التبطيق الصارم والسليم لهذا الأمر الرئاسي سيتيح الخروج من الحلقة المفرغة التي فرضتها عصابات الأحياء على السلطات العمومية ,في ظل الثغرات القانونية و التباكي غير البريئ للبعض على حقوق الانسان .